وما أرسلنا في قرية من نذير أي: نبي ينذر إلا قال مترفوها وهم أغنياؤها ورؤساؤها .
قوله تعالى: وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا . في المشار إليهم [ ص: 460 ] قولان . أحدهما: أنهم المترفون من كل أمة . والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خولهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: وما نحن بمعذبين لأن الله أحسن إلينا بما أعطانا فلا يعذبنا، فأخبر أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ; والمعنى أن بسط الرزق وتضييقه ابتلاء وامتحان، لا أن البسط يدل على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك . ثم صرح بهذا المعنى بقوله: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال يصلح أن تقع " التي " على الأموال والأولاد جميعا، لأن الأموال جمع والأولاد جمع; وإن شئت وجهت " التي " إلى الأموال، واكتفيت بها من ذكر الأولاد; وأنشد الفراء: لمرار الأسدي:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وقد شرحنا هذا في قوله: ولا ينفقونها في سبيل الله [التوبة: 34] وقال المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين يقربونكم، فحذف اختصارا . وقرأ الزجاج: أبي بن كعب، والحسن، " باللاتي تقربكم " . قال وأبو الجوزاء: و " الأخفش: زلفى " هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقربكم عندنا ازدلافا . وقال : " ابن قتيبة زلفى " أي: قربى ومنزلة عندنا . [ ص: 461 ] قوله تعالى: إلا من آمن قال المعنى: ما تقرب الأموال إلا من آمن وعمل بها في طاعة الله، الزجاج: فأولئك لهم جزاء الضعف والمراد به ها هنا عشر حسنات، تأويله: لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمتكم مقداره . وقال : لم يرد فيما يرى أهل النظر- والله أعلم- أنهم يجازون بواحد مثله، ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مثل يضم إلى مثل ما بلغ، وكأن الضعف الزيادة، فالمعنى: لهم جزاء الزيادة . وقرأ ابن قتيبة سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: " لهم جزاء " بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلا " الضعف " بالرفع . وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، " لهم جزاء " بالرفع والتنوين " الضعف " بالرفع . وأبو عمران الجوني:
قوله تعالى: وهم في الغرفات يعني [في] غرف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية . وقرأ " في الغرفة " على التوحيد; أراد اسم الجنس . وقرأ حمزة: الحسن، " في الغرفات " بضم الغين وسكون الراء مع الألف . وقرأ وأبو المتوكل: أبو الجوزاء، بضم الغين وفتح الراء مع الألف وابن يعمر: آمنون من الموت والغير . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج: 51، الرعد: 26 إلى قوله: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه أي: يأتي ببدله، يقال: أخلف الله له وعليه: إذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام أربعة أقوال .
أحدها: ما أنفقتم من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه، قاله سعيد بن جبير .
والثاني: ما أنفقتم في طاعته، فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي .
والثالث : ما أنفقتم في الخير والبر فهو يخلفه، إما أن يعجله في الدنيا، أو يدخره لكم في الآخرة، قاله ابن السائب .
[ ص: 462 ] والرابع : أن الإنسان قد ينفق ماله في الخير ولا يرى له خلفا أبدا; وإنما معنى الآية: ما كان من خلف فهو منه، ذكره الثعلبي .
قوله تعالى: وهو خير الرازقين لما دار على الألسن أن السلطان يرزق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم، أخبر أنه خير المعطين .