ثم شرع في الحكم الثاني وهو ما يستبيحه بالتيمم فقال ( ولا يصلي بتيمم غير فرض ) سواء أكان تيممه عن حدث أصغر أم أكبر ، وسواء أكان لمرض أم لفقد ماء ، وسواء أكان بالغا أم صبيا .
نعم لو تيمم [ ص: 311 ] للفرض ثم بلغ لم يصل به الفرض لأن صلاته نفل كما صححه في التحقيق عملا بالاحتياط في حقه في الموضعين .
وسواء أكان الفرض أداء أم قضاء لقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة } إلى قوله { فتيمموا } فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة خرج الوضوء بالسنة فبقي التيمم على مقتضاه .
ولما .
روى البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " ولما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال " من السنة أن لا يصلي بتيمم واحد إلا صلاة واحدة ، ثم يحدث للثانية تيمما " والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومفهوم قوله صلى الله عليه وسلم { أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت } يدل عليه ، ولأنه طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها .
لا يقال : لو عبر بقوله ولا يؤدي بتيمم غير فرض كان أولى ليشمل الطوافين والطواف والصلاة لأنا نقول : لو عبر بذلك لورد عليه تمكين المرأة حليلها مرارا متعددة بتيمم واحد فإنه جائز مع أن كل مرة فرض عليها ، وعبارته حينئذ تقتضي عدم ذلك وليس بصحيح ، بخلاف ما عبر به فإنه سالم من ذلك غايته أنه لم يدخل في العبارة ما سوى الصلاة ، بل حكمه مسكوت عنه وليس بمضر ، ولا يجمع بين الجمعة وخطبتها بتيمم واحد كما رجحاه وهو المعتمد ، لأن الخطبة وإن كانت فرض كفاية قد التحقت بفرائض الأعيان لما قيل إنها بدل عن ركعتين والصحيح لا يقطع النظر عن مقابله وإنما جمع بين الخطبتين بتيمم واحد مع أنهما فرضان لكونهما في حكم شيء واحد ، وعلم من ذلك أن الخطيب يحتاج إلى تيممين ، وأنه لو تيمم للجمعة فله أن يخطب به ولا يصلي الجمعة به ، وأنه لو تيمم للخطبة فلم يخطب فله أن يصلي به الجمعة وإن كانت دون ما فعله به لما تقدم من أنها ألحقت بفرض العين ، وشمل كلامه المتيمم للجنابة عند عجزه عن الماء إذا تجردت جنابته عن الحدث فإنه لا يصلي به غير فرض كما مر في باب أسباب الحدث ، ولو تيمم عن حدث أكبر ثم أحدث حدثا أصغر انتقض طهره الأصغر لا الأكبر [ ص: 312 ] كما لو أحدث بعد غسله فيحرم عليه ما يحرم على المحدث .
ويستمر تيممه عن الحدث الأكبر حتى يجد الماء بلا مانع ، ولو غسل جنب كل بدنه سوى رجليه ثم فقد الماء وحصل له حدث أصغر وتيمم له ثم وجد ماء يكفي رجليه فقط تعين لهما ولا يبطل تيممه .
ولو تيمم أولا لتمام غسله ثم أحدث وتيمم له ثم وجد كافيهما بطل تيممه ، ويجوز للرجل جماع أهله ، وإن علم عدم الماء وقت الصلاة فيتيمم ويصلي من غير إعادة .


