الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( ولو حلفه وال ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته ) بيان لكون اليمين المطلقة تصير مقيدة من جهة المعنى كما في هذه المسألة ; لأنه مطلقة من حيث اللفظ لكن لما كان مقصود المستحلف دفع شره أو شر غيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته والزوال بالموت ، وكذا بالعزل في ظاهر الرواية والداعر بالدال والعين المهملتين كل مفسد وجمعه دعار من الدعر ، وهو الفساد ، ومنه دعر العود يدعر بكسر العين في الماضي ، وفتحها في المضارع إذا فسد ، وإذا تقيدت بقيام ولايته بطلت اليمين بعزله فلا تعود بعد توليته ، ولم يذكر المصنف أن اليمين على الفور أو التراخي .

                                                                                        وفي التبيين : ثم إن الحالف لو علم الداعر ولم يعلمه لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل ; لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة بمجرد الترك بل باليأس عن الفعل وذلك بما ذكرنا إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الإمكان وإلا فلا . ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير ، ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا انظر إلى المقصود ، وهي المبادرة لزجره ودفع شره فالدعر يوجب التقييد بالفور ، وفور علمه به . ا هـ .

                                                                                        وليس العموم في قوله بكل داعر على بابه ; لأنه لا يمكنه أن يعلمه بكل داعر في الدنيا ، وإنما مراده كل داعر يعرفه أو في بلده أو دخل البلد ، وأشار المصنف رحمه الله إلى مسائل منها لو حلف رب الدين غريمه أو الكفيل بأمر المكفول عنه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بالخروج حال قيام الدين والكفالة ; لأن الإذن إنما يصح ممن له ولاية المنع ، وولاية المنع حال [ ص: 401 ] قيامه . ومنها لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه تقيد بحال قيام الزوجية بخلاف ما إذا قال إن خرجت امرأته من هذه الدار فعبده حر ، ولم يقيده بالإذن أو حلف لا يقبلها فخرجت بعدما أبانها أو قبلها بعدما أبانها حيث يحنث ; لأنه لم يوجد فيه دلالة التقييد في حال قيام الزوجية ، وعلى هذا لو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بغير إذنك طالق فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ثم تزوج بغير إذنها طلقت ; لأنه لم يقيد يمينه ببقاء النكاح ; لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الإذن والمنع بعقد النكاح .

                                                                                        ومنها لو أن سلطانا حلف رجلا أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه ثم خرج بعد عزله بدون إذنه لا يحنث ; لأن اليمين تقيدت بحال قيام السلطنة كذا في المحيط ، ولم أر حكم ما إذا حلفه وال ليعلمنه بكل داعر ثم عزل من وظيفته وتولى وظيفة أخرى أعلى منها كالدويدار إذا حلف حقيرا ثم صار واليا ، وهو المسمى في زماننا بالصوباشاه وينبغي أن لا يبطل اليمين ; لأنه صار متمكنا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى .

                                                                                        [ ص: 400 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 400 ] ( قوله : أو الكفيل بأمر المكفول عنه ) اعترض بأنه لا فائدة للتقييد بالأمر قلت : لكن عبارة الكافي للمصنف أو الكفيل بأمر المكفول عنه فالكفيل بالرفع وبأمر منون بدون إضافة والمكفول بالنصب ، وعليه والتقييد له فائدة ظاهرة ; لأن الكفيل بأمر المكفول عنه له الرجوع فهو كرب الدين فلو حلف المكفول عنه كان له فائدة ما دامت كفالته باقية تأمل [ ص: 401 ] ( قوله : ومنها لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه إلخ ) تقدمت هذه المسألة متنا في باب اليمين في الدخول والخروج وذكر المؤلف في باب التعليق من كتاب الطلاق لا يقال إن البطلان لتقييده بامرأته ; لأنها لم تبق امرأته ; لأنا نقول لو كان لإضافتها إليه لم يحنث فيما لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها وانقضت عدتها وخرجت ، وفيما لو قال إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة مع أنه يحنث فيهما كما في المحيط معللا بأن الإضافة للتعريف لا للتقييد . ا هـ .

                                                                                        لكن ذكر المؤلف قبل هذا ما نصه : وفي القنية إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق وخرج على الفور وخلع امرأته ثم سكنها قبل انقضاء العدة لا تطلق ; لأنها ليست بامرأته وقت وجود الشرط . ا هـ .

                                                                                        فقد بطلت اليمين بزوال الملك هنا فعلى هذا يفرق بين [ ص: 402 ] كون الجزاء فأنت طالق وبين كونه فامرأته طالق ; لأنها بعد البينونة لم تبق امرأته فليحفظ هذا فإنه حسن جدا . ا هـ .

                                                                                        قلت : وعلى هذا فاعتبار التقييد في الإضافة فيما إذا كان المعلق طلاقها لا غيره فلا ينافي ما في المحيط تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية