( قوله وبطلت إن رأى متيمم ماء ) أي بطلت صلاته بالقدرة على استعمال الماء ولا عبرة بالرؤية المجردة عن القدرة بدليل ما قدمه في بابه وإنما بطلت ; لأن عدم الماء شرط في الابتداء فكان شرط البقاء كسائر الشروط وكالمكفر بالصوم إذا أيسر ليس له البناء ; لأنه برؤية الماء ظهر حكم الحدث السابق فكأنه شرع على غير وضوء بخلاف ما إذا سبقه الحدث ; لأنه شرع بوضوء تام أطلقه فشمل ما إذا رأى المتيمم قبل سبق الحدث أو بعده ، وفي الثاني خلاف والصحيح هو البطلان كما في المحيط وجزم به الشارح واختار في النهاية أنه يبني دون فساد ، وفي فتح القدير والذي يظهر أن الأسباب المتعاقبة كالبول ثم الرعاف ثم القيء إذا أوجبت أحداثا متعاقبة يجزئه عنها وضوء واحد فالأوجه ما في شرح الكنز وهو الموافق لما قدمناه من قول محمد فيمن حلف لا يتوضأ من الرعاف فبال ، ثم رعف ، ثم توضأ أنه يحنث
وإن قلنا لا يوجب كما قدمنا النظر فيه في باب الغسل فالأوجه ما في النهاية وهو الحق في اعتقادي لكن كلام النهاية ليس عليه بل على ما نقل عن محمد في باب الغسل فلا تتفرغ مسألة التيمم على الوجه الذي ذكره على ما هو ظاهر اختياره ا هـ .
والذي يظهر أن هذا ليس مبنيا على هذا الفرع فإنهم عللوا الاستقبال بأنه لما ظهر الحدث السابق تبين كونه شرع بغير طهارة فليس له البناء سواء قلنا إنها توجب أحداثا أو حدثا كما لا يخفى ، وذكر الشارح وتقييده بالمتيمم لبطلان الصلاة عند رؤية الماء لا يفيد ; لأنه لو كان متوضئ يصلي خلف متيمم فرأى المؤتم الماء بطلت صلاته لعلمه أن إمامه قادر [ ص: 397 ] على الماء بإخباره وصلاة الإمام تامة لعدم قدرته ، ولو قال وبطلت إن رأى متيمم أو المقتدى به ماء لشمل الكل ا هـ .
وأقره عليه في فتح القدير ، وفيه نظر ; لأن المقتدي بالمتيمم إذا رأى ماء لم يعلم به الإمام فإن صلاة المقتدي لم تبطل أصلا وإنما بطل وصفها وهو الفرضية وكلامه في بطلان أصلها برؤية الماء ، ولهذا صرح في المحيط بأن المتوضئ خلف المتيمم إذا رأى الماء أو كان على الإمام فائتة لا يذكرها والمؤتم يذكرها أو كان الإمام على غير القبلة وهو لا يعلمه والمؤتم يعلمه فقهقه المؤتم فعليه الوضوء عندهما خلافا لمحمد وزفر بناء على أن الفرضية متى فسدت لا تنقطع التحريمة عندهما خلافا لمحمد ا هـ وأيضا نفي الفائدة مطلقا ممنوع فإن المتوضئ إذا رأى ماء لا يضره فقد أفاد .
( قوله أو تمت مدة مسحه ) أطلقه فشمل ما إذا كان واجدا للماء أو لم يكن واجدا وهو اختيار بعض المشايخ ، وذكر قاضي خان في فتاويه أنه لو تمت المدة وهو في الصلاة ولا ماء يمضي على الأصح في صلاته إذ لا فائدة في النزع ; لأنه للغسل ولا ماء خلافا لمن قال من المشايخ تفسد . ا هـ .
واختار القول بالفساد في فتح القدير ، وقد قدمناه في بابه ( قوله أو نزع خفيه بعمل يسير ) بأن كانا واسعين لا يحتاج فيهما إلى المعالجة في النزع قيد به ; لأن العمل الكثير يخرج به عن الصلاة فتتم صلاته حينئذ اتفاقا والظاهر أن ذكر الخف بلفظ المثنى اتفاقي ; لأن الحكم كذلك في الخف الواحد لما قدمه في بابه من أن نزع الخف ناقض للمسح ولذا أفرده في المجمع .
( قوله أو تعلم أمي سورة ) وهو منسوب إلى أمة العرب وهي الأمة الخالية عن العلم والكتابة والقراءة فاستعير لمن لا يعرف الكتابة والقراءة والمراد بالتعلم تذكره إياها بعد النسيان ; لأن التعلم لا بد له من التعليم وذلك فعل ينافي الصلاة فتتم صلاته اتفاقا وقيل سمعه بلا اختيار وحفظه بلا صنع بأن سمع سورة الإخلاص مثلا من قارئ فحفظها من غير احتياج إلى التلبس بما يفسد الصلاة من عمل كثير كذا قالوا وقوله سورة وقع اتفاقا ; لأن عند أبي حنيفة الآية تكفي وهما وإن قالا بافتراض ثلاث آيات لم يشترطا السورة وأطلق فشمل كل مصل ، وفيما إذا كان يصلي خلف قارئ اختلاف المشايخ فعامتهم على أنها تفسد ; لأن الصلاة بالقراءة حقيقة فوق الصلاة بالقراءة حكما فلا يمكنه البناء عليها وقيل لا تبطل وصححه في الفتاوى الظهيرية قال الأمي إذا تعلم سورة خلف القارئ فإنه يمضي على صلاته وهو الصحيح ا هـ .
ووجهه أن قراءة الإمام قراءة له فقد تكامل أول الصلاة وآخرها وبناء الكامل على الكامل جائز . قال أبو الليث لا تبطل صلاته اتفاقا وبه نأخذ .
( قوله أو وجد عار ثوبا ) أي ثوبا تجوز فيه الصلاة بأن لم تكن فيه نجاسة مانعة من الصلاة أو كانت فيه وعنده ما يزيل به النجاسة أو لم يكن عنده ما يزيل به النجاسة ولكن ربعه أو أكثر منه طاهر وهو ساتر للعورة ( قوله أو قدر موم ) أي على الركوع والسجود ; لأن آخر صلاته أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف ( قوله أو تذكر فائتة ) أي عليه أو على إمامه ولم يسقط الترتيب بعد ، وقد قدمنا أن [ ص: 398 ] المأموم إذا تذكر فائتة على إمامه ولم يتذكرها الإمام فسد وصف الفرضية لا أصلها ، وكذا إذا تذكر فائتة عليه فإن أصل الصلاة لم يبطل ، وإنما انقلبت نفلا لما عرف أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد ، وفي السراج الوهاج ، ثم هذه الصلاة لا تبطل قطعا عند أبي حنيفة بل تبقى موقوفة إن صلى بعدها خمس صلوات وهو يذكر الفائتة فإنها تنقلب جائزة ا هـ .
فذكر المصنف لها في سلك الباطل اعتماد على ما يذكره في باب الفوائت .
