الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في  [ ص: 209 ] الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب    . 
قوله تعالى:  (الحج أشهر معلومات) .  
في الحج لغتان . فتح الحاء ، وهي لأهل الحجاز ،  وبها قرأ الجمهور . وكسرها ، وهي لتميم ،  وقيل: لأهل نجد ،  وبها قرأ  الحسن .  قال  سيبويه:  يقال: حج حجا ، كقولهم: ذكر ذكرا . وقالوا: حجة ، يريدون: عمل سنة . قال  الفراء:  المعنى: وقت الحج هذه الأشهر . وقال  الزجاج:  معناه: أشهر الحج أشهر معلومات . 
وفي أشهر الحج قولان . أحدهما: أنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، قاله  ابن مسعود ،   وابن عمر ،   وابن عباس ،  وابن الزبير ،  والحسن ،   وابن سيرين ،   وعطاء ،   والشعبي ،   وطاووس ،   والنخعي ،   وقتادة ،   ومكحول ،   والضحاك ،   والسدي ،  وأبو حنيفة ،   وأحمد بن حنبل ،   والشافعي ،  رضي الله عنهم . والثاني: أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وهو مروي عن  ابن عمر  أيضا ،  وعطاء ،   وطاووس ،   ومجاهد ،   والزهري ،  والربيع ،   ومالك بن أنس .  قال  ابن جرير الطبري:  إنما أراد هؤلاء أن هذه الأشهر أن ليست أشهر العمرة ، إنما هي للحج ، وإن كان عمل الحج قد انقضى بانقضاء منى ، وقد كانوا يستحبون أن يفعلوا العمرة في غيرها . قال  ابن سيرين:  ما أحد من أهل العلم شك في أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج ، وإنما قال:  (الحج أشهر)  وهي شهران وبعض الآخر على عادة العرب   . قال  الفراء:  تقول العرب:  له اليوم يومان لم أره ، وإنما هو يوم ، وبعض آخر . وتقول: زرتك العام ، وأتيتك اليوم ، وإنما وقع الفعل في ساعة . وذكر  ابن الأنباري  في هذا قولين . أحدهما: أن العرب  توقع الجمع على التثنية ، كقوله تعالى: أولئك مبرءون مما يقولون  وإنما يريد  عائشة  وصفوان .  وكذلك قوله: وكنا لحكمهم شاهدين  يريد:  [ ص: 210 ] داود  وسليمان .  والثاني: أن العرب  توقع الوقت الطويل على الوقت القصير ، فيقولون: قتل  ابن الزبير  أيام الحج ، وإنما كان القتل في أقصر وقت . 
فصل 
اختلف العلماء فيمن أحرم بالحج قبل أشهر الحج ،  فقال  عطاء ،   وطاووس ،   ومجاهد ،   والشافعي:  لا يجزئه ذلك ، وجعلوا فائدة قوله:  (الحج أشهر معلومات)  أنه لا ينعقد الحج إلا فيهن . وقال أبو حنيفة ،   ومالك ،   والثوري ،   والليث بن سعد ،   وأحمد بن حنبل:  يصح الإحرام بالحج قبل أشهر ، فعلى هذا يكون قوله:  (الحج أشهر معلومات)  أي: معظم الحج يقع في هذه الأشهر ، كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم:  "الحج عرفة" . 
قوله تعالى: فمن فرض فيهن الحج  قال  ابن مسعود:  هو الإهلال بالحج ، والإحرام به   . وقال  طاووس ،   وعطاء:  هو أن يلبي . وروي عن علي ،   وابن عمر ،   ومجاهد ،   والشعبي  في آخرين: أنه إذا قلد بدنته فقد أحرم ، وهذا محمول على أنه قلدها ناويا للحج . ونص الإمام  أحمد بن حنبل ،  رضي الله عنه ، في رواية  الأثرم:  أن الإحرام بالنية . قيل له: يكون محرما بغير تلبية؟ قال: نعم إذا عزم على الإحرام ، وهذا قول  مالك ،   والشافعي .  وقال أبو حنيفة:  لا يجوز الدخول في الإحرام إلا بالتلبية أو تقليد الهدي وسوقه   . 
