الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : وإلى ثمود أخاهم صالحا ؛ أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا؛ و " ثمود " ؛ في كتاب الله مصروف؛ وغير مصروف؛ فأما المصروف فقوله : " ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود " ؛ الثاني غير مصروف؛ فالذي صرفه جعله اسما للحي؛ فيكون مذكرا؛ سمي به مذكر؛ ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة؛ وقوله : ما لكم من إله غيره ؛ وتقرأ : " غيره " ؛ فمن رفع فالمعنى : " ما لكم إله غيره " ؛ ودخلت " من " مؤكدة؛ ومن جر جعله صفة لـ " إله " ؛ وأجاز بعضهم النصب في " غير " ؛ وهو جائز في غير القرآن؛ على النصب على الاستثناء؛ وعلى الحال من النكرة؛ ولا يجوز في القرآن؛ لأنه لم يقرأ به؛ وأجاز الفراء " ما جاءني غيرك " ؛ بنصب " غير " ؛ وهذا خطأ [ ص: 349 ] بين؛ إنما أنشد الخليل؛ وسيبويه بيتا أجازا فيه نصب " غير " ؛ فاستشهد هو بذلك البيت؛ واستهواه اللفظ في قولهما : إن الموضع موضع رفع؛ وإنما أضيفت " غير " ؛ في البيت إلى شيء غير متمكن؛ فبنيت على الفتح؛ كما يبنى " يوم " ؛ إذا أضيف إلى " إذ " ؛ على الفتح؛ والبيت قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أوقال



                                                                                                                                                                                                                                        وأكثرهم ينشده " غير أن نطقت " ؛ فلما أضاف " غير " إلى " أن " ؛ فتح " غير " ؛ ولو قلت : ما جاءني غيرك " ؛ لم يجز؛ ولو جاز هذا لجاز " ما جاءني زيدا " ؛ وقوله : قد جاءتكم بينة من ربكم ؛ دعاهم إلى التوحيد؛ ودلهم على نبوته بالناقة؛ فقال : هذه ناقة الله لكم آية ؛ " آية " ؛ انتصب على الحال؛ أي : " انظروا إلى هذه الناقة آية " ؛ أي : علامة؛ وقد اختلف في خبرها؛ فقيل في بعض التفسير : إن الملأ من قوم صالح كانوا بين يديه؛ فسألوه آية؛ وكانت بين يديه صفاة - وهي الصخرة -؛ فأخرج الله منها ناقة؛ معها سقبها؛ أي : ولدها؛ وجاء في بعض التفسير أنه أخذ ناقة من سائر النوق؛ وجعل الله لها [ ص: 350 ] شربا يوما؛ ولهم شرب يوم؛ وذكرت قصته في غير هذا الموضع؛ فقال : هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ؛ فكانت تشرب يوما؛ ثم تفحج يوما آخر في واد؛ فلا تزال تحتلب؛ ولا ينقطع حلبها ذلك اليوم؛ فجائز أن يكون أمر خروجها من الصخرة صحيحا؛ وجائز أن يكون أمر حلبها صحيحا؛ وكل منهما آية معجزة تدل على النبوة؛ وجائز أن تكون الروايتان صحيحتين؛ فيجمع أنها خرجت من صخرة؛ وأن حلبها على ما ذكرنا؛ ولم يكن ليقول : قد جاءتكم بينة من ربكم ؛ فتكون آية فيها لبس؛ وقوله : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ؛ أي : لما أهلكهم؛ وورثكم الأرض؛ وبوأكم في الأرض ؛ أي : أنزلكم؛ قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        وبوئت في صميم معشرها ...     وتم في قومها مبوؤها

                                                                                                                                                                                                                                        أي : أنزلت من الكرم في صميم النسب؛ وقوله : وتنحتون من الجبال ؛ يقال : " نحت؛ ينحت " ؛ ويقال أيضا : " نحت؛ ينحت " ؛ لأن فيه حرفا من حروف الحلق؛ ويروى أنهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون أن ينحتوا بيوتا في الجبال؛ [ ص: 351 ] لأن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية