وأما الثاني: 
" فأخبرنا عبد الوهاب  ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون  ، وأبو طاهر الباقلاوي  ، قالا: أخبرنا  أبو علي بن شاذان  ، قال أبنا  أحمد بن كامل  ، قال: أبنا محمد بن سعد  ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثني عمي  الحسين بن الحسن بن عطية  ، قال: حدثني أبي ، عن جدي ، عن  ابن عباس  رضي الله  [ ص: 235 ] عنهما " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم  ، فكان ثلاثة أيام في كل شهر ، ثم نسخ ذلك ما أنزل من صيام رمضان  . 
وقال  قتادة   : كتب الله عز وجل على الناس قبل نزول شهر رمضان ثلاثة أيام من كل شهر  . 
وأما الثالث: فقد روى النزال بن سبرة  ، عن  ابن مسعود  ، أنه قال: ثلاثة أيام من كل شهر ، ويوم عاشوراء وقد زعم أرباب هذا القول ، أن الآية منسوخة بقوله: شهر رمضان  وفي هذا بعد كثير ، لأن قوله: شهر رمضان  جاء عقيب قوله: كتب عليكم الصيام  فهو كالتفسير للصيام والبيان له . 
 [ ص: 236 ] القول الثالث: إن التشبيه راجع إلى نفس الصوم لا إلى صفته ولا إلى عدده ، وبيان ذلك ، أن قوله تعالى: كما كتب على الذين من قبلكم  لا يدل على عدد ولا صفة ، ولا وقت ، وإنما يشير إلى نفس الصيام ، كيف وقد عقبه الله بقوله تعالى: أياما معدودات  فتلك يقع على يسير الأيام وكثيرها ، فلما قال تعالى: في نسق التلاوة شهر رمضان ، بين عدد الأيام المعدودات ووقتها ، وأمر بصومها فكان التشبيه الواقع في نفس الصوم ، والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم ، وأما صفة الصوم وعدده فمعلوم من وجوه أخر لا من نفس الآية ، وهذا المعنى مروي عن  ابن أبي ليلى  ، وقد أشار إليه  السدي   والزجاج  ،  والقاضي أبو يعلى  ، وما رأيت مفسرا يميل إلى التحقيق إلا  [ ص: 237 ] وقد أومى إليه ، وهو الصحيح وما ذكره المفسرون فإنه شرح حال صوم المتقدمين ، وكيف كتب عليهم لأنه تفسير للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخة أصلا . 
ذكر الآية الخامسة عشرة . 
قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين: 
أحدهما: أنه يقتضي التخيير بين الصوم وبين الإفطار مع الإطعام ، لأن معنى الكلام وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية ، فعلى هذا يكون الكلام منسوخا ، بقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه   . 
 [ ص: 238 ] أخبرنا إسماعيل بن أحمد  ، قال: أبنا أبو الفضل البقال  ، قال: أبنا ابن بشران  ، قال: أبنا الكاذي  ، قال: أبنا  عبد الله بن أحمد  ، قال: حدثني أبي  أحمد بن حنبل  ، قال: أبنا  عبد الرزاق  ، قال: أبنا معمر  ، عن أيوب  ، عن  ابن سيرين  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما " وعلى الذين يطيقونه  ، قال: نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه   [ ص: 239 ] قال  أحمد   : وحدثنا حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن  عطاء الخراساني  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما " وعلى الذين يطيقونه  ، وكانت الإطاقة أن الرجل والمرأة يصبح صائما ، ثم إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينا فنسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه  قال  أحمد   : وحدثنا عبد الله بن إدريس  ، قال: أبنا  الأعمش  ، عن إبراهيم  ، عن علقمة   " وعلى الذين يطيقونه  ، قال: نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه  قال  أحمد   : وحدثنا  وكيع  ، قال: أبنا محمد بن سليم  ، عن  ابن سيرين  ، عن عبيدة   " وعلى الذين يطيقونه  ، قال: نسختها التي بعدها والتي تليها أخبرنا أبو بكر بن حبيب  ، قال: أبنا علي بن الفضل  ، قال: أبنا ابن عبد الصمد  ، قال: أبنا  عبد الله بن أحمد  ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم  ، قال: أبنا عبد الحميد  ، قال: أبنا عبيد الله موسى  ، عن  إسرائيل  ، عن منصور  ، عن إبراهيم  ، عن علقمة  ، قال: " كانوا إذا أرادوا الرجل أن يفطر يوما من رمضان من غير مرض أفطر ، وأطعم نصف صاع حتى نسختها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر  فلم يكن إلا لهما قال عبد الحميد   : وحدثنا  مسلم بن إبراهيم  ، قال: بنا  وهيب بن خالد  ، عن ابن شبرمة  ، عن  الشعبي  ، قال: " لما نزلت: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  ، أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصوم على الفقراء ، فأنزل الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه  فصام الناس جميعا  [ ص: 240 ] أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز  ، قال: أبنا أحمد بن علي بن ثابت  ، قال: أبنا أبو عمرو بن مهدي  ، قال: أبنا محمد بن مخلد  ، قال: أبنا القاسم بن عياد  ، قال: أبنا  بشر بن عمر  ، قال: أبنا  حماد بن زيد  ، عن سلمة بن علقمة  ، عن  ابن سيرين  ، أن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، قال: " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  ، قال: هذه منسوخة  . 
وروى عطية  ، وابن أبي طلحة  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، قال: كان في الصوم الأول فدية طعام مسكين ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ، ويفطر ، كان ذلك رخصة له ، ثم نسخ ذلك  . 
" أخبرنا محمد بن ناصر  ، قال: أبنا علي بن أيوب  ، قال: أبنا أبو علي بن شاذان  ، قال: أبنا  أبو بكر النجاد  ، قال: أبنا  أبو داود السجستاني  ، قال: أبنا قتيبة  ، وأبنا إسماعيل بن أحمد  ، قال: أبنا أبو بكر محمد بن هبة الله الطبري  ، قال: أبنا أبو الحسين بن الفضل القطان  ، قال: أبنا  أبو محمد بن  [ ص: 241 ] درستويه  ، قال: أبنا يعقوب بن سفيان  ، قال: أبنا أبو صالح  ، قال: أبنا بكر بن مضر  ، عن  عمرو بن الحارث  ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج  ، عن يزيد مولى أم سلمة  ، عن  سلمة بن الأكوع  ، قال: " لما نزلت: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وقال  أنس  رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام ، وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام ، وكان الصوم عليهم شديدا ، وكان من لم يصم أطعم مسكينا ، وقد روى هذا المعنى: أنه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى ، لقوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  إلى أن نزل قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه  فنسخ ذلك بهذه ، عن جماعة منهم  معاذ بن جبل  ،  وابن مسعود  ،  وابن عمر  ،  والحسن  ،  وعكرمة  ،  وقتادة  ،  والضحاك  ،  والنخعي  ،  والزهري  رضي الله عنهم . 
 [ ص: 242 ] والقول الثاني: أنه محكم غير منسوخ وأن فيه إضمارا ، تقديره: وعلى الذين كانوا يطيقونه أو لا يطيقونه فدية ، وأشير بذلك إلى الشيخ الفاني الذي يعجز عن الصوم ، والحامل التي تتأذى بالصوم والمرضع . 
" أخبرنا عبد الوهاب  ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون  ، وأبو ظاهر الباقلاوي  ، قالا: أبنا ابن شاذان  ، قال: أبنا  أحمد بن كامل  ، قال: أبنا محمد بن سعد العوفي  ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عمي  الحسين بن الحسن بن عطية  ، قال: حدثني أبي ، عن جدي ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما " وعلى الذين يطيقونه فدية  وهو الشيخ الكبير كان يطيق صيام رمضان وهو شاب ، فكبر وهو عليه لا يستطيع صومه ، فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أقط وأخبرنا إسماعيل بن أحمد  ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال  ، قال: أبنا ابن بشران  ، قال: أبنا إسحاق الكاذي  ، قال: أبنا  عبد الله بن أحمد  ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا  روح  ، قال أبنا زكريا بن إسحاق  ، قال: أبنا عمرو بن دينار  ، عن  عطاء  ، أنه سمع  ابن عباس  يقرأ: " وعلى الذين يطيقونه فدية  ، قال: ليست بمنسوخة وهو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعما مكان كل يوم مسكينا  [ ص: 243 ] أخبرنا أبو بكر العامري  ، قال: أبنا علي بن الفضل  ، قال: أبنا ابن عبد الصمد  ، قال: أبنا  عبد الله بن أحمد  ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم  ، قال: أبنا عبد الحميد  ، قال: أبنا  عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن أيوب  ، عن  عكرمة  ، قال: كان  ابن عباس  ، يقول: " لم ينسخ قال عبد الحميد   : وأخبرنا  النضر بن شميل  ، قال: أبنا  حماد بن سلمة  ، عن عمرو بن دينار  ، عن  عطاء  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما " وعلى الذين يطيقونه فدية  ، قال: هم الذي يكلفونه ولا يطيقونه هو الشيخ والشيخة قال عبد الحميد   : وأخبرنا إبراهيم  ، عن أبيه ، عن  عكرمة   " وعلى الذين يطيقونه فدية  ، قال: هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام ، يطعم عنه لكل يوم مسكينا  " وقد روى  قتادة  ، عن  عكرمة  ، قال: نزلت في الحامل والمرضع وقد أخبرنا ابن الحصين  ، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان  ، قال: أبنا  أبو بكر  [ ص: 244 ] الشافعي  ، وقال: أبنا إسحاق بن إبراهيم بن الحسن  ، قال: أبنا موسى بن مسعود النهدي  ، قال: أبنا  سفيان الثوري  ، عن منصور  ، عن  مجاهد  ، قال: " كان  ابن عباس  رضي الله عنهما يقرؤها: وعلى الذين (يطوقونه) فدية، قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يطعم عنه وبالإسناد ، حدثنا  سفيان  ، عن عبد الرحمن بن حرملة  ، عن  سعيد بن المسيب   " وعلى الذين يطوقونه فدية ، قال: الشيخ الكبير الذي يصوم فيعجز ، والحامل إن اشتد عليها الصوم يطعمان لكل يوم مسكينا  . 
قلت: هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه: أحدها: أنها شاذة خارجة عما اجتمع عليه المشاهير ، فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله . 
والثاني: أنها تخالف ظاهر الآية ، لأن الآية تقتضي إثبات الإطاقة ، لقوله: وأن تصوموا خير لكم  وهذه القراءة تقتضي نفيها . 
 [ ص: 245 ] والثالث: إن الذين يطيقون الصوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين: أحدهما: من يعجز لمرض أو لسفر ، أو لشدة جوع أو عطش فهذا يجوز له الفطر ، ويلزمه القضاء من غير كفارة . 
والثاني: من يعجز لكبر السن ، فهذا يلزمه الكفارة من غير قضاء ، وقد يجوز الإفطار للعذر لا للعجز ثم يلزمه القضاء والكفارة ، كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد ، وهذا كله ليس بمستفاد من الآية ، إنما المعتمد فيه على السنة وأقوال الصحابة ، فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام ، يدل على ما قلنا قوله تعالى في تمام الآية: وأن تصوموا خير لكم  وغير جائز أن يعود هذا الكلام إلى المرضى ، والمسافرين ، ولا إلى الشيخ الكبير ، ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد ، لأن الفطر في حق هؤلاء أفضل من الصوم من جهة أنهم قد نهوا أن يعرضوا أنفسهم للتلف ، وإنما عاد الكلام إلى الأصحاء المقيمين خيروا بين الصوم والإطعام ، فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة ،  [ ص: 246 ] قال  أبو عبيد القاسم بن سلام  ، لا تكون الآية على القراءة الثانية ، وهي: يطيقونه  إلا منسوخة  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					