( قوله أو استخلف أميا ) يعني عند سبق الحدث على ما اختاره في الهداية ; لأن فساد الصلاة بحكم شرعي وهو عدم صلاحيته للإمامة في حق القارئ لا بالاستخلاف ; لأنه غير مفسد حتى جاز استخلافه القارئ واختار فخر الإسلام أنه لا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع وصححه في الكافي وغاية البيان ; لأن استخلاف الأمي فعل مناف للصلاة فيكون مخرجا منها وكونه ليس بمناف لها إنما هو في مطلق الاستخلاف ، وأما الاستخلاف المقيد وهو استخلاف الأمي فهو مناف لها ( قوله أو طلعت الشمس في الفجر أو دخل وقت العصر في الجمعة ) لأنها مفسدة للصلاة من غير صنعه ومذهب الشافعي وغيره عدم فسادها بطلوعها تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم { من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها } ولنا حديث عقبة بن عامر الجهني المتقدم من النهي عنها في الأوقات الثلاثة فإنه يفيد بطريق الاستدلال الفساد بطلوع الشمس وإذا تعارضا قدم النهي ، فيجب حمل ما رووا على ما قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، فإن قيل كيف يتحقق الخلاف في البطلان بدخول وقت العصر في الجمعة فإن الدخول عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه وعندهما إذا صار مثله قلنا هذا على قول الحسن بن زياد فإن عنده وقتا مهملا بين خروج الظهر ودخول العصر فإذا صار الظل مثله يتحقق الخروج عندهما والصلاة تامة وعنده باطلة كذا في الكافي ، وفيه نظر ; لأنهم قالوا أو دخل وقت العصر ولم يقولوا أو خرج وقت الظهر وقيل يمكن أن يقعد في الصلاة بعد ما قعد قدر التشهد مقدار ما صار الظل مثليه فحينئذ يتحقق الخلاف كذا في المعراج
والظاهر في الجواب ما نقله في المعراج عن المستصفى بعد هذا الكلام من أن هذا على اختلاف القولين فعندهما إذا صار الظل مثله وعنده إذا صار مثليه ( قوله أو سقطت جبيرته عن برء أو زال عذر المعذور ) قيد بالبرء ; لأن سقوطها لا عن برء لا يبطل الصلاة اتفاقا لما بيناه في بابه والمراد بزوال العذر استمرار انقطاعه وقتا كاملا فإذا انقطع عذره بعد القعود فالأمر موقوف ، فإن دام وقتا كاملا بعد الوقت الذي صلى فيه ووقع الانقطاع فيه فحينئذ يظهر أنه انقطاع هو برء فيظهر الفساد عند أبي حنيفة فيقضيها وإلا فمجرد الانقطاع لا يدل عليه ; لأنه لو عاد في الوقت الثاني فالصلاة الأولى صحيحة كما قدمناه في بابه ، وقد ذكر هنا اثني عشر مسألة ولقبها اثنا عشرية عند أصحابنا وهي مشهورة عندهم بهذه النسبة إلا أن هذا الإطلاق غير جائر من حيث العربية ; لأنه إنما ينسب إلى صدر العدد المركب في مثله بعد أن يكون علما على ما عرف في فنه فيقال في النسبة إلى خمسة عشر علما على رجل أو غيره خمسي
وأما إذا لم يكن مسمى به وأريد به العدد فلا ينسب إليه أصلا ; لأن الجزأين حينئذ مقصودان بالمعنى فلو حذف أحدهما اختل المعنى ، ولو لم يحذف استثقل ، قالوا وقد زيد عليها مسائل فمنها إذا كان يصلي بالثوب النجس فوجد ماء يغسل به وهو مستفاد من مسألة ما إذا وجد العاري ثوبا ، ومنها ما إذا كان يصلي القضاء فدخل عليه الأوقات المكروهة وهو مستفاد من مسألة طلوع الشمس في الفجر ، ومنها إذا خرج الوقت على المعذور وهي ترجع إلى ظهور الحدث السابق ، ومنها الأمة إذا كانت تصلي بغير قناع فأعتقت في هذه الحالة ولم تستتر من ساعتها وهو مستفاد مما [ ص: 399 ] إذا وجد العاري ثوبا ففي التحقيق لا زيادة على ما هو المشهور وحاصلها يرجع إلى ظهور الحدث السابق وقوة حاله بعد ضعفها وطرو الوقت الناقص على الكامل ، وفي السراج الوهاج أن الصلاة في هذه المسائل إذا بطلت لا تنقلب نفلا إلا في ثلاث مسائل وهو ما إذا تذكر فائتة أو طلعت الشمس أو خرج وقت الظهر في يوم الجمعة أطلق المصنف في بطلانها بهذه العوارض فشمل ما قبل القعود وما بعده ولا خلاف في بطلانها في الأول
