الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرضه ) هو كما قال الشارح مفرد مضاف [ ص: 156 ] فيعم كل فرض منه : أي فروضه كما في المحرر .

                                                                                                                            لا يقال دلالة العام كلية محكوم فيها على كل فرد مطابقة فيكون فاسدا لكونه يقتضي انقسام الواحد ستة فيجتمع ستة وثلاثون .

                                                                                                                            لأنا نقول : إما أن تكون القاعدة أغلبية لا كلية أو أن محل ذلك ما لم تقم قرينة على إرادة المجموع كما في قولهم : رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة : أي مجموعهم لا كل فرد فرد .

                                                                                                                            وكلام المنهاج من هذا القبيل .

                                                                                                                            والحاصل أنه قد تقوم قرينة تدل على أن الحكم في العام حكم على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع من غير نظر إلى كون أفراد العام الجمع أو نحوه آحادا أو جموعا ، فيكون الحكم عليه كلا لا كلية ولا كليا ، وهو المحكوم فيه على الماهية من حيث هي من غير نظر إلى الأفراد وأن ما لا يصح شرعا ولا عقلا يكون من دلالة الاقتضاء فلا يعترض به ( ستة ) ولم يعد الماء ركنا هنا مع عد التراب ركنا في التيمم ، لأن الماء غير خاص بالوضوء بخلاف التراب فإنه خاص بالتيمم .

                                                                                                                            ولا يرد عليه النجاسة المغلظة لأنه غير مطهر فيها وحده بل الماء بشرط امتزاجه بالتراب ، على أن بعضهم قال : إنه لا يحسن عد التراب ركنا لأن الآلة جسم والفعل عرض فكيف يكون الجسم جزءا من العرض ، والفرض والواجب بمعنى واحد والمراد هنا الركن ( أحدها نية رفع حدث ) على الناوي : أي رفع حكمه كحرمة الصلاة لأن القصد من الوضوء رفع المانع ، [ ص: 157 ] فإذا نواه فقد تعرض للمقصود سواء أنوى رفع جميع أحداثه أم بعضها وإن نفى باقيها فلو نوى غير ما عليه غالطا صح وإلا فلا ، ولو نوى رفع بعض حدثه لم يصح كما قاله الزركشي وبعض شراح الحاوي وهو ظاهر .

                                                                                                                            والأصل في وجوب النية قوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين } والإخلاص النية .

                                                                                                                            وخبر الصحيحين { إنما الأعمال بالنيات } أي الأعمال المعتد بها شرعا ، ولأن الوضوء عبادة فعلية محضة فاعتبر فيه النية ، فخرج بالعبادة الأكل والشرب ونحوهما ، وبالفعلية القولية كالأذان والخطبة ، وبالمحضة العدة وستر العورة ، ولأنه طهارة [ ص: 158 ] موجبها في غير محل موجبها فأشبهت التيمم وبه خرج إزالة النجاسة والكلام عليها من سبعة أوجه جمعها بعضهم في قوله :

