[ ص: 1 ] الأمثال من الكتاب والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
43 - عونك اللهم وحدك الحمد لله ولي الحمد وأهله والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين
قال الإمام محمد بن علي الترمذي الحكيم رحمه الله
أما بعد فإنك سألتني عن شأن الأمثال وضربها للناس فاعلم أن الله تعالى ضرب الأمثال للعباد في تنزيله لقوله تعالى ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم وقال جل ذكره وضربنا لكم الأمثال وقال جل ذكره ضرب لكم مثلا من أنفسكم
ثم اعلم بأن ضرب الأمثال لمن غاب عن الأشياء وخفيت عليه الأشياء فالعباد يحتاجون إلى ضرب الأمثال لما خفيت عليهم الأشياء فضرب الله لهم مثلا من عند أنفسهم لا من عند نفسه ليدركوا ما غاب عنهم فأما من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فلا يحتاج إلى الأمثال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
فلا جرم ما ضرب الأمثال من نفسه لنفسه وكيف ولا مثل [ ص: 2 ] له ولا شبيه له فلذلك قال جل ذكره فلا تضربوا لله الأمثال
فالأمثال نموذجات الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار لتهدي النفوس بما أدركت عيانا
فمن تدبير الله لعباده أن ضرب لهم الأمثال من أنفسهم لحاجتهم إليها ليعقلوا بها فيدركوا ما غاب عن أبصارهم وأسماعهم الظاهرة فمن عقل الأمثال سماه الله تعالى في كتابه عالما لقوله تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون
الأمثال مرآة النفس
فالأمثال مرآة النفس والأنوار -أنوار الصفات- مرآة القلب وإن الله تعالى جعل على الأفئدة أسماعا وأبصارا وجعل في الرءوس أسماعا وأبصارا فما أدركت أسماع الرءوس وأبصارها [ ص: 3 ] أيقن به القلب واستقرت النفس واتسعت في علم ذلك وانشرح صدره بذلك وما غاب عن أسماع الرءوس وأبصارها وجاءت أخبارها عن الله وتلك الأشياء مكنونة أيقن القلب بذلك ولكن تحيرت النفس وتذبذبت
وإن النفس مستقرها في الجوف والقلب .مستقره في فوق النفس فالقلب كدلو معلق في الصدر بعروقه وبما فيه من المكنون وتحته النفس وفيها الشهوات والهوى ريح من تنفس النار خرجت إلى محل الشهوات بباب النار واحتملت نسيمها وأفراحها حتى أوردتها على النفس فإذا هبت ريح الهوى بأمر وجاءت بذلك النسيم والفرح إلى النفس تحركت النفس وفارت ودب في العروق طيبها ولذتها في أسرع من اللحظة فإذا أخذت النفس في التذبذب والتمايل والاهتشاش إلى ما تصور وتمثل لها في الصدر تحرك القلب وتمايل هكذا وهكذا من وصول تلك اللذة إليه فإذا لم يكن في القلب شيء يثقله ويسكنه مال إلى النفس فاتفقا واتسقا على تلك الشهوات فإن كانت تلك منهيا عنها فبرز إلى الأركان فعلها فصارت معصية وذنبا
وإنما لأن العلم بالله يورث الخشية [ ص: 4 ] فإذا تأدت تلك الخشية إلى النفس ذبلت وتركت التردد فاستقر القلب يثقل القلب بالعلم بالله
العلم بالله يورث الحياء
فإذا تأدى ذلك الحياء إلى النفس انكسرت وخجلت فإذا جهل القلب ربه صار صفة القلب مع النفس على ما وصفنا بديا
والقلب موقن بالله تعالى بيقين التوحيد فإذا جاءت نوائب الأمور استقر القلب بذلك اليقين لأنه ليس في القلب شهوة وتذبذبت النفس وترددت بالشهوة التي فيها
فإذا ضربت لها الأمثال صار ذلك الأمر لها بذلك المثل كالمعاينة كالذي ينظر في المرآة فيبصر فيها وجهه ويبصر بها من خلفه لأن ذلك المثل قد عاينه ببصر الرأس فإذا عاين هذا أدرك ذلك الذي غاب عنه بهذا فسكنت النفس وانقادت للقلب واستقرت تحت القلب في معدنها فهي كالعماد لسطح البيت فإذا تحرك العماد تحرك السطح وانهار وتبدد العماد
الأمثال من القرآن
فضرب الله الأمثال لنفوس العباد حتى يدركوا ما غاب عن أسماعهم وأبصارهم الظاهرة بما عاينوا فابتدأ في تنزيله [ ص: 5 ] فضرب مثل المنافقين فقال جل ذكره وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون