الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عمن زنى بامرأة وحملت منه فأتت بأنثى : فهل له أن يتزوج البنت ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . لا يحل ذلك عند جماهير العلماء ولم يحل ذلك أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ; ولهذا لم يعرف أحمد بن حنبل وغيره من العلماء - مع كثرة اطلاعهم - في ذلك نزاعا بين السلف فأفتى [ ص: 139 ] أحمد ابن حنبل : إن فعل ذلك قتل . فقيل له ; إنه حكى فلان في ذلك خلافا عن مالك ؟ فقال : يكذب فلان . وذكر أن ولد الزنا يلحق بأبيه الزاني إذا استلحقه عنه طائفة من العلماء وأن عمر بن الخطاب " ألاط " أي ألحق أولاد الجاهلية بآبائهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولد للفراش وللعاهر الحجر } هذا إذا كان للمرأة زوج .

                وأما " البغي " التي لا زوج لها : ففي استلحاق الزاني ولده منها نزاع . " وبنت الملاعنة " لا تباح للملاعن عند عامة العلماء ; وليس فيه إلا نزاع شاذ ; مع أن نسبها ينقطع من أبيها ولكن لو استلحقها للحقته وهما لا يتوارثان باتفاق الأئمة . وهذا لأن " النسب " تتبعض أحكامه فقد يكون الرجل ابنا في بعض الأحكام دون بعض . فابن الملاعنة ليس بابن ; لا يرث ولا يورث وهو ابن في " باب النكاح " تحرم بنت الملاعنة على الأب . والله سبحانه وتعالى حرم من الرضاعة ما يحرم من النسب فلا يحل للرجل أن يتزوج بنته من الرضاعة ولا أخته ; مع أنه لا يثبت في حقها من " أحكام النسب " لا إرث ولا عقل ولا ولاية ولا نفقة ولا غير ذلك إنما تثبت في حقها حرمة النكاح والمحرمية .

                و " أمهات المؤمنين " أمهات في الحرمة فقط ; لا في المحرمية . فإذا كانت البنت التي أرضعتها امرأته بلبن در بوطئه تحرم عليه وإن لم تكن منسوبة إليه في الميراث وغيره : فكيف بمن خلقت من نطفته فإن هذه أشد اتصالا به من تلك وقوله تعالى في القرآن [ ص: 140 ] { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } الآية : يتناول ما يسمى بنتا حتى يحرم عليه بنت بنته وبنت ابنه ; بخلاف قوله في الفرائض : { يوصيكم الله في أولادكم } فإن هذا إنما يتناول ولده وولد ابنه لا يتناول ولد بنته ; ولهذا لما كان لفظ الابن والبنت يتناول ما يسمى بذلك مطلقا قال الله تعالى : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ليحرز عن الابن المتبنى - كزيد - الذي كان يدعى : زيد بن محمد . فإن هذا كانوا يسمونه " ابنا " فلو أطلق اللفظ لظن أنه داخل فيه ; فقال تعالى { الذين من أصلابكم } ليخرج ذلك . وأباح للمسلمين أن يتزوج الرجل امرأة من تبناه بقوله تعالى : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } .

                فإذا كان لفظ " الابن " و " البنت " يتناول كل من ينتسب إلى الشخص حتى قد حرم الله بنته من الرضاعة : فبنته من الزنا تسمى " بنته " فهي أولى بالتحريم شرعا وأولى أن يدخلوها في آية التحريم . وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه وجماهير أئمة المسلمين ولكن النزاع المشهور بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الزنا هل ينشر حرمة المصاهرة ; فإذا أراد أن يتزوج بأمها وبنتها من غيره ؟ فهذه فيها نزاع قديم بين السلف ; وقد ذهب إلى كل قول كثير من أهل العلم : كالشافعي ومالك في إحدى الروايتين عنه : يبيحون ذلك ; وأبو حنيفة وأحمد ومالك في الرواية الأخرى : يحرمون ذلك . فهذه إذا قلد الإنسان فيها أحد القولين جاز ذلك . والله أعلم .




                الخدمات العلمية