قوله تعالى:  (فلا رفث)  قرأ  ابن كثير ،   وأبو عمرو ،   وأبو جعفر:   (فلا رفث ولا فسوق) بالضم والتنوين . وقرأ  نافع ،   وعاصم  ،  وابن عامر ،   وحمزة ،   والكسائي  بغير تنوين ، ولم يرفع أحد منهم لام "جدال" إلا  أبو جعفر   . قال أبو علي:  حجة من فتح أنه أشد مطابقة للمعنى المقصود ، لأنه بالفتح قد نفى جميع الرفث والفسوق ، كقوله:  (لا ريب  [ ص: 211 ] فيه)  فإذا رفع ونون ، كان النفي لواحد منه ، وإنما فتحوا لام الجدال ، ليتناول النفي جميع جنسه ، فكذلك ينبغي أن يكون جمع الاسمين قبله . وحجة من رفع أنه قد علم من فحوى الكلام نفي جميع الرفث ، وقد يكون اللفظ واحدا ، والمراد بالمعنى: الجميع . 
وفي الرفث ثلاثة أقوال   . أحدها: أنه الجماع ، قاله  ابن عمر ،   والحسن ،   وعكرمة ،   ومجاهد ،   وقتادة  في آخرين . والثاني: أنه الجماع ، وما دونه من التعريض به ، وهو مروي عن  ابن عمر  أيضا ،  وابن عباس ،   وعمرو بن دينار  في آخرين . والثالث: أنه اللغو من الكلام ، قاله أبو عبد الرحمن اليزيدي .  وفي الفسوق ثلاثة أقوال   . أحدها: أنه السباب ، قاله  ابن عمر ،   وابن عباس ،  وإبراهيم  في آخرين . والثاني: أنه التنابز بالألقاب ، مثل أن تقول لأخيك: يا فاسق ، يا ظالم ، رواه  الضحاك  عن  ابن عباس .  والثالث: أنه المعاصي ، قاله  الحسن ،   وعطاء ،   وطاووس ،   ومجاهد ،   وقتادة  في آخرين ، وهو الذي نختاره ، لأن المعاصي تشمل الكل ، ولأن الفاسق: الخارج من الطاعة إلى المعصية . 
قوله تعالى:  (ولا جدال في الحج)  الجدال: المراء . وفي معنى الكلام قولان . 
أحدهما: أن معناه: لا يمارين أحد أحدا ، فيخرجه المراء إلى الغضب ، وفعل ما لا يليق بالحج  ، وإلى هذا المعنى ذهب  ابن عمر ،   وابن عباس ،   وطاووس ،   وعطاء ،   وعكرمة ،   والنخعي ،   وقتادة ،   والزهري ،   والضحاك  في آخرين . 
والثاني: أن معناه: لا شك في الحج ولا مراء ، فإنه قد استقام أمره وعرف وقته وزال النسيء عنه ، قال  مجاهد:  كانوا يحجون في ذي الحجة عامين ، وفي المحرم عامين ، ثم حجوا في صقر عامين ، وكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين حتى وافقت حجة أبي بكر   [ ص: 212 ] الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة ، ثم حج النبي من قابل في ذي الحجة ، فذلك حين قال:  "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" وإلى هذا المعنى ذهب  السدي  عن أشياخه ،  والقاسم بن محمد .  
قوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى  قال  ابن عباس:  كان أهل اليمن  يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون ، فيسألون الناس ، فأنزل الله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى  قال  الزجاج:  أمروا أن يتزودوا ، وأعلموا أن خير ما تزودوا تقوى الله عز وجل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					