الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5315 62 - حدثنا الحسن بن مدرك قال: حدثني يحيى بن حماد، أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة قال: وهو قدح جيد عريض من نضار قال: قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وأبو عوانة الوضاح اليشكري.

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مرت منه قطعة في أواخر كتاب الجهاد في باب ما جاء من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، أخرجها عن عبدان، عن أبي حمزة، عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح وشربت منه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قد انصدع" أي: انشق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فسلسله بفضة" أي: وصل بعضه ببعض، وظاهره أن الذي وصله هو أنس، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر رواية أبي حمزة المذكورة الآن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال وهو قدح" القائل هو عاصم الأحول.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عريض" يعني ليس بمتطاول بل طوله أقصر من عمقه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من نضار" بضم النون وتخفيف الضاد المعجمة وبالراء وقال أبو حنيفة: بضم النون وكسرها وهو أجود الخشب للآنية، ويعمل منه ما رق من الأقداح واتسع وما غلظ، وقال ابن الأعرابي: النضار النبع وقال أيضا: هو شجر الأثل، والنضار الخالص من كل شيء. وقال ابن سيده: من التبر والخشب، وقال ابن فارس: النضار أثل يكون بالغور، وقيل: إنه من الأثل الطويل المستقيم الغصون، وقال القزاز: العرب تقول قدح نضار، مضاف إلى هذا الخشب، وإنما سمي الأثل نضارا لأنه ينبت في الجبل، وذكر شمر أن النضار هذه الأقداح الحمر الحبشانية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: قال أنس" أي: قال عاصم الأحول: قال أنس بن مالك: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى مسلم من حديث ثابت عن أنس قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: وقال ابن سيرين" أي: قال عاصم: وقال محمد بن سيرين، موصول بالإسناد المتقدم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو فضة" شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال أبو طلحة" هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا تغيرن" كذا بنون التأكيد في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني "لا تغير" بدون نون التأكيد. وكلام أبي طلحة هذا إن كان سمعه ابن سيرين من أنس وإلا فيكون أرسله عن أبي طلحة; لأنه لم يلقه.

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث جواز اتخاذ ضبة الفضة وكذلك السلسلة والحلقة، ولكن فيه اختلاف، فقال الخطابي: منعه مطلقا جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول مالك والليث، وعن مالك يجوز من الفضة إذا كان يسيرا وكرهه الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه: فلا بأس إذا اتقى وقت الشرب موضع الفضة، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور، وتحرم ضبة الذهب مطلقا. ومنهم من سوى بين ضبتي الفضة والذهب.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: روى الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق زكرياء بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شرب في إناء من ذهب أو فضة، أو في إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم .

                                                                                                                                                                                  قلت: قال أبو الحسن بن القطان: زكرياء وأبوه لا يعرف لهما حال، وقيل: الحديث معلول بإبراهيم؛ فإنه مجهول، وكذا ولده، وروى الطبراني في الأوسط من حديث أم عطية أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح وهو حجة على الشافعي.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية