[ ص: 63 ] باب النفقات والحضانة قال شيخ الإسلام رحمه الله في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2واعلموا أن الله بما تعملون بصير } مع قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5289&ayano=65سيجعل الله بعد عسر يسرا } وفي ذلك أنواع من الأحكام بعضها مجمع عليه وبعضها متنازع فيه . وإذا تدبرت كتاب الله تبين أنه يفصل النزاع بين من يحسن الرد إليه وأن من لم يهتد إلى ذلك ; فهو إما لعدم استطاعته فيعذر . أو لتفريطه فيلام .
وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } يدل على أن هذا تمام الرضاعة وما بعد ذلك فهو غذاء من الأغذية . وبهذا يستدل من يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=12878الرضاع بعد الحولين بمنزلة رضاع الكبير . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2حولين كاملين } يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=12878لفظ " الحولين " يقع على حول وبعض آخر . وهذا معروف في كلامهم يقال : لفلان عشرون عاما إذا أكمل ذلك . قال
الفراء والزجاج وغيرهما : لما جاز أن يقول : " حولين " ويريد أقل منهما كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=212&ayano=2فمن تعجل في يومين } ومعلوم أنه يتعجل
[ ص: 64 ] في يوم وبعض آخر ; وتقول : لم أر فلانا يومين . وإنما تريد يوما وبعض آخر .
قال " كاملين " ليبين أنه لا يجوز أن ينقص منهما . وهذا بمنزلة قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=205&ayano=2تلك عشرة كاملة } فإن لفظ " العشرة " يقع على تسعة وبعض العاشر . فيقال : أقمت عشرة أيام . وإن لم يكملها . فقوله هناك {
nindex.php?page=tafseer&surano=205&ayano=2كاملة } بمنزلة قوله هنا {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2كاملين } وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14140الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفورا طيبة به نفسه أحد المتصدقين } " فالكامل الذي لم ينقص منه شيء ; إذ الكمال ضد النقصان . وأما " الموفر " فقد قال : أجرهم موفرا . يقال : الموفر . للزائد ; ويقال : لم يكلم . أي يجرح كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام
أحمد في " كتاب الزهد " عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : {
أن الله تعالى قال لموسى وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا ; لم تكلمه الدنيا ولم تكلمه نطعة الهوى } وكان هذا تغيير الصفة وذاك نقصان القدر وذكر "
أبو الفرج " هل هو عام في جميع الوالدات ؟ أو يختص بالمطلقات ؟ على قولين . والخصوص قول
سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي ومقاتل في آخرين . والعموم قول
أبي سليمان الدمشقي nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى في آخرين .
قال
القاضي ولهذا نقول : لها أن
nindex.php?page=treesubj&link=12858تؤجر نفسها لرضاع ولدها سواء كانت مع الزوج أو مطلقة . " قلت " الآية حجة عليهم ; فإنها أوجبت للمرضعات رزقهن وكسوتهن بالمعروف ; لا زيادة على ذلك . وهو يقول : تؤجر نفسها
[ ص: 65 ] بأجرة غير النفقة . والآية لا تدل على هذا ; بل إذا كانت الآية عامة دلت على أنها ترضع ولدها مع إنفاق الزوج عليها كما لو كانت حاملا فإنه ينفق عليها وتدخل نفقة الولد في نفقة الزوجية ; لأن الولد يتغذى بغذاء أمه وكذلك في حال الرضاع فإن نفقة الحمل هي نفقة المرتضع . وعلى هذا فلا منافاة بين القولين ; فالذين خصوه بالمطلقات أوجبوا نفقة جديدة بسبب الرضاع كما ذكر في " سورة الطلاق " وهذا مختص بالمطلقة وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2حولين كاملين } قد علم أن مبدأ الحول من حين الولادة والكمال إلى نظير ذلك . فإذا كان من عاشر المحرم كان الكمال في عاشر المحرم في مثل تلك الساعة ; فإن الحول المطلق هو اثنا عشر شهرا من الشهر الهلالي كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1280&ayano=9إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } وهكذا ما ذكره من
nindex.php?page=treesubj&link=12534العدة أربعة أشهر وعشرا أولها من حين الموت وآخرها إذا مضت عشر بعد نظيره ; فإذا كان في منتصف المحرم فآخرها خامس عشر المحرم وكذلك الأجل المسمى في البيوع وسائر ما يؤجل بالشرع وبالشرط . وللفقهاء هنا قولان آخران ضعيفان .
" أحدهما " قول من يقول : إذا كان في أثناء الشهر كان جميع الشهور بالعدد فيكون الحولان ثلثمائة وستين . وعلى هذا القول تزيد المدة اثني عشر يوما وهو غلط بين .
[ ص: 66 ] و " القول الثاني " قول من يقول : منها واحد بالعدد وسائرها بالأهلة . وهذا أقرب ; لكن فيه غلط ; فإنه على هذا إذا كان المبدأ عاشر المحرم وقد نقص المحرم كان تمامه تاسعه فيكون التكميل أحد عشر فيكون المنتهي حادي عشر المحرم وهو غلط أيضا . وظاهر القرآن يدل على أن على الأم إرضاعه لأن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2يرضعن } خبر في معنى الأمر . وهي مسألة نزاع ; ولهذا تأولها من ذهب إلى القول الآخر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : وهذا الأمر انصرف إلى الآباء ;
nindex.php?page=treesubj&link=12870لأن عليهم الاسترضاع ; لا على الوالدات ; بدليل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=4فآتوهن أجورهن } فلو كان متحتما على الوالدة لم يكن عليه الأجرة . فيقال : بل القرآن دل على أن للابن على الأم الفعل وعلى الأب النفقة ولو لم يوجد غيرها تعين عليها وهي تستحق الأجرة والأجنبية تستحق الأجرة ولو لم يوجد غيرها .
وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2لمن أراد أن يتم الرضاعة } دليل على أنه لا يجوز أن يريد إتمام الرضاع ويجوز الفطام قبل ذلك إذا كان مصلحة وقد بين ذلك بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } وذلك يدل على أنه لا يفصل إلا برضى الأبوين فلو أراد أحدهما الإتمام والآخر الفصال قبل ذلك كان الأمر لمن أراد الإتمام ; لأنه قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2يرضعن } صيغة خبر ومعناه الأمر . والتقدير
nindex.php?page=treesubj&link=12852_12878والوالدة مأمورة بإرضاعه حولين كاملين إذا أريد إتمام الرضاعة ; فإذا أرادت الإتمام كانت مأمورة بذلك وكان على الأب رزقها وكسوتها وإن أراد الأب الإتمام كان له ذلك ; فإنه لم يبح الفصال إلا بتراضيهما جميعا .
يدل على ذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973لمن أراد أن يتم الرضاعة } . ولفظة ( من إما أن يقال : هو عام يتناول هذا وهذا ويدخل فيه الذكر والأنثى فمن أراد الإتمام أرضعن له . وإما أن يقال : قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2لمن أراد أن يتم الرضاعة } إنما هو المولود له وهو المرضع له . فالأم تلد له وترضع له كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65فإن أرضعن لكم } . والأم كالأجير مع المستأجر . فإن أراد الأب الإتمام أرضعن له وإن أراد أن لا يتم [ فله ذلك ] وعلى هذا التقدير فمنطوق الآية أمرهن بإرضاعه عند إرادة الأب ومفهومها أيضا جواز الفصل بتراضيهما . يبقى إذا أرادت الأم دون الأب مسكوتا عنه ; لكن مفهوم قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2عن تراض } أنه لا يجوز كما ذكر ذلك
مجاهد وغيره ; ولكن تناوله قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28973فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فإنها إذا أرضعت تمام الحول فله أرضعت وكفته بذلك مؤنة الطفل فلولا رضاعها لاحتاج إلى أن يطعمه شيئا آخر .
[ ص: 68 ] ففي هذه الآية بين أن على الأم الإتمام إذا أراد الأب وفي تلك بين أن على الأب الأجر إذا أبت المرأة .
قال
مجاهد : " التشاور " فيما دون الحولين : إن أرادت أن تفطم وأبى فليس لها وإن أراد هو ولم ترد فليس له ذلك حتى يقع ذلك على تراض منهما وتشاور يقول : غير مسيئين إلى أنفسهما ولا رضيعهما . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف } قال إذا أسلمتم أيها الآباء إلى أمهات الأولاد أجر ما أرضعن قبل امتناعهن : روي عن
مجاهد والسدي . وقيل : إذا أسلمتم إلى الظئر أجرها : بالمعروف : روي عن
سعيد بن جبير ومقاتل . وقرأ
ابن كثير : ( أتيتم بالقصر . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ولم يقل : وعلى الوالد كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2والوالدات } لأن المرأة هي التي تلده وأما الأب فلم يلده ; بل هو مولود له لكن إذا قرن بينهما قيل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=2وبالوالدين إحسانا } فأما مع الإفراد فليس في القرآن تسميته والدا بل أبا . وفيه بيان أن الولد ولد للأب ; لا للأم ; ولهذا كان عليه نفقته حملا وأجرة رضاعه .
وهذا يوافق قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4363&ayano=42يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور } فجعله موهوبا للأب . وجعل بيته بيته في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2876&ayano=24ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } وإذا كان الأب هو المنفق عليه جنينا ورضيعا والمرأة وعاء : فالولد زرع للأب قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=232&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فالمرأة هي الأرض المزروعة والزرع فيها للأب وقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69715نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الرجل ماءه [ ص: 69 ] زرع غيره } " يريد به النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=12823وطء الحبالى فإن ماء الواطئ يزيد في الحمل كما يزيد الماء في الزرع وفي الحديث الآخر الصحيح : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601003لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يستعبده وهو لا يحل له } ؟ " وإذا كان الولد للأب وهو زرعه كان هذا مطابقا لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أنت ومالك لأبيك } " وقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601004إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه } " فقد حصل الولد من كسبه كما دلت عليه هذه الآية ; فإن الزرع الذي في الأرض كسب المزدرع له الذي بذره وسقاه وأعطى أجرة الأرض فإن الرجل أعطى المرأة مهرها وهو أجر الوطء كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5220&ayano=60ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } وهو مطابق لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6329&ayano=111ما أغنى عنه ماله وما كسب } وقد فسر {
nindex.php?page=tafseer&surano=6329&ayano=111وما كسب } بالولد . فالأم هي الحرث وهي الأرض التي فيها زرع والأب استأجرها بالمهر كما يستأجر الأرض وأنفق على الزرع بإنفاقه لما كانت حاملا ثم أنفق على الرضيع كما ينفق المستأجر على الزرع والثمر إذا كان مستورا وإذا برز ; فالزرع هو الولد وهو من كسبه . وهذا يدل على أن للأب أن يأخذ من ماله ما لا يضر به ; كما جاءت به السنة وأن ماله للأب مباح وإن كان ملكا للابن فهو مباح للأب أن يملكه وإلا بقي للابن ; فإذا مات ولم يتملكه ورث عن الابن .
وللأب أيضا أن يستخدم الولد ما لم يضر به . وفي هذا وجوب طاعة الأب على الابن إذا كان العمل مباحا لا يضر بالابن ; فإنه لو استخدم عبده في معصية أو اعتدى عليه لم يجز فالابن أولى .