                                                                                                                            حقيقة حكم محل وزمن كيفية شرط ومقصود حسن

                                                                                                                            فحقيقتها لغة القصد ، وشرعا قصد الشيء مقترنا بفعله ، وحكمها الوجوب كما علم مما مر ، ومحلها القلب ، وزمنها أول الواجبات ، وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب ، وشرطها إسلام الناوي ، وتمييزه وعلمه بالمنوي ، وعدم إتيانه بمنافيها بأن يستصحبها حكما ، والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة كالجلوس للاعتكاف تارة وللاستراحة [ ص: 159 ] أخرى ، أو تمييز رتبها كالصلاة تكون تارة فرضا وأخرى نفلا ، ولا تتعين النية المتقدمة بل هي ( أو ) نية ( استباحة ) شيء ( مفتقر ) صحته ( إلى طهر ) أي وضوء كصلاة ومس مصحف وطواف ، لأن رفع الحدث إنما يطلب لهذه الأشياء ، فإذا نواها فقد نوى غاية القصد ، وظاهر أنه لو قال : نويت استباحة مفتقر إلى وضوء أجزأه وإن لم يخطر له شيء من مفرداته ، وكون نيته حينئذ تصدق بنية واحد مبهم مما يفتقر له لا يضر لأنه مع ذلك متضمن لنية رفع الحدث ، وشمل ذلك ما لو نوى به ما لا يتأتى منه فعله حالا كالطواف وهو بمصر مثلا ، أو صلاة العيد في نحو رجب ، وما لو نوى أن يصلي به الظهر مثلا ولا يصلي به غيرها وهو كذلك ، بخلاف ما لو نوى به رفع حدثه بالنسبة لصلاة دون غيرها فإنه لا يصح وضوءه قولا واحدا كما قاله البغوي ، لأن حدثه لا يتجزأ إذا بقي بعضه بقي كله وهذا هو المعتمد ، وإن قال الشيخ إنه مردود فقد فرق بعض المتأخرين بأن في مسألة البغوي بقي بعض حدثه الذي رفعه ، وفيما رد به الباقي غير الحدث المرفوع وهو لا يضر فإنه لا أثر له إذا رفع غيره [ ص: 160 ] ووجهه الوالد رحمه الله تعالى بأن النافي فيه كالمتلاعب ، لأن الحدث إذا ارتفع كان له أن يصلي به هذه وغيرها فصار كمن قال أصلي به ولا أصلي به ، ولا يرد على تعبيره بطهر قراءة القرآن والمكث في المسجد مع افتقارهما إلى طهر وهو الغسل ، ولا يصح الوضوء بنيتهما لأنه خرج بقوله استباحة ، إذ نية استباحتهما تحصيل للحاصل .

                                                                                                                            وأيضا فقد علم من قوله بعد أو ما يندب له وضوء كقراءة فلا في الأصح ( أو ) نية ( أداء فرض الوضوء ) أو فرض الوضوء أو الوضوء الواجب وإن كان الناوي صبيا ، أو أداء الوضوء أو الوضوء فقط أو الطهارة عن الحدث أو له أو لأجله أو الواجبة أو أداء فرض الطهارة أو أداء الطهارة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإنما صح الوضوء بنية فرضه قبل الوقت ، مع أنه لا وضوء عليه لكون المراد به فعل الطهارة عن الحدث المشروط للصلاة .

                                                                                                                            وشرط الشيء يسمى فرضا ، وأيضا فهو باعتبار ما يطرأ ، ألا ترى أن الناوي لرفع الحدث عند غسل جزء من وجهه يكتفي منه بذلك مع أن حدثه لم يرتفع ذلك الوقت ، ومحل الاكتفاء بالأمور المتقدمة في غير الوضوء المجدد .

                                                                                                                            أما هو فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة كما اعتمده الوالد رحمه الله تعالى وإن ذهب الإسنوي إلى الاكتفاء بذلك كالصلاة المعادة .

                                                                                                                            قال : غير أن ذلك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه .

                                                                                                                            وتعقبه ابن العماد بأن تخريجه على الصلاة ليس ببعيد ، لأن قضية التجديد أن يعيد الشيء بصفته الأولى انتهى . [ ص: 161 ] ويرد ذلك بأن الصلاة اختلف فيها هل فرضه الأولى أم الثانية ، ولم يقل أحد في الوضوء بذلك فافترقا .