وأما في حدوثها بعده فقال أبو حنيفة بالبطلان ، وقالا بالصحة ; لأنه معنى مفسد لها فصار كالحدث والكلام ، وقد حدثت بعد التمام فلا فساد واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة فذهب البردعي إلى أنه إنما قال بالبطلان ; لأن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عنده ; لأنها لا تبطل إلا بترك فرض ولم يبق عليه سوى الخروج بصنعه وتبعه على ذلك العامة كما في العناية وذهب الكرخي إلى أنه لا خلاف بينهم أن الخروج بصنعه منها ليس بفرض لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود { إذا قلت : هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد } وليس فيه نص عن أبي حنيفة ، وإنما استنبطه البردعي من هذه المسائل وهو غلط منه ; لأنه لو كان فرضا كما زعمه لاختص بما هو قربة وهو السلام ، وإنما حكم الإمام بالبطلان باعتبار أن هذه المعاني مغيرة للفرض فاستوى في حدوثها أول الصلاة وآخرها أصله نية الإقامة قال الإمام الأقطع في شرح القدوري وهذه العلة مستمرة في جميع المسائل إلا في طلوع الشمس إلا أنه يقيسه على بقية المسائل بعلة أنه معنى مفسد للصلاة حصل بغير فعله بعد التشهد ا هـ .
ولا حاجة إلى الاستثناء ; لأن طلوع الشمس بعد الفجر مغير للفرض من الفرض إلى النفل كرؤية الماء فإنها مغيرة للفرض ; لأنه كان فرضه التيمم فتغير فرضه إلى الوضوء بسبب سابق على الصلاة ، وكذا سائر أخواتها بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والحدث العمد والقهقهة مبطلة لا مغيرة قال في المجتبى وعلى قول الكرخي المحققون من أصحابنا ، وذكر في المعراج معزيا إلى شمس الأئمة والصحيح ما قاله الكرخي ، وقال صاحب التأسيس ما قاله أبو الحسن أحسن ; لأن الأول ليس بمنصوص عن أبي حنيفة ورجح المحقق في فتح القدير قولهما بأن اقتضاء الحكم الاختيار لينتفي الجبر إنما هو في المقاصد لا في الوسائل ، ولهذا لو حمل مغمى عليه [ ص: 400 ] إلى المسجد فأفاق فتوضأ فيه أجزأه عن السعي ، ولو لم يحمل وجب عليه السعي للتوسل فكذا إذا تحقق القاطع في هذه الحالة بلا اختيار حصل المقصود من القدرة على صلاة أخرى ، ولو لم يتحقق وجب عليه فعل هو قربة قاطع فلو فعل مختارا قاطعا محرما أثم لمخالفة الواجب والجواب بأن الفساد عنده لا لعدم الفعل بل للأداء مع الحدث بالرؤية ، وانقضاء المدة وانقطاع العذر يظهر الحدث السابق فيستند النقص فيظهر في هذه لقيام حرمتها حالة الظهور بخلاف المنقضية ليس بمطرد ا هـ وهذا كله على تعليل البردعي
وأما على تخريج الكرخي فلا يرد كما لا يخفى ، وذكر الشارح أنه لو سلم الإمام وعليه سهو فعرض له واحد منها ، فإن سجد بطلت صلاته وإلا فلا ، ولو سلم القوم قبل الإمام بعدما قعد قدر التشهد ، ثم عرض له واحد منها بطلت صلاته دون القوم ، وكذا إذا سجد هو للسهو ولم يسجد القوم ، ثم عرض له .
[ ص: 397 ]


