وقال شيخ الإسلام رحمه الله الله فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28975الأسباب التي بين الله وعباده وبين العباد : الخلقية والكسبية . الشرعية ; والشرطية . قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } افتتح السورة بذكر خلق الجنس الإنساني من نفس واحدة ; وأن زوجها مخلوق منها وأنه بث منهما الرجال والنساء : أكمل الأسباب وأجلها ثم
[ ص: 13 ] ذكر ما بين الآدميين من الأسباب المخلوقة الشرعية : كالولادة
ومن الكسبية الشرطية : كالنكاح ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } قال طائفة من المفسرين من
السلف : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4تساءلون به } تتعاهدون به وتتعاقدون . وهو كما قالوا ; لأن كل واحد من المتعاقدين عقد البيع أو النكاح أو الهدنة أو غير ذلك يسأل الآخر مطلوبه : هذا يطلب تسليم المبيع . وهذا تسليم الثمن : وكل منهما قد أوجب على نفسه مطلوب الآخر فكل منهما طالب من الآخر موجب لمطلوب الآخر .
ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4والأرحام } . و " العهود " و " الأرحام " : هما جماع الأسباب التي بين بني
آدم ; فإن الأسباب التي بينهم : إما أن تكون بفعل الله أو بفعلهم . فالأول " الأرحام " و الثاني " العهود " ولهذا جمع الله بينهما في مواضع ; في مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1254&ayano=9لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة } فالإل : القرابة والرحم . والذمة العهد والميثاق .
وقال تعالى في أول البقرة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1740&ayano=13الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1741&ayano=13والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1745&ayano=13والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } .
واعلم أن حق الله داخل في الحقين . ومقدم عليهما ; ولهذا قدمه في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4اتقوا ربكم الذي خلقكم } فإن الله خلق العبد وخلق أبويه وخلقه من أبويه . فالسبب الذي بينه وبين الله هو الخلقي التام ; بخلاف سبب الأبوين ; فإن أصل مادته منهما وله مادة من غيرهما ; ثم إنهما لم يصوراه في الأرحام . والعبد ليس له مادة إلا
[ ص: 14 ] من أبويه والله هو خالقه وبارئه ومصوره ورازقه وناصره وهاديه ; وإنما حق الأبوين فيه بعض المناسبة لذلك ; فلذلك قرن حق الأبوين بحقه في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3514&ayano=31أن اشكر لي ولوالديك } وفي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=533&ayano=4واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } وفي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2069&ayano=17وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } وجعل النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=treesubj&link=28443التبرؤ من الأبوين كفرا ; لمناسبته للتبرؤ من الرب .
وفي الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600808من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر } أخرجاه في الصحيحين وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600809كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600810لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم } . فحق النسب والقرابة والرحم تقدمه حق الربوبية وحق القريب المجيب الرحمن ; فإن غاية تلك أن تتصل بهذا كما قال الله ; {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600811أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته } وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11064الرحم شجنة من الرحمن } وقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600812لما خلق الله الرحم تعلقت بحقو الرحمن فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة } .
وقد قيل في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1254&ayano=9لا يرقبون في مؤمن إلا } إن " الإل " الرب كقول
الصديق لما سمع قرآن
مسيلمة : إن هذا كلام لم يخرج من إل . وأما دخول حق الرب في العهود والعقود . فكدخول العبد في السلام وشهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن
محمدا رسول الله ; فإن هذا عهد الإسلام وهو أشرف العهود وأوكدها وأعمها وأكملها
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ الله فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28975الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ اللَّهِ وَعِبَادِهِ وَبَيْنَ الْعِبَادِ : الْخِلْقِيَّةُ والكسبية . الشَّرْعِيَّةُ ; وَالشَّرْطِيَّةُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } افْتَتَحَ السُّورَةَ بِذِكْرِ خَلْقِ الْجِنْسِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ; وَأَنَّ زَوْجَهَا مَخْلُوقٌ مِنْهَا وَأَنَّهُ بَثَّ مِنْهُمَا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ : أَكْمَلُ الْأَسْبَابِ وَأَجَلُّهَا ثُمَّ
[ ص: 13 ] ذَكَرَ مَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَخْلُوقَةِ الشَّرْعِيَّةِ : كَالْوِلَادَةِ
وَمِنْ الكسبية الشَّرْطِيَّةِ : كَالنِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ
السَّلَفِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4تَسَاءَلُونَ بِهِ } تَتَعَاهَدُونَ بِهِ وَتَتَعَاقَدُونَ . وَهُوَ كَمَا قَالُوا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْهُدْنَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْآخَرَ مَطْلُوبَهُ : هَذَا يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ . وَهَذَا تَسْلِيمَ الثَّمَنِ : وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ مَطْلُوبَ الْآخَرِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبٌ مِنْ الْآخَرِ مُوجِبٌ لِمَطْلُوبِ الْآخَرِ .
ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4وَالْأَرْحَامَ } . و " الْعُهُودُ " و " الْأَرْحَامُ " : هُمَا جِمَاعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ بَنِي
آدَمَ ; فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي بَيْنَهُمْ : إمَّا أَنْ تَكُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ أَوْ بِفِعْلِهِمْ . فَالْأَوَّلُ " الْأَرْحَامُ " و الثَّانِي " الْعُهُودُ " وَلِهَذَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي مَوَاضِعَ ; فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1254&ayano=9لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً } فَالْإِلُّ : الْقَرَابَةُ وَالرَّحِمُ . وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ .
وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1740&ayano=13الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1741&ayano=13وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1745&ayano=13وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ دَاخِلٌ فِي الْحَقَّيْنِ . وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا ; وَلِهَذَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَبْدَ وَخَلَقَ أَبَوَيْهِ وَخَلَقَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ . فَالسَّبَبُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هُوَ الْخِلْقِيُّ التَّامُّ ; بِخِلَافِ سَبَبِ الْأَبَوَيْنِ ; فَإِنَّ أَصْلَ مَادَّتِهِ مِنْهُمَا وَلَهُ مَادَّةٌ مِنْ غَيْرِهِمَا ; ثُمَّ إنَّهُمَا لَمْ يُصَوِّرَاهُ فِي الْأَرْحَامِ . وَالْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ مَادَّةٌ إلَّا
[ ص: 14 ] مِنْ أَبَوَيْهِ وَاَللَّهُ هُوَ خَالِقُهُ وَبَارِئُهُ وَمُصَوِّرُهُ وَرَازِقُهُ وَنَاصِرُهُ وَهَادِيهِ ; وَإِنَّمَا حَقُّ الْأَبَوَيْنِ فِيهِ بَعْضُ الْمُنَاسَبَةِ لِذَلِكَ ; فَلِذَلِكَ قَرَنَ حَقَّ الْأَبَوَيْنِ بِحَقِّهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3514&ayano=31أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=533&ayano=4وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2069&ayano=17وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=28443التَّبَرُّؤَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كُفْرًا ; لِمُنَاسَبَتِهِ لِلتَّبَرُّؤِ مِنْ الرَّبِّ .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600808مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلَّا كَفَرَ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600809كَفَرَ بِاَللَّهِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600810لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ } . فَحَقُّ النَّسَبِ وَالْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ تَقَدَّمَهُ حَقُّ الرُّبُوبِيَّةِ وَحَقُّ الْقَرِيبِ الْمُجِيبِ الرَّحْمَنِ ; فَإِنَّ غَايَةَ تِلْكَ أَنْ تَتَّصِلَ بِهَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ ; {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600811أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْت الرَّحِمَ وَشَقَقْت لَهَا مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتّهُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11064الرَّحِمُ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ } وَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600812لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الرَّحِمَ تَعَلَّقَتْ بِحِقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ الْقَطِيعَةِ } .
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1254&ayano=9لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا } إنَّ " الْإِلَّ " الرَّبُّ كَقَوْلِ
الصِّدِّيقِ لَمَّا سَمِعَ قُرْآنَ
مُسَيْلِمَةَ : إنَّ هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إلٍّ . وَأَمَّا دُخُولُ حَقِّ الرَّبِّ فِي الْعُهُودِ وَالْعُقُودِ . فَكَدُخُولِ الْعَبْدِ فِي السَّلَامِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَشَهَادَةِ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ; فَإِنَّ هَذَا عَهْدُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْعُهُودِ وَأَوْكَدُهَا وَأَعَمُّهَا وَأَكْمَلُهَا