[ ص: 70 ] ونفع الابن له إذا لم يأخذه الأب ; بخلاف نفع المملوك فإنه لمالكه كما أن ماله لو مات لمالكه لا لوارثه . ودل ما ذكره على أنه لا يجوز للرجل أن يطأ حاملا من غيره وأنه إذا وطئها كان كسقي الزرع يزيد فيه وينميه ويبقى له شركة في الولد فيحرم عليه استعباد هذا الولد فلو
nindex.php?page=treesubj&link=12823ملك أمة حاملا من غيره ووطئها حرم استعباد هذا الولد ; لأنه سقاه ; ولقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69717 : كيف يستعبده وهو لا يحل له . وكيف يورثه أي يجعله موروثا منه وهو لا يحل له } . ومن ظن أن المراد : كيف يجعله وارثا . فقد غلط ; لأن تلك المرأة كانت أمة للواطئ والعبد لا يجعل وارثا إنما يجعل موروثا . فأما إذا استبرئت المرأة علم أنه لا زرع هناك . ولو كانت بكرا أو عند من لا يطؤها ففيه نزاع والأظهر جواز الوطء ; لأنه لا زرع هناك وظهور براءة الرحم هنا أقوى من براءتها من الاستبراء بحيضة ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=660الحامل قد يخرج منها من الدم مثل دم الحيض ; وإن كان نادرا .
وقد تنازع العلماء هل هو حيض أو لا ؟ فالاستبراء ليس دليلا قاطعا على براءة الرحم ; بل دليل ظاهر . والبكارة وكونها كانت مملوكة لصبي أو امرأة أدل على البراءة . وإن كان البائع صادقا وأخبره أنه استبرأها حصل المقصود
nindex.php?page=treesubj&link=12782_12817واستبراء الصغيرة التي لم تحض والعجوز والآيسة في غاية البعد .
[ ص: 71 ] ولهذا اضطرب القائلون هل تستبرأ بشهر ؟ أو شهر ونصف ؟ أو شهرين ؟ أو ثلاثة أشهر ؟ وكلها أقوال ضعيفة .
وابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يستبرئ البكر ولا يعرف له مخالف من
الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاستبراء إلا في المسبيات كما قال في سبايا أوطاس : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601005nindex.php?page=treesubj&link=12823لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة } " لم يأمر كل من ورث أمة أو اشتراها أن يستبرئها مع وجود ذلك في زمنه فعلم أنه أمر بالاستبراء عند الجهل بالحال ; لإمكان أن تكون حاملا . وكذلك من ملكت وكان سيدها يطؤها ولم يستبرئها ; لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر مثل هذا ; إذ لم يكن المسلمون يفعلون مثل هذا ; لا يرضى لنفسه أحد أن يبيع أمته الحامل منه ; بل لا يبيعها إذا وطئها حتى يستبرئها فلا يحتاج المشتري إلى استبراء ثان . ولهذا لم ينه عن وطء الحبالى من [ السادات ] إذا ملكت ببيع أو هبة ; لأن هذا لم يكن يقع ; بل هذه دخلت في نهيه صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69718أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره .
} وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقال تعالى في تلك الآية : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } يدل على أن هذا الأجر هو رزقهن وكسوتهن بالمعروف إذا لم يكن بينهما مسمى
[ ص: 72 ] ترجعان إليه . " وأجرة المثل " إنما تقدر بالمسمى إذا كان هناك مسمى يرجعان إليه كما في البيع والإجارة لما كان السلعة هي أو مثلها بثمن مسمى وجب ثمن المثل إذا أخذت بغير اختياره وكما قال : النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601006من أعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد } فهناك أقيم العبد ; لأنه ومثله يباع في السوق فتعرف القيمة التي هي السعر في ذلك الوقت وكذلك الأجير والصانع كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
لعلي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69719أن يعطي الجازر من البدن شيئا وقال : نحن نعطيه من عندنا } " فإن الذبح وقسمة اللحم على المهدي ; فعليه أجرة الجازر الذي فعل ذلك وهو يستحق نظير ما يستحقه مثله إذا عمل ذلك ; لأن الجزارة معروفة ولها عادة معروفة .
وكذلك سائر الصناعات : كالحياكة والخياطة والبناء . وقد كان من الناس من يخيط بالأجرة على عهده فيستحق هذا الخياط ما يستحقه نظراؤه وكذلك أجير الخدمة يستحق ما يستحقه نظيره ; لأن ذلك عادة معروفة عند الناس . وأما " الأم المرضعة " فهي نظير سائر الأمهات المرضعات بعد الطلاق وليس لهن عادة مقدرة إلا اعتبار حال الرضاع بما ذكر وهي إذا كانت حاملا منه وهي مطلقة استحقت نفقتها وكسوتها بالمعروف وهي في الحقيقة نفقة على الحمل . وهذا أظهر قولي العلماء كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } .
[ ص: 73 ] وللعلماء هنا ثلاثة أقوال : " أحدها " أن هذه النفقة نفقة زوجة معتدة ولا فرق بين أن تكون حاملا أو حائلا . وهذا قول من يوجب
nindex.php?page=treesubj&link=13033النفقة للبائن كما يوجبها للرجعية كقول طائفة من السلف والخلف وهو مذهب
أبي حنيفة وغيره ; ويروى عن
عمر وابن مسعود ; ولكن على هذا القول ل يس لكونها حاملا تأثير فإنهم ينفقون عليها حتى تنقضي العدة ; سواء كانت حاملا أو حائلا . " القول الثاني " أنه ينفق عليها نفقة زوجة ; لأجل الحمل ; كأحد قولي
الشافعي وإحدى الروايتين عن
أحمد . وهذا قول متناقض ; فإنه إن كان نفقة زوجة فقد وجب لكونها زوجة لا لأجل الولد . وإن كان لأجل الولد فنفقة الولد تجب مع غير الزوجة كما يجب عليه أن ينفق على سريته الحامل إذا أعتقها . وهؤلاء يقولون : هل وجبت النفقة للحمل ؟ أو لها من أجل الحمل ؟ على قولين . فإن أرادوا لها من أجل الحمل . أي لهذه الحامل من أجل حملها فلا فرق . وإن أرادوا - وهو مرادهم - أنه يجب لها نفقة زوجة من أجل الحمل : فهذا تناقض فإن
nindex.php?page=treesubj&link=13023نفقة الزوجة تجب وإن لم يكن حمل .
nindex.php?page=treesubj&link=13051ونفقة الحمل تجب وإن لم تكن زوجة . و " القول الثالث " وهو الصحيح : أن النفقة تجب للحمل ; ولها من أجل الحمل ; لكونها حاملا بولده ; فهي نفقة عليه ; لكونه أباه
[ ص: 74 ] لا عليها لكونها زوجة . وهذا قول
مالك وأحد القولين في مذهب
الشافعي وأحمد ; والقرآن يدل على هذا ; فإنه قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقال هنا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } فجعل أجر الإرضاع على من وجبت عليه نفقة الحامل ; ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=12869أجر الإرضاع يجب على الأب لكونه أبا فكذلك نفقة الحامل ; ولأن نفقة الحامل ورزقها وكسوتها بالمعروف ; وقد جعل أجر المرضعة كذلك ; ولأنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وعلى الوارث مثل ذلك } أي وارث الطفل فأوجب عليه ما يجب على الأب .
وهذا كله يبين أن نفقة الحمل والرضاع من " باب نفقة الأب على ابنه " ; لا من " باب نفقة الزوج على زوجته " . وعلى هذا فلو لم تكن زوجة بل كانت حاملا بوطء شبهة يلحقه نسبه أو كانت حاملا منه وقد أعتقها وجب عليه نفقة الحمل كما يجب عليه نفقة الإرضاع ; ولو كان الحمل لغيره كمن وطئ أمة غيره بنكاح أو شبهة أو إرث فالولد هنا لسيد الأمة فليس على الواطئ شيء وإن كان زوجا ولو تزوج عبد حرة فحملت منه فالنسب هاهنا لاحق ; لكن الولد حر ;
nindex.php?page=treesubj&link=13407والولد الحر لا تجب نفقته على أبيه العبد ; ولا أجرة رضاعه ; فإن العبد ليس له مال ينفق منه على ولده وسيده لا حق له في ولده ; فإن ولده : إما حر وإما مملوك لسيد الأمة . نعم . لو كانت الحامل أمة والولد حر مثل المغرور الذي اشترى أمة فظهر أنها
[ ص: 75 ] مستحقة لغير البائع أو تزوج حرة فظهر أنها أمة : فهنا الولد حر وإن كانت أمة مملوكة لغير الواطئ لأنه إنما وطئ من يعتقدها مملوكة له أو زوجة حرة وبهذا قضت
الصحابة لسيد الأمة بشراء الولد وهو [ نظيره ] . فهنا الآن ينفق على الحامل كما ينفق على المرضعة له . والله سبحانه وتعالى أعلم .
[ ص: 63 ] بَابُ النَّفَقَاتِ وَالْحَضَانَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } مَعَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5289&ayano=65سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وَفِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ مِنْ الْأَحْكَامِ بَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا مُتَنَازَعٌ فِيهِ . وَإِذَا تَدَبَّرْت كِتَابَ اللَّهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُفَصِّلُ النِّزَاعَ بَيَّنَ مَنْ يَحْسُنُ الرَّدُّ إلَيْهِ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ إلَى ذَلِكَ ; فَهُوَ إمَّا لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ فَيُعْذَرَ . أَوْ لِتَفْرِيطِهِ فَيُلَامَ .
وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا تَمَامُ الرَّضَاعَةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غِذَاءٌ مِنْ الْأَغْذِيَةِ . وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ مَنْ يَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=12878الرَّضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12878لَفْظَ " الْحَوْلَيْنِ " يَقَعُ عَلَى حَوْلٍ وَبَعْضِ آخَرَ . وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهِمْ يُقَالُ : لِفُلَانِ عِشْرُونَ عَامًا إذَا أَكْمَلَ ذَلِكَ . قَالَ
الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُمَا : لَمَّا جَازَ أَنْ يَقُولَ : " حَوْلَيْنِ " وَيُرِيدُ أَقَلَّ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=212&ayano=2فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ
[ ص: 64 ] فِي يَوْمٍ وَبَعْضِ آخَرَ ; وَتَقُولُ : لَمْ أَرَ فُلَانًا يَوْمَيْنِ . وَإِنَّمَا تُرِيدُ يَوْمًا وَبَعْضَ آخَرَ .
قَالَ " كَامِلَيْنِ " لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُمَا . وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=205&ayano=2تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } فَإِنَّ لَفْظَ " الْعَشَرَةِ " يَقَعُ عَلَى تِسْعَةٍ وَبَعْضِ الْعَاشِرِ . فَيُقَالُ : أَقَمْت عَشَرَةَ أَيَّامٍ . وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهَا . فَقَوْلُهُ هُنَاكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=205&ayano=2كَامِلَةٌ } بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هُنَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2كَامِلَيْنِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ : قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14140الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مَوْفُورًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ } " فَالْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ ; إذْ الْكَمَالُ ضِدُّ النُّقْصَانِ . وَأَمَّا " الْمُوَفَّرُ " فَقَدْ قَالَ : أَجْرُهُمْ مُوَفَّرًا . يُقَالُ : الْمُوَفَّرُ . لِلزَّائِدِ ; وَيُقَالُ : لَمْ يُكْلَمْ . أَيْ يُجْرَحْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَد فِي " كِتَابِ الزُّهْدِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ : {
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى وَمَا ذَاكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي سَالِمًا مُوَفَّرًا ; لَمْ تَكْلِمْهُ الدُّنْيَا وَلَمْ تَكْلِمْهُ نطعة الْهَوَى } وَكَانَ هَذَا تَغْيِيرَ الصِّفَةِ وَذَاكَ نُقْصَانَ الْقَدْرِ وَذَكَرَ "
أَبُو الْفَرَجِ " هَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْوَالِدَاتِ ؟ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْمُطَلَّقَاتِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالْخُصُوصُ قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ والسدي وَمُقَاتِلٍ فِي آخَرِينَ . وَالْعُمُومُ قَوْلُ
أَبِي سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14953وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي آخَرِينَ .
قَالَ
الْقَاضِي وَلِهَذَا نَقُولُ : لَهَا أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=12858تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا لِرِضَاعِ وَلَدِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ مُطَلَّقَةً . " قُلْت " الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّهَا أَوْجَبْت لِلْمُرْضِعَاتِ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ; لَا زِيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ . وَهُوَ يَقُولُ : تُؤَجِّرُ نَفْسَهَا
[ ص: 65 ] بِأُجْرَةِ غَيْرِ النَّفَقَةِ . وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا ; بَلْ إذَا كَانَتْ الْآيَةُ عَامَّةً دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا تُرْضِعُ وَلَدَهَا مَعَ إنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَتَدْخُلُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ ; لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ فِي حَالِ الرَّضَاعِ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ هِيَ نَفَقَةُ الْمُرْتَضِعِ . وَعَلَى هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ ; فَاَلَّذِينَ خَصُّوهُ بِالْمُطَلَّقَاتِ أَوْجَبُوا نَفَقَةً جَدِيدَةً بِسَبَبِ الرَّضَاعِ كَمَا ذُكِرَ فِي " سُورَةِ الطَّلَاقِ " وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمُطَلَّقَةِ وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } قَدّ عُلِمَ أَنَّ مَبْدَأَ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ وَالْكَمَالَ إلَى نَظِيرِ ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ مِنْ عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ كَانَ الْكَمَالُ فِي عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ ; فَإِنَّ الْحَوْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1280&ayano=9إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ } وَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=12534الْعِدَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَوَّلُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ وَآخِرُهَا إذَا مَضَتْ عَشْرٌ بَعْدَ نَظِيرِهِ ; فَإِذَا كَانَ فِي مُنْتَصَفِ الْمُحَرَّمِ فَآخِرُهَا خَامِسُ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ وَكَذَلِكَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فِي الْبُيُوعِ وَسَائِرِ مَا يُؤَجَّلُ بِالشَّرْعِ وَبِالشَّرْطِ . وَلِلْفُقَهَاءِ هُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ ضَعِيفَانِ .
" أَحَدُهُمَا " قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ كَانَ جَمِيعُ الشُّهُورِ بِالْعَدَدِ فَيَكُونُ الْحَوْلَانِ ثَلَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَزِيدُ الْمُدَّةُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ .
[ ص: 66 ] و " الْقَوْلُ الثَّانِي " قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مِنْهَا وَاحِدٌ بِالْعَدَدِ وَسَائِرُهَا بِالْأَهِلَّةِ . وَهَذَا أَقْرَبُ ; لَكِنْ فِيهِ غَلَطٌ ; فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمَبْدَأُ عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ نَقَصَ الْمُحَرَّمُ كَانَ تَمَامُهُ تَاسِعَهُ فَيَكُونُ التَّكْمِيلُ أَحَدَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْمُنْتَهِي حَادِيَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا . وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2يُرْضِعْنَ } خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ . وَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ ; وَلِهَذَا تَأَوَّلَهَا مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : وَهَذَا الْأَمْرُ انْصَرَفَ إلَى الْآبَاءِ ;
nindex.php?page=treesubj&link=12870لِأَنَّ عَلَيْهِمْ الِاسْتِرْضَاعَ ; لَا عَلَى الْوَالِدَاتِ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=4فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَلَوْ كَانَ مُتَحَتِّمًا عَلَى الْوَالِدَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ . فَيُقَالُ : بَلْ الْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّ لِلِابْنِ عَلَى الْأُمِّ الْفِعْلَ وَعَلَى الْأَبِ النَّفَقَةَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَالْأَجْنَبِيَّةُ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا .
وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ إتْمَامَ الرَّضَاعِ وَيَجُوزُ الْفِطَامُ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَصْلَحَةً وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْصَلُ إلَّا بِرِضَى الْأَبَوَيْنِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْإِتْمَامَ وَالْآخَرُ الْفِصَالَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ لِمَنْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ ; لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2يُرْضِعْنَ } صِيغَةُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ . وَالتَّقْدِيرُ
nindex.php?page=treesubj&link=12852_12878وَالْوَالِدَةُ مَأْمُورَةٌ بِإِرْضَاعِهِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ إذَا أُرِيدَ إتْمَامُ الرَّضَاعَةِ ; فَإِذَا أَرَادَتْ الْإِتْمَامَ كَانَتْ مَأْمُورَةً بِذَلِكَ وَكَانَ عَلَى الْأَبِ رِزْقُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِنْ أَرَادَ الْأَبُ الْإِتْمَامَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يُبَحْ الْفِصَالُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا جَمِيعًا .