                                                                                                                            ومثل ما ذكر وضوء الجنب إذا تجردت جنابته لما يستحب له الوضوء من أكل أو نوم أو نحوه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            وعلم مما قررته أنه لا يشترط التعرض للفرضية والأداء وإن كان ظاهر كلامه خلافه ، وإنما اكتفى بالوضوء فقط دون الغسل لأن الوضوء لا يكون إلا عبادة فلا يطلق على غيرها ، بخلاف الغسل فإنه يطلق على غسل النجاسة والجنابة وغيرها ( ومن دام حدثه كمستحاضة ) وسلس بول أو نحوه ( كفاه نية الاستباحة ) المارة ( دون ) نية ( الرفع ) المتقدم لعدم ارتفاع حدثه ( على الصحيح فيهما ) أما الاكتفاء بنية الاستباحة فبالقياس على التيمم .

                                                                                                                            وأما عدم الاكتفاء برفع الحدث فلبقاء حدثه .

                                                                                                                            والثاني يصح فيهما .

                                                                                                                            والثالث لا يصح فيهما بل يشترط أن يجمع بينهما .

                                                                                                                            ويندب الجمع بينهما على الصحيح للخروج من خلاف من أوجبه لتكون نية الرفع للحدث السابق ونية الاستباحة ونحوها للاحق ، وبذلك يرد ما قيل إنه قد جمع في نيته بين مبطل وغيره ، وما قيل من أن نية الاستباحة ، وحدها تفيد الرفع كنية رفع الحدث فالغرض يحصل بها وحدها .

                                                                                                                            ورد بأن الغرض الخروج من الخلاف ، وهو إنما يحصل بما يؤدي المعنى مطابقة لا التزاما ، وذلك إنما يحصل بجمع النيتين ، وحكم نية دائم الحدث فيما يستبيحه من الصلوات حكم المتيمم حرفا بحرف ، فإن نوى استباحة فرض استباحه وإلا فلا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فيعم ) أي فصح الإخبار عنه بالجمع ( قوله : أي فروضه ) أي جملة فروضه ( قوله : وهو المحكوم فيه إلخ ) الضمير راجع للكلي ، وأما الكلية فهي التي حكم فيها على كل فرد ، والكل هو الحكم على جملة الأفراد ، فالثلاثة متغايرة ( قوله : يكون من دلالة الاقتضاء ) وهي أن يتوقف صدق الكلام أو صحته على إضمار فيقدر هنا : أي جملة فرضه بمعنى : فروضه ستة ( قوله : على أن بعضهم قال : إنه لا يحسن إلخ ) وفي سم على حج .

                                                                                                                            وأقول : هو إشكال ساقط لوجوه : منها أن هذا نظير عدهم العاقد ركنا للبيع من أن البيع هو العقد ، ولا يتصور أن يكون العاقد جزءا من العقد .

                                                                                                                            وقد أجاب ابن الصلاح وغيره هناك بما يأتي نظيره هنا .

                                                                                                                            ومنها أنه ليس المراد بكون التراب ركنا أو شرطا أن ذاته هي الركن أو الشرط ضرورة أن كلا من الركن والشرط متعلق الوجوب ، والوجوب لا يتعلق بالذوات بل بالأفعال ، بل المراد بالركن أو الشرط هو استعمال التراب أو الماء .

                                                                                                                            أو يقال كون المسح بالتراب والغسل بالماء ( قوله : والفعل عرض ) أي الذي هو المسح في التيمم ( قوله : والمراد هنا الركن ) أي ومن ثم تعرض الشارح هنا للشروط ولا ترد على المصنف ( قوله : أي رفع حكمه ) هذا إنما يحتاج إليه حيث أريد بالحدث الأسباب .

                                                                                                                            أما لو أريد به المنع أو الأمر الاعتباري فلا حاجة إلى ذلك بل لا يصح ، ولعله إنما حمل الحدث على الأسباب واحتاج لتقدير ما ذكر لقولهم فإن نوى غير ما عليه أو بعض أحداثه ، وغير ذلك مما يدل على إرادة [ ص: 157 ] الأسباب ( قوله : فإذا نواه ) أي رفع الحدث سم على منهج ( قوله أم بعضها ) ظاهره سواء كان متقدما أو متأخرا . فإن قلت : المتأخر لا يسمى حدثا لما مر من أن الحدث هو السبب الذي يوجد من المتوضئ ، وعليه فلو مس ثم بال لا يطلق على البول حدث .

