والقول الثاني: أنه لم تنسخ ، ثم اختلف أرباب هذا القول على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ثابت في المؤاخذة على العموم فيؤاخذ به من يشاء ويغفر لمن يشاء ، وهذا مروي عن  ابن عباس  أيضا ،  وابن عمر  ،  والحسن  ، واختاره أبو سليمان الدمشقي  ،  والقاضي أبو يعلى   . 
 [ ص: 316 ] والثاني: أن المؤاخذة به واقعة ، ولكن معناها إطلاع العبد على فعله السيء . 
" أخبرنا المبارك بن محلي  ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش  ، قال: أبنا  أبو إسحاق البرمكي  ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن عباس  ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود  ، قال: أبنا يعقوب بن سفيان  ، قال: أبنا أبو صالح  ، قال: أبنا معاوية بن صالح  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  ، قال: هذه الآية لم تنسخ ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، يقول لهم: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله: يحاسبكم به الله  ، يقول: يخبركم به الله ، وفي رواية أخرى: وأما أهل الشرك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء  وقال أبو بكر   : وحدثنا محمد بن أيوب  ، قال: أبنا أحمد بن عبد الرحمن  ، قال: أبنا عبد الله بن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن  الربيع بن أنس  ، قال:  [ ص: 317 ]  " هي محكمة لم ينسخها شيء ، يقول: يحاسبكم به الله  ، يقول: يعرفه يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا فلا يؤاخذه  . 
والثالث: أن محاسبة العبد به نزول الغم والحزن والعقوبة والأذى به في الدنيا ، وهذا قول  عائشة  رضي الله عنها . 
والقول الثاني: أنه أمر به خاص في نوع من المخفيات ، ثم لأرباب هذا القول فيه قولان: أحدهما: أنه في الشهادة والمعنى إن تبدوا بها الشهود ما في أنفسكم من كتمان الشهادة أو تخفوه . 
" أخبرنا المبارك بن علي  ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش  ، قال: أبنا إسحاق البرمكي  ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل  ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود  ، قال: أبنا  زياد بن أيوب   . 
 [ ص: 318 ] وأخبرنا عبد الوهاب الحافظ  ، قال: أبنا عاصم بن الحسن  ، قال: أبنا أبو عمر بن مهدي  ، قال: أبنا أبو عبد الله المحاملي  ، قال: أبنا  يعقوب الدورقي   . 
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ابن بشران  ، قال: بنا الكاذي  ، قال: قال: أبنا عمرو بن عبيد الله  ، قال: أبنا  عبد الله بن أحمد  ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا  هشيم  ، قال: أبنا يزيد بن أبي زيادة  ، عن مقسم  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، أنه قال: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  ، قال: نزلت في كتمان الشهادة ، وإقامتها قال  أحمد   : وحدثنا يونس  ، قال: أبنا حماد  ، عن حميد  ، عن  عكرمة  ، قال: " هذه في الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه   " . 
وبهذا قال  الشعبي   . 
والثاني: أنه الشك واليقين . 
" أخبرنا إسماعيل بن أحمد  ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال  ، 4 قال: أبنا ابن بشران  ، قال: أبنا إسحاق الكاذي  ، قال: أبنا  عبد الله بن أحمد بن حنبل  ، قال: حدثني أبي . 
 [ ص: 319 ] وأخبرنا المبارك بن علي  ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش  ، قال: أبنا  أبو إسحاق البرمكي  ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس  ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود  ، قال: أبنا المؤمل بن هشام  ، قال: أبنا إسماعيل بن علية   . 
وأخبرنا عبد الوهاب  ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي  ، قال: أبنا ابن شاذان  ، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن  ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين  ، قال: أبنا  آدم  ، قال: أبنا  ورقاء  كلاهما عن  ابن أبي نجيح  ، عن  مجاهد   " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  من الشك واليقين ، فعلى هذا الآية محكمة  . 
قال ابن الأنباري   : والذي نختاره أن تكون الآية محكمة ، لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي ، وقال  أبو جعفر النحاس   : لا يجوز أن يقع في مثل هذه الآية نسخ ، لأنها خبر ، وإنما التأويل أنه لما أنزل الله تعالى:  [ ص: 320 ] وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شيء عظيم ، فنسخ ذلك قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  أي: نسخ ما وقع بقلوبهم ، أي: أزاله ورفعه  . 
ذكر الآية السابعة والثلاثين: قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  اختلفوا في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة على قولين: أحدهما: أنها محكمة وأن الله تعالى إنما يكلف العباد قدر طاقتهم فحسب وهذا مذهب الأكثرين . 
والثاني: أنها اقتضت التكليف بمقدار الوسع بحيث لا ينقص منه ، فنزل قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر  وذلك ينقص عن مقدار الوسع فنسختها ،  [ ص: 321 ] والقول الأول أصح . 
 [ ص: 322 ] 
				
						
						