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } . وَلَفْظَةُ ( مَنْ إمَّا أَنْ يُقَالَ : هُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَمَنْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ أَرْضَعْنَ لَهُ . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } إنَّمَا هُوَ الْمَوْلُودُ لَهُ وَهُوَ الْمُرْضِعُ لَهُ . فَالْأُمُّ تَلِدُ لَهُ وَتُرْضِعُ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } . وَالْأُمُّ كَالْأَجِيرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ . فَإِنْ أَرَادَ الْأَبُ الْإِتْمَامَ أَرْضَعْنَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُتِمَّ [ فَلَهُ ذَلِكَ ] وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَمَنْطُوقُ الْآيَةِ أَمْرُهُنَّ بِإِرْضَاعِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَبِ وَمَفْهُومُهَا أَيْضًا جَوَازُ الْفَصْلِ بِتَرَاضِيهِمَا . يَبْقَى إذَا أَرَادَتْ الْأُمُّ دُونَ الْأَبِ مَسْكُوتًا عَنْهُ ; لَكِنَّ مَفْهُومَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2عَنْ تَرَاضٍ } أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ ; وَلَكِنْ تَنَاوَلَهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28973فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَإِنَّهَا إذَا أَرْضَعَتْ تَمَامَ الْحَوْلِ فَلَهُ أَرْضَعَتْ وَكَفَتْهُ بِذَلِكَ مُؤْنَةَ الطِّفْلِ فَلَوْلَا رَضَاعُهَا لَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُطْعِمَهُ شَيْئًا آخَرَ .
[ ص: 68 ] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَّنَ أَنَّ عَلَى الْأُمِّ الْإِتْمَامَ إذَا أَرَادَ الْأَبُ وَفِي تِلْكَ بَيَّنَ أَنَّ عَلَى الْأَبِ الْأَجْرَ إذَا أَبَتْ الْمَرْأَةُ .
قَالَ
مُجَاهِدٌ : " التَّشَاوُرُ " فِيمَا دُونَ الْحَوْلَيْنِ : إنْ أَرَادَتْ أَنْ تَفْطِمَ وَأَبَى فَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ أَرَادَ هُوَ وَلَمْ تُرِدْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقَعَ ذَلِكَ عَلَى تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ يَقُولُ : غَيْرُ مُسِيئِينَ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَا رَضِيعِهِمَا . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973إذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ إذَا أَسْلَمْتُمْ أَيُّهَا الْآبَاءُ إلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَجْرَ مَا أَرْضَعْنَ قَبْلَ امْتِنَاعِهِنَّ : رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ والسدي . وَقِيلَ : إذَا أَسْلَمْتُمْ إلَى الظِّئْرِ أَجْرَهَا : بِالْمَعْرُوفِ : رُوِيَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلٍ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ : ( أَتَيْتُمْ بِالْقَصْرِ . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَلَمْ يَقُلْ : وَعَلَى الْوَالِدِ كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَالْوَالِدَاتُ } لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي تَلِدُهُ وَأَمَّا الْأَبُ فَلَمْ يَلِدْهُ ; بَلْ هُوَ مَوْلُودٌ لَهُ لَكِنْ إذَا قُرِنَ بَيْنَهُمَا قِيلَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=2وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } فَأَمَّا مَعَ الْإِفْرَادِ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَتُهُ وَالِدًا بَلْ أَبًا . وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْوَلَدَ وُلِدَ لِلْأَبِ ; لَا لِلْأُمِّ ; وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَمْلًا وَأُجْرَةَ رَضَاعِهِ .
وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4363&ayano=42يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } فَجَعَلَهُ مَوْهُوبًا لِلْأَبِ . وَجَعَلَ بَيْتَهُ بَيْتَهُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2876&ayano=24وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ } وَإِذَا كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُنْفِقُ عَلَيْهِ جَنِينًا وَرَضِيعًا وَالْمَرْأَةُ وِعَاءٌ : فَالْوَلَدُ زَرْعٌ لِلْأَبِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=232&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28973نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } فَالْمَرْأَةُ هِيَ الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ وَالزَّرْعُ فِيهَا لِلْأَبِ وَقَدْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69715نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ [ ص: 69 ] زَرْعَ غَيْرِهِ } " يُرِيدُ بِهِ النَّهْيَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=12823وَطْءِ الْحَبَالَى فَإِنَّ مَاءَ الْوَاطِئِ يَزِيدُ فِي الْحَمْلِ كَمَا يَزِيدُ الْمَاءُ فِي الزَّرْعِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601003لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ يُورِثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَكَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ } ؟ " وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ لِلْأَبِ وَهُوَ زَرْعُهُ كَانَ هَذَا مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } " وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601004إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ } " فَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ مِنْ كَسْبِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ ; فَإِنَّ الزَّرْعَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ كَسْبُ الْمُزْدَرِعِ لَهُ الَّذِي بَذَرَهُ وَسَقَاهُ وَأَعْطَى أُجْرَةَ الْأَرْضِ فَإِنَّ الرَّجُلَ أَعْطَى الْمَرْأَةَ مَهْرَهَا وَهُوَ أَجْرُ الْوَطْءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5220&ayano=60وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6329&ayano=111مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } وَقَدْ فُسِّرَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6329&ayano=111وَمَا كَسَبَ } بِالْوَلَدِ . فَالْأُمُّ هِيَ الْحَرْثُ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ وَالْأَبُ اسْتَأْجَرَهَا بِالْمَهْرِ كَمَا يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ وَأَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ بِإِنْفَاقِهِ لَمَّا كَانَتْ حَامِلًا ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَى الرَّضِيعِ كَمَا يُنْفِقُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ إذَا كَانَ مَسْتُورًا وَإِذَا بَرَزَ ; فَالزَّرْعُ هُوَ الْوَلَدُ وَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ ; كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَأَنَّ مَالَهُ لِلْأَبِ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلِابْنِ فَهُوَ مُبَاحٌ لِلْأَبِ أَنْ يَمْلِكَهُ وَإِلَّا بَقِيَ لِلِابْنِ ; فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتَمَلَّكْهُ وَرِثَ عَنْ الِابْنِ .
وَلِلْأَبِ أَيْضًا أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْوَلَدَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ . وَفِي هَذَا وُجُوبُ طَاعَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا لَا يَضُرُّ بِالِابْنِ ; فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ عَبَدَهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ اعْتَدَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ فَالِابْنُ أَوْلَى .
[ ص: 70 ] وَنَفْعُ الِابْنِ لَهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ الْأَبُ ; بِخِلَافِ نَفْعِ الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ لِمَالِكِهِ كَمَا أَنَّ مَالَهُ لَوْ مَاتَ لِمَالِكِهِ لَا لِوَارِثِهِ . وَدَلَّ مَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا كَانَ كَسَقْيِ الزَّرْعِ يَزِيدُ فِيهِ وَيُنَمِّيهِ وَيَبْقَى لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْوَلَدِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْبَادُ هَذَا الْوَلَدِ فَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=12823مَلَكَ أَمَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ وَوَطِئَهَا حَرُمَ اسْتِعْبَادُ هَذَا الْوَلَدِ ; لِأَنَّهُ سَقَاهُ ; وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69717 : كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ . وَكَيْفَ يُورِثُهُ أَيْ يَجْعَلُهُ مَوْرُوثًا مِنْهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ } . وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ : كَيْفَ يَجْعَلُهُ وَارِثًا . فَقَدْ غَلِطَ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ كَانَتْ أَمَةً لِلْوَاطِئِ وَالْعَبْدُ لَا يُجْعَلُ وَارِثًا إنَّمَا يُجْعَلُ مَوْرُوثًا . فَأَمَّا إذَا اُسْتُبْرِئَتْ الْمَرْأَةُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا زَرْعَ هُنَاكَ . وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ عِنْدَ مَنْ لَا يَطَؤُهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْوَطْءِ ; لِأَنَّهُ لَا زَرْعَ هُنَاكَ وَظُهُورُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ هُنَا أَقْوَى مِنْ بَرَاءَتِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةِ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=660الْحَامِلَ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الدَّمِ مِثْلُ دَمِ الْحَيْضِ ; وَإِنْ كَانَ نَادِرًا .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَوْ لَا ؟ فَالِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ; بَلْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ . وَالْبَكَارَةُ وَكَوْنُهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِصَبِيِّ أَوْ امْرَأَةٍ أَدَلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ . وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ صَادِقًا وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ
nindex.php?page=treesubj&link=12782_12817وَاسْتِبْرَاءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْعَجُوزُ وَالْآيِسَةُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ .
[ ص: 71 ] وَلِهَذَا اضْطَرَبَ الْقَائِلُونَ هَلْ تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرِ ؟ أَوْ شَهْرٍ وَنِصْفٍ ؟ أَوْ شَهْرَيْنِ ؟ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ؟ وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ .
وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يَكُنْ يَسْتَبْرِئُ الْبِكْرَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِالِاسْتِبْرَاءِ إلَّا فِي الْمَسْبِيَّاتِ كَمَا قَالَ فِي سَبَايَا أوطاس : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601005nindex.php?page=treesubj&link=12823لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةِ } " لَمْ يَأْمُرْ كُلَّ مَنْ وَرِثَ أَمَةً أَوْ اشْتَرَاهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْحَالِ ; لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا . وَكَذَلِكَ مَنْ مُلِكَتْ وَكَانَ سَيِّدُهَا يَطَؤُهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا ; لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا ; إذْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا ; لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَحَدٌ أَنْ يَبِيعَ أَمَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ ; بَلْ لَا يَبِيعُهَا إذَا وَطِئَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا فَلَا يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى اسْتِبْرَاءٍ ثَانٍ . وَلِهَذَا لَمْ يَنْهَ عَنْ وَطْءِ الْحَبَالَى مِنْ [ السَّادَاتِ ] إذَا مُلِكَتْ بِبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ ; لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ يَقَعُ ; بَلْ هَذِهِ دَخَلَتْ فِي نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69718أَنْ يَسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ .
} وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْآيَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ هُوَ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُسَمًّى
[ ص: 72 ] تَرْجِعَانِ إلَيْهِ . " وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ " إنَّمَا تُقَدَّرُ بِالْمُسَمَّى إذَا كَانَ هُنَاكَ مُسَمًّى يَرْجِعَانِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَمَّا كَانَ السِّلْعَةُ هِيَ أَوْ مِثْلُهَا بِثَمَنِ مُسَمًّى وَجَبَ ثَمَنُ الْمِثْلِ إذَا أُخِذَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَكَمَا قَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601006مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قَوَّمَ عَلَيْهِ قِيمَةً عَدْلٌ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ } فَهُنَاكَ أُقِيمَ الْعَبْدُ ; لِأَنَّهُ وَمِثْلَهُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ فَتُعْرَفُ الْقِيمَةُ الَّتِي هِيَ السِّعْرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الْأَجِيرُ وَالصَّانِعُ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
لِعَلِيِّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69719أَنْ يُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْ الْبُدْنِ شَيْئًا وَقَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا } " فَإِنَّ الذَّبْحَ وَقِسْمَةَ اللَّحْمِ عَلَى الْمُهْدِي ; فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْجَازِرِ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ نَظِيرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجِزَارَةَ مَعْرُوفَةٌ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ : كَالْحِيَاكَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ . وَقَدْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخِيطُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى عَهْدِهِ فَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْخَيَّاطُ مَا يَسْتَحِقُّهُ نُظَرَاؤُهُ وَكَذَلِكَ أَجِيرُ الْخِدْمَةِ يَسْتَحِقُّ مَا يَسْتَحِقُّهُ نَظِيرُهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ النَّاسِ . وَأَمَّا " الْأُمُّ الْمُرْضِعَةُ " فَهِيَ نَظِيرُ سَائِرِ الْأُمَّهَاتِ الْمُرْضِعَاتِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ لَهُنَّ عَادَةٌ مُقَدَّرَةٌ إلَّا اعْتِبَارُ حَالِ الرَّضَاعِ بِمَا ذُكِرَ وَهِيَ إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَتَهَا وَكِسْوَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفَقَةٌ عَلَى الْحَمْلِ . وَهَذَا أَظْهَرُ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
[ ص: 73 ] وَلِلْعُلَمَاءِ هُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : " أَحَدُهَا " أَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ نَفَقَةُ زَوْجَةٍ مُعْتَدَّةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا . وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُوجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=13033النَّفَقَةَ لِلْبَائِنِ كَمَا يُوجِبُهَا لِلرَّجْعِيَّةِ كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ ; وَيُرْوَى عَنْ
عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ; وَلَكِنْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ل يس لِكَوْنِهَا حَامِلًا تَأْثِيرٌ فَإِنَّهُمْ يُنْفِقُونَ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ; سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا . " الْقَوْلُ الثَّانِي " أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا نَفَقَةَ زَوْجَةٍ ; لِأَجْلِ الْحَمْلِ ; كَأَحَدِ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَحْمَد . وَهَذَا قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ ; فَإِنَّهُ إنْ كَانَ نَفَقَةَ زَوْجَةٍ فَقَدْ وَجَبَ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً لَا لِأَجْلِ الْوَلَدِ . وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ تَجِبُ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجَةِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى سُرِّيَّتِهِ الْحَامِلِ إذَا أَعْتَقَهَا . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : هَلْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ ؟ أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . فَإِنْ أَرَادُوا لَهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ . أَيْ لِهَذِهِ الْحَامِلِ مِنْ أَجْلِ حَمْلِهَا فَلَا فَرْقَ . وَإِنْ أَرَادُوا - وَهُوَ مُرَادُهُمْ - أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ زَوْجَةٍ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ : فَهَذَا تَنَاقُضٌ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=13023نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=13051وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً . و " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " وَهُوَ الصَّحِيحُ : أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْحَمْلِ ; وَلَهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ ; لِكَوْنِهَا حَامِلًا بِوَلَدِهِ ; فَهِيَ نَفَقَةٌ عَلَيْهِ ; لِكَوْنِهِ أَبَاهُ
[ ص: 74 ] لَا عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا زَوْجَةً . وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ; وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا ; فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5288&ayano=65فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَقَالَ هُنَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَجَعَلَ أَجْرَ الْإِرْضَاعِ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَامِلِ ; وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12869أَجْرَ الْإِرْضَاعِ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ لِكَوْنِهِ أَبًا فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْحَامِلِ ; وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ وَرِزْقَهَا وَكِسْوَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ ; وَقَدْ جَعَلَ أَجْرَ الْمُرْضِعَةِ كَذَلِكَ ; وَلِأَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=242&ayano=2وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } أَيْ وَارِثِ الطِّفْلِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ .
وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ مِنْ " بَابِ نَفَقَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ " ; لَا مِنْ " بَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ " . وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً بَلْ كَانَتْ حَامِلًا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ يَلْحَقهُ نَسَبُهُ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ وَقَدْ أَعْتَقَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِرْضَاعِ ; وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ لِغَيْرِهِ كَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحِ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ إرْثٍ فَالْوَلَدُ هُنَا لِسَيِّدِ الْأَمَةِ فَلَيْسَ عَلَى الْوَاطِئِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ زَوْجًا وَلَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَالنَّسَبُ هَاهُنَا لَاحِقٌ ; لَكِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ ;
nindex.php?page=treesubj&link=13407وَالْوَلَدُ الْحُرُّ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ الْعَبْدِ ; وَلَا أُجْرَةُ رَضَاعِهِ ; فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى وَلَدِهِ وَسَيِّدُهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي وَلَدِهِ ; فَإِنَّ وَلَدَهُ : إمَّا حُرٌّ وَإِمَّا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ . نَعَمْ . لَوْ كَانَتْ الْحَامِلُ أَمَةً وَالْوَلَدُ حُرٌّ مِثْلَ الْمَغْرُورِ الَّذِي اشْتَرَى أَمَةً فَظَهَرَ أَنَّهَا
[ ص: 75 ] مُسْتَحَقَّةٌ لِغَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ : فَهُنَا الْوَلَدُ حُرٌّ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ الْوَاطِئِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَ مَنْ يَعْتَقِدُهَا مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ زَوْجَةً حُرَّةً وَبِهَذَا قَضَتْ
الصَّحَابَةُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ بِشِرَاءِ الْوَلَدِ وَهُوَ [ نَظِيرُهُ ] . فَهُنَا الْآنَ يُنْفِقُ عَلَى الْحَامِلِ كَمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لَهُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .