[ ص: 127 ] الباب الثالث باب: بيان حقيقة النسخ  
النسخ في اللغة على معنيين: أحدهما: الرفع والإزالة ، يقال: نسخت الشمس الظل إذا رفعت ظل الغداة بطلوعها وخلفه ضوؤها ، ومنه قوله تعالى: فينسخ الله ما يلقي الشيطان   . 
والثاني: تصوير مثل المكتوب في محل آخر ، يقولون: نسخت الكتاب ، ومنه قوله تعالى: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون   . 
وإذا أطلق النسخ في الشريعة أريد به المعنى الأول ، لأنه رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل . 
وقال شيخنا علي بن عبيد الله   : الخطاب في التكليف على ضربين: أمر ، ونهي ، فالأمر استدعاء الفعل ، والنهي استدعاء الترك ، واستدعاء الفعل يقع على ثلاثة أضرب:  [ ص: 128 ] أحدها: ما يكون على سبيل الإلزام والانحتام إما بكونه فرضا أو واجبا ، ونسخ ذلك يقع على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يخرج من الوجوب إلى المنع ، مثل ما كان التوجه إلى بيت المقدس  واجبا ثم نسخ بالمنع منه . 
والثاني: أن ينسخ من الوجوب إلى الاستحباب مثل نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة ، إلى أن جعل مستحبا . 
والثالث: أن ينسخ من الوجوب إلى الإباحة مثل نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار إلى الجواز ، فصار الوضوء منه جائزا . 
والضرب الثاني: استدعاء على سبيل الاستحباب ، فهذا ينتقل إلى ثلاثة أوجه أيضا:  [ ص: 129 ] أحدها: أن ينتقل من الاستحباب إلى الوجوب ، وذلك مثل الصوم في رمضان كان مستحبا فإن تركه وافتدى جاز ، ثم نسخ ذلك بانحتامه في حق الصحيح المقيم . 
والثاني: أن ينسخ من الاستحباب إلى التحريم ، مثل نسخ اللطف بالمشركين وقول الحسنى لهم ، فإنه نسخ بالأمر بقتالهم . 
والثالث: أن ينسخ من الاستحباب إلى الإباحة ، مثل نسخ استحباب الوصية للوالدين بالإباحة . 
والضرب الثالث: المباح وقد اختلف العلماء ، هل هو مأمور به ، والصحيح أنه مأذون فيه غير مأمور به ، ويجوز أن يدخله النسخ عن وجه واحد وهو النسخ إلى التحريم ، مثاله: أن الخمر مباحة ثم حرمت ، وأما نسخ الإباحة إلى الكراهة ، فلا يوجد ، لأنه لا تناقض ، فأما انتقال المباح إلى كونه واجبا فليس بنسخ ، لأن إيجاب المباح إبقاء تكليف لا نسخ . 
 [ ص: 130 ] وأما القسم الثاني من الخطاب: وهو النهي ، فهو يقع على ضربين: أحدهما: على سبيل التحريم ، فهذا قد ينسخ بالإباحة ، مثل تحريم الأكل على الصائم في الليل بعد النوم والجماع . 
والثاني: على سبيل الكراهة ، لم يذكر له مثال . 
				
						
						
