الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              7094 7532 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: " أن تدعو لله ندا، وهو خلقك ". قال: ثم أي؟ قال: " ثم أن تقتل ولدك، أن يطعم معك ". قال: ثم أي؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك ". فأنزل الله تصديقها: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك [ الفرقان: 68 ] الآية [ انظر: 4477 - مسلم: 86 - فتح: 13 \ 503 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا الفضل بن يعقوب - هو الرخامي - ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، ثنا المعتمر بن سليمان، ثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي، ثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير بن حية، قال: قال لي المغيرة: أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: من حدثكم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا، وفي لفظ: كتم شيئا من الوحي فلا تصدقوا، إن الله تعالى يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [ المائدة: 67 ].

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 520 ] ثم ساق حديث عمرو بن شرحبيل قال: قال لي عبد الله: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ الحديث سلف قريبا.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              في آية الترجمة قولان:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: بلغ ما أنزل إليك ويقويه حديث عائشة - رضي الله عنها - السالف وتلاوة الآية عقبها.

                                                                                                                                                                                                                              والثاني: وعليه أكثر أهل اللغة أن المعنى: أظهر، أي: بلغه ظاهرا، وعلى هذا قوله تعالى: والله يعصمك من الناس [ المائدة: 67 ] أي: من أن ينالوك بشر.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الباب كالذي قبله وهو في معناه، وتبليغ الرسول فعل من أفعاله. وقول الزهري: ( من الله الرسالة. . ) إلى آخره. يبين هذا، وأنه قول أئمة الدين. وقوله: فسيرى الله عملكم [ التوبة: 105 ] يعني: التلاوة وجميع الأعمال.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: ( إذا أعجبك حسن عمل امرئ ) أي: من جملة أعماله تلاوته. وقولها: ( ولا يستخفنك أحد ). أي: بعمله فتظن به الخير لكن حتى تراه عاملا على ما شرع الله ورسوله على ما سن، والمؤمنون على ما عملوا، قاله ابن بطال.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: أي: لا تغتر بمدح أحد وحاسب نفسك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 521 ] ( فصل: )

                                                                                                                                                                                                                              وقول معمر في ذلك الكتاب [ البقرة: 2 ]: هو القرآن. هو قول عكرمة وأبي عبيدة، وفسر ( ذلك ) بهذا و ( ذلك ) مما يخبر به عن الغائب، و ( هذا ) إشارة إلى الحاضر والكتاب حاضر، ومعنى ذلك أنه لما ابتدأ جبريل بتلاوة القرآن لمحمد - عليهما السلام - كفت حضرة التلاوة عن أن يقول هذا الذي تسمع هو ذلك الكتاب لا ريب فيه [ البقرة: 2 ] فاستغنى بأحد الضميرين عن الآخر.

                                                                                                                                                                                                                              وأنكر أبو العباس مقالة أبي عبيدة السالفة وقال: لأن ( ذلك ) لما بعد و ( ذا ) لما قرب فإن دخل واحد منهما على الآخر انقلب المعنى، قال: ولكن المعنى: هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكسائي: كأن الرسالة والقول من السماء و ( الكتاب ) والرسول في الأرض، وقال: ذلك يا محمد.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن كيسان: وهذا أحسن.

                                                                                                                                                                                                                              قال الفراء: يكون كقولك للرجل وهو يحدثك: وذلك - والله أعلم - الحق، فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب، والمعنى عنده ذلك الذي سمعت به.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 522 ] قلت: ومما يؤكد ذلك قوله تعالى: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم [ يونس: 22 ] فلما جاز أن يخبر عنهم بضميرين ( مختلفين ) ضمير المخاطبة في الحضرة وضمير الخبر عن الغيبة، فكذلك أخبر بضمير الغائب بقوله: ذلك، وهو ( يريد ) الحاضر، وهذا مذهب مشهور للعرب يسميه أصحاب المعاني: الالتفات، وهو انصراف المتكلم عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: كنتم ثم قال: بهم يدل أنه خاطب الكل ثم أخبر عن الراكبين للفلك خاصة; إذ قد يركبها الأقل من الناس، لكن لجواز أن يركبها كل واحد من المخاطبين خاطبهم بضمير الكل، ولأن لا يركبها إلا الأقل أخبر عن ذلك الأقل بقوله: بهم

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              دلالة بكسر الدال وفتحها ودلولة أيضا، حكاهما الجوهري قال: والفتح أعلى.

                                                                                                                                                                                                                              ويقال: دلال بين الدلالة ودليل ( بين ) الدلالة، قاله أبو عمر الزاهد صاحب ثعلب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 523 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ما ذكره عن الزهري أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عنه، وما ذكره عن معمر ذكره عنه عبد الرزاق عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وما ذكره عن عائشة - رضي الله عنها - أسنده ابن المبارك في كتاب "البر والصلة" عن سفيان، عن معاوية بن إسحاق، عن عروة، عنها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 524 ] وتعليق