6947 [ ص: 208 ] 6 - باب: قول الله تعالى: ملك الناس [ الناس: 2 ]

فيه ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [ انظر: 4712 ]

7382 - حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ". وقال شعيب والزبيدي وابن مسافر وإسحاق بن يحيى، عن الزهري، عن أبي سلمة. [ انظر: 4812 - مسلم: 2787 - فتح: 13 \ 367 ].

التالي السابق

الشرح

ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ ". وَقَالَ شُعَيْبٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ تَعَالَى: مَلِكِ النَّاسِ هُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ الشَّارِعُ مِنْ قَوْلِهِمُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، يُرِيدُ: الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدِ: أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ، وَوَصْفُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَلِكُ النَّاسِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى صِفَةِ ذَاتِهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ; لِأَنَّ الْمَلِكَ بِمَعْنَى: الْقُدْرَةِ. أَوْ إِلَى صِفَةِ فِعْلٍ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالصَّرْفِ لَهُمْ عَمَّا يُرِيدُونَ إِلَى مَا أَرَادَهُ، فَتَكُونُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى لِإِقْدَارِهِ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَلِكِ وَمَالِكِ يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ نَحْوَ الْمَلِكِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ هُنَا قَادِرًا; لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَالِهِ مَالِكٌ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ.

[ ص: 209 ] فَصْلٌ:

وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْيَمِينِ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ، خِلَافًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُجَسِّمَةُ فِي ذَلِكَ، لِاسْتِحَالَةِ وَصْفِهِ تَعَالَى بِالْجَوَارِحِ وَالْأَبْعَاضِ وَاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ جِسْمًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَلُّ شُبَهِهِمْ فِي ذَلِكَ، فَالْيَمِينُ: الْقُدْرَةُ كَمَا قَالَهُ الْمُبَرِّدُ، وَأَنْشَدَ مَقَالَةَ الشَّمَّاخِ:

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

وَأَنْكَرَ هَذَا بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا احْتَمَلَ الظَّاهِرَ.

فَصْلٌ:

وَمَعْنَى يَقْبِضُ: يَجْمَعُ وَتَصِيرُ كُلُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَقِيلَ يَقْبِضُهَا: يَمْلِكُهَا، كَمَا تَقُولُ: هَذَا فِي قَبْضَتِي.

ثم ساق حديث يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ ". وقال شعيب والزبيدي وابن مسافر وإسحاق بن يحيى: عن الزهري، عن أبي سلمة.

الشرح:

قوله تعالى: ملك الناس هو داخل في معنى ما أمرهم به الشارع من قولهم: التحيات لله، يريد: الملك لله، وكأنه إنما أمرهم الله بالاعتراف بذلك بقوله: قل يا محمد: أعوذ برب الناس ملك الناس، ووصفه تعالى بأنه ملك الناس على وجهين: أن يكون راجعا إلى صفة ذاته وهو القدرة; لأن الملك بمعنى: القدرة. أو إلى صفة فعل، وذلك بمعنى القهر والصرف لهم عما يريدون إلى ما أراده، فتكون أفعال العباد ملكا لله تعالى لإقداره لهم عليها، وقال ابن التين: ملك ومالك يضاف إليه الشيء نحو الملك، وليس معناه هنا قادرا; لأن المغصوب ماله مالك غير قادر عليه.

[ ص: 209 ] فصل:

وفيه إثبات اليمين لله تعالى صفة من صفات ذاته ليست بجارحة، خلافا لما يعتقده المجسمة في ذلك، لاستحالة وصفه تعالى بالجوارح والأبعاض واستحالة كونه جسما. وقد تقدم حل شبههم في ذلك، فاليمين: القدرة كما قاله المبرد، وأنشد مقالة الشماخ:

إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

وأنكر هذا بعضهم، وقال: هو خلاف ظاهر القرآن، والقرآن على ظاهره ما احتمل الظاهر.

فصل:

ومعنى يقبض: يجمع وتصير كلها شيئا واحدا، وقيل يقبضها: يملكها، كما تقول: هذا في قبضتي.