[ ص: 427 ] سورة " براءة  " 
قوله - جل وعز - : براءة من الله ورسوله   ؛ سئل  أبي بن كعب   : ما بال " براءة " ؛ لم تفتتح بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟ فقال : " لأنها نزلت في آخر ما نزل من القرآن؛  وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في أول كل سورة بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ ولم يأمر في سورة " براءة " ؛ بذلك؛ فضمت إلى سورة " الأنفال " ؛ لشبهها بها  " ؛ يعني أن أمر العهود مذكور في سورة " الأنفال " ؛ وهذه نزلت بنقض العهود؛ فكانت ملتبسة بـ " الأنفال " ؛ في الشبه؛ قال أبو إسحاق   : أخبرنا بعض أصحابنا عن صاحبنا أبي العباس محمد بن يزيد المبرد  أنه قال : لم تفتتح بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ لأن " بسم الله " ؛ افتتاح للخير؛ وأول " براءة " ؛ وعيد؛ ونقض عهود؛ فلذلك لم تفتتح بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ و " براءة " ؛ نزلت في سنة تسع من الهجرة؛ وافتتحت مكة  في سنة ثمان؛ وولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد  للوقوف بالناس في الموسم؛ فاجتمع في  [ ص: 428 ] تلك السنة في الموقف؛ ومعالم الحج؛ وأسبابه؛ المسلمون؛ والمشركون؛ فلما كان في سنة تسع ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  أبا بكر الصديق  الوقوف بالناس؛ وأمر بتلاوة " براءة " ؛ وولى تلاوتها  عليا؛  وقال في ذلك : " لن يبلغ عني إلا رجل مني  " ؛ وذلك لأن العرب  جرت عادتها في عقد عقودها؛ ونقضها؛ أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها؛ فكان جائزا أن يقول العرب  إذا تلي عليها نقض العهد من الرسول : هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود؛ فأزاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه العلة؛ فتليت " براءة " ؛ في الموقف : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين  ؛ أي : قد برئ من إعطائهم العهود؛ والوفاء لهم؛ ذلك أن نكثوا. 
" براءة " ؛ مرتفعة على وجهين؛ أحدهما على خبر الابتداء؛ على معنى : " هذه الآيات براءة من الله ورسوله " ؛ وعلى الابتداء؛ يكون الخبر " إلى الذين عاهدتم " ؛ لأن " براءة " ؛ موصولة بـ " من " ؛ وصار كقولك : " القصد إلى زيد " ؛ و " التبرؤ إليك " ؛ وكلاهما جائز حسن؛ يقال : " برئت من الرجل؛ والدين؛ براءة " ؛ و " برئت من المرض " ؛ و " برأت - أيضا - برءا " ؛ وقد رووا : " برأت؛ أبرؤ؛ بروءا " ؛ ولم نجد فيما لامه همزة " فعلت؛ أفعل " ؛ نحو : " قرأت؛ أقرؤ " ؛ و " هنأت البعير؛ أهنؤه " .  [ ص: 429 ] وقد استقصى العلماء باللغة هذا؛ فلم يجدوه إلا في هذا الحرف؛ ويقال : " بريت القلم " ؛ وكل شيء نحته أبريه بريا؛ غير مهموز؛ وكذلك " براة السير " ؛ غير مهموز؛ و " البرة " : حلقة من حديد في أنف الناقة؛ فإذا كانت من شعر فهي " خزامة " ؛ والذي في أنف البعير من خشب يقال له " الخشاش " ؛ يقال : " أبريت الناقة؛ أبريها؛ براء " ؛ إذا جعلت لها برة؛ ولا يقال إلا بالألف " أبريت " ؛ ومن " الخزامة " : " خزمت " ؛ بغير ألف؛ وكذلك من " الخشاش " : " خششت " ؛ و " البرة " : الخلخال؛ من هذا؛ وتجمع " البرة " : " برين " ؛ و " البرى " .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					