                                                                                                                            قلت : أجاب بعضهم بحمل الأحداث المتعددة على ما لو وجدت منه دفعة كأن مس ولمس وبال في وقت واحد .

                                                                                                                            قال : فيتقيد قولهم إذا نوى بعض أحداثه بذلك حتى لو وجدت مترتبة فنوى المتأخر لم يصح مطلقا .

                                                                                                                            وأقول : في المصباح ما يقتضي أنه لا فرق في صحة النية برفع البعض بين وجودها معا أو مترتبة .

                                                                                                                            وعبارته : والحدث الحالة المناقضة للطهارة شرعا والجمع الأحداث ، إلى أن قال : ومعنى قولهم المناقضة للطهارة أن الحدث إن صادف طهارة نقضها ورفعها وإن لم يصادف طهارة فمن شأنه أن يكون كذلك حتى يجوز أن يجتمع على الشخص أحداث ( قوله : فلو نوى غير ما عليه ) أي ولو جنابة كما صرح بالتفصيل فيها ، بل وإن لم يتصور منه كالحيض في حق الرجل م ر ا هـ سم على منهج ( قوله : وإلا فلا ) لعل صورته أنه قصد رفع الحدث الذي حصل له من النوم بالفعل حتى لو نوى الحدث الذي من شأنه أنه نشأ من النوم صح فليتأمل سم على منهج ( قوله : لم يصح كما قاله الزركشي ) قد يقال قياس ما في الطلاق حيث يقع الطلاق كاملا فيما لو قال لها أنت طالق نصف طلقة الصحة هنا ويكون رفع البعض رفعا للكل .

                                                                                                                            ويجاب بأن المطلوب في النية الجزم ; ورفع البعض مع إرادة بقاء البعض تلاعب لا يليق بالنية ، بخلاف الطلاق لم يشترط في وقوعه الجزم المذكور وهو لا يتبعض ، فكان إيقاع بعضه إيقاعا لكله ( قوله : والإخلاص النية ) قال سم في حواشي شرح البهجة : فيه شيء مع له ا هـ .

                                                                                                                            ووجهه أن الإخلاص بمعنى النية لا يتعدى باللام ، إذ يصير التقدير عليه ناوين الدين له ولا معنى له ، وقد يقال لا يلزم من كون الإخلاص بمعنى النية تقدير لفظها في الكلام ، بل يكفي ملاحظتها معنى كأن يقال : معنى مخلصين مخصصين له الدين : أي قاصرين الدين عليه بحيث لا ينسبونه إلى غيره ، وذلك إنما يتحقق بالنية ( قوله : وخبر الصحيحين ) قدم الآية لكونها دالة على وجوب النية دلالة ظاهرة ، والحديث إنما يدل عليه بتقدير مضاف بأن يقال : إنما صحة الأعمال بالنية ، والحنفية يمنعون هذا ويقدرون إنما كمال الأعمال .

                                                                                                                            والجواب من الشافعية أن تقدير الصحة أقرب إلى نفي الذات من نفي الكمال ، لأن ما انتفت صحته لا يعتد به شرعا فكأنه لم يوجد ، بخلاف ما انتفى كماله ما فإنه يعتد به شرعا فكأن ذاته موجودة ( قوله : ولأن ) عطف على قوله والأصل إلخ وكأنه قيل لقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات } ولأن الوضوء إلخ ( قوله : محضة ) أي وكل ما هو كذلك يحتاج إلى النية ، وفيه أن هذه المقدمة يحتاج إثباتها لدليل ( قوله : ولأنه ) أي الوضوء وهو معطوف على قوله والأصل أيضا [ ص: 158 ] قوله : موجبها ) أي أثرها ( قوله : في غير محل موجبها ) الأولى ضبط الأولى بالكسر ، والثانية بالفتح .

                                                                                                                            والمعنى السبب الذي يوجبها في غير محل موجبها : أي محصلها ، فاللمس مثلا سبب للطهارة التي هي زوال المنع المترتب على الحدث ومحصلها غسل الأعضاء ، واللمس ليس في محل ذلك الغسل ، ولو قال موجبها في غير محلها كان أوضح ( قوله فحقيقتها لغة القصد ) لم يسمع جمعه لغة وقد جمعه بعض الفقهاء على قصود .

                                                                                                                            قال في المصباح : وكلامهم يدل على أن جمع المصدر موقوف على السماع ، فإن سمع الجمع عللوا باختلاف الأنواع ، وإن لم يسمع عللوا بأنه ، مصدر : أي باق على مصدريته ، وعلى هذا فجمع القصد موقوف على السماع : أي ولم يسمع وجوابه أن الفقهاء ثقات فذكرهم له دليل على سماعه ( قوله : قصد الشيء مقترنا إلخ ) اعتبار الاقتران في الحقيقة يشكل بنحو الصوم والاستثناء في مقومات الحقيقة مما لا معنى له كما لا يخفى .

                                                                                                                            اللهم إلا أن يكون هذا رسما اعتبر فيه لازم غالبي وإن كان قوله حقيقتها لا يناسب ذلك ، أو يلتزم أن السابق في الصوم ليس كنية بل هو عزم اكتفى به للضرورة ا هـ سم على بهجة ( قوله : وحكمها الوجوب ) قد يرد أن النية قد تكون مندوبة : أي كنية السواك الذي ليس في ضمن عبادة .

                                                                                                                            لا يقال كلامه في النية في الوضوء لا مطلقا .

                                                                                                                            لأنا نقول : صريح سياقه يرد ذلك كقوله الآتي بأول غسل جزء من الوجه هنا .

                                                                                                                            ويجاب بأن المراد الوجوب غالبا ا هـ سم على بهجة .

                                                                                                                            قلت : أو أن الوجوب بمعنى ما لا بد منه لحصول المقصود ( قوله : كما علم مما مر ) أي من قوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله } الآية ( قوله : ومحلها القلب ) نعم التلفظ مندوب ا هـ شرح البهجة : أي في جميع الأبواب ، بل قيل بوجوبه في الجميع .

                                                                                                                            وقال حج : أي في جميع الأبواب خروجا من خلاف موجبه : أي في جميع الأبواب ( قوله وعدم إتيانه بمنافيها ) تقدم عد الإسلام وما بعده من شروط الوضوء ، فلا يحسن هنا عده من شروط النية إلا أن يقال : لا مانع أن الشيء الواحد قد يكون شرطا لأشياء متعددة باعتبارات مختلفة .

                                                                                                                            وعبارة حج : وهذه الخمسة الأخيرة : أي وهي تحقق المقتضى ، والإسلام والتمييز وعدم الصارف ومعرفة الكيفية شروط في الحقيقة للنية . [ تنبيه ] قال القيصري : ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل يديه : أي كفيه ، فلا ينافي قوله الآتي واليدين إلخ تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله ونفضهما مما يشغله عنه ، وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة ، وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوباته ، وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يهلكه ويهبطه من أعلى عليين إلى أسفل سافلين ، وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير [ ص: 159 ] الله ، وبتطهير الأنف من الأنفة والكبر ، والعين من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع أو ضر ، واليدين تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله ، والرأس زوال الترؤس والرياسة الموجبة للكبر ، والقدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز ، وهكذا يصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس تعالى ، مناوي في شرحه الكبير للجامع عند قوله صلى الله عليه وسلم { أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة ، فإذا غسل وجهه } إلخ ( قوله : من مفرداته ) أي من حيث خصوصه ، وإلا فلا بد من تصور ما يصدق عليه أنه يفتقر إلى وضوء ، لأن النية إنما يعتد بها إذا قصد فعل المنوي بقلبه ( قوله : وشمل ذلك ما لو نوى ) أي وشمل ذلك ما لو نوت المرأة خطبة الجمعة غالطة ، فإن كانت عامدة لم تصح نيتها لعدم تأتي ذلك منها ( قوله : أو صلاة العيد في نحو رجب ) أي ما لم يقيد بفعله حالا وإلا فلا يصح لتلاعبه كذا قيل .

                                                                                                                            ويؤخذ منه أنه لو كان من المتصرفين بحيث يقدر على الوصول إلى مكة في الوقت الذي عينه الصحة وهو ظاهر .

                                                                                                                            وأما لو كان عاجزا وقت النية ثم عرضت له القدرة بعد إما بأن صار متصرفا أو اتفق له من يوصله إلى مكة في ذلك الوقت من المتصرفين لم يصح لفساد النية عند الإتيان بها ، وما وقع باطلا لا ينقلب صحيحا .

                                                                                                                            هذا وقد علل ابن حجر الصحة فيما لو نوى ما لا يتأتى منه بقوله : لأن نية ما يتوقف عليه وإن لم يمكنه فعله متضمنة نية رفع الحدث ا هـ .

                                                                                                                            ومقتضاه أنه لا فرق بين أن يقيد ذلك بفعله حالا أو لا لأنه وإن نواه فالمقصود منه رفع الحدث ، فتقييده بما ذكر لا ينافي مقصوده لكن ينافي الأخذ بمقتضاه ما يأتي من أنه لو نوى بوضوئه الصلاة بمحل نجس إلخ من عدم الصحة ، فالأولى الأخذ بما قيل من فساد النية ، ويحمل ما اقتضاه التعليل على أن محله إذا لم يصرح بمنافيه ( قوله : وإن قال الشيخ ) أي في غير شرح منهجه ( قوله : الباقي ) مبتدأ خبره غير .

                                                                                                                            والمعنى أن في مسألة غير البغوي رفع فيها حدثا بتمامه وأبقى غيره من الأحداث ، فالحدث الباقي غير المرفوع ، وحيث ارتفع حدث صح غير الصلاة التي عينها برفع الحدث الذي رفعه .

                                                                                                                            وفي مسألة البغوي الذي رفعه بعض [ ص: 160 ] الحدث ، والذي أبقاه بعض آخر ، والحدث لا يتجزأ فإذا بقي بعضه بقي كله فلا يصح بذلك الوضوء شيء من الصلوات .

                                                                                                                            والحاصل أنه فرق بين ما رد به من أنه يصلي في غير مسألة البغوي بوضوئه ما شاء وما رد عليه من أنه يصلي في مسألة البغوي ما شاء بأن في مسألته لم يرتفع شيء من حدثه فلا تصح منه صلاة أصلا ا هـ ( قوله : ووجهه ) أي الفرق ( قوله : فصار كمن قال أصلي به إلخ ) أي فلا يصح . قوله : أو أداء ، المراد بالأداء الفعل والإتيان لا مقابل القضاء ا هـ سم على بهجة .

                                                                                                                            قلت : وذلك لأنه فعل العبادة قبل خروج وقتها .

                                                                                                                            والوضوء ليس له وقت مقدر شرعا بحيث يكون فعله فيه أداء وبعده قضاء ( قوله : أو الطهارة عن الحدث ) أما نية الطهارة فقط فلا تكفي كنية الغسل لأنها قد تكون عن حدث وخبث ( قوله : أو له ) أي الحدث ( قوله : أو الاستباحة ) ومثلها الطهارة عن الحدث كما يؤخذ من كلام سم على منهج نقلا عن الشارح .

                                                                                                                            وفي كلام حج نقلا عن ابن العماد أنه يصح بكل نية مما مر حتى نية رفع الحدث والاستباحة .

                                                                                                                            قال : وهو قريب إن أراد صورتهما ، كما أن معيد الصلاة ينوي بها الفرض إلى آخر ما أطال به ( قوله قال ) أي الإسنوي ( قوله : ليس ببعيد ) قال حج : وهو قريب إن أراد صورتهما ، كما أن معيد الصلاة ينوي بها الفرض ، إلى أن قال : ويؤخذ منه أن الإطلاق هنا كاف كهو ثم ا هـ : أي فلا يشترط في صحة الصلاة المعادة ملاحظة الإعادة لما هو فرض ، ولا نية ما هو فرض صورة ولا ما هو فرض في الجملة ، [ ص: 161 ] ولا غير ذلك مما اعتبر ثم من التأويلات للفرض بل الإطلاق كاف ، ويحمل على ما يمنع من التلاعب ( قوله ومثل ما ذكر ) أي في امتناع نية الرفع والاستباحة والطهارة عن الحدث ( قوله : إذا تجردت جنابته ) أي عن الحدث ( قوله : لما يستحب ) متعلق بوضوء ( قوله : أو نحوه ) كالجماع ( قوله : وإنما اكتفى بالوضوء ) أي بنية الوضوء فقط : أي من غير أداء وفرض ( قوله : دون الغسل ) أي حيث لم يكتف فيه بمجرد نية الغسل ( قوله : كفاه نية الاستباحة ) وشرط استباحة الصلاة قصد فعلها بتلك الطهارة فلو لم يقصد فعل الصلاة أو نحوها بوضوئه ، قال في المجموع : فهو تلاعب لا يصار إليه ا هـ خطيب ، ومثله في حواشي شرح الروض ، ولعل صورة ما في المجموع أنه قصد أن لا يفعل بها شيئا من الصلوات ولا نحوها وليتأتى القول بالتلاعب فيه ( قوله وبذلك ) أي بكون نية الرفع للحدث السابق إلخ ( قوله : بين مبطل ) وهو نية الرفع وغيره وهو نية الاستباحة ( قوله : مطابقة لا التزاما ) عبارة حج : ويرد بمنع علته على أنه لو سلم كان لازما بعيدا وهو لا يكتفي به في النيات .

                                                                                                                            وكتب عليه سم : قوله : كان لازما بعيدا فيه نظر ، لأن اللازم البعيد ما كثرت وسائطه وهذا مفقود هنا ، بل لا واسطة هنا أصلا لأنه إذا تحقق الرفع تحققت إباحة الصلاة فتأمله ، وقوله ويرد بمنع علته كتب عليه سم فيه أنه لا وجه لهذا المنع لظهور أن رفع الحدث يستلزم استباحة الصلاة فالتضمن صحيح .

                                                                                                                            لا يقال قد يرتفع إلخ الحدث ولا تباح الصلاة لوجود مانع آخر ، لأنه لو التفت لهذا لم تصح هذه النية من السليم فتأمله ( قوله حرفا بحرف ) هذا إذا نوى الاستباحة ، فلو نوى الوضوء أو فرض الوضوء أو أداء الوضوء هل يستبيح الفرض والنفل أو النفل فقط ؟ أجاب عنه الشهاب الرملي بأنه يستبيح النفل لا الفرض تنزيلا له على أقل درجات ما يقصد له غالبا .

                                                                                                                            أقول : وقد يفرق بينها بأن الصلاة مشتركة بين الفرض والنفل فصدقها على أحدهما كصدقها على الآخر فحملت على أقل الدرجات ، بخلاف الوضوء أو ما في معناه فإن المقصود منه رفع المانع مطلقا فعمل به وكان نيته كنية استباحة النفل والفرض معا ، وقد يجعل العدول إليه دون نية الاستباحة قرينة عليه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : للاحق ) أي أو المقارن




                                                                                                                            الخدمات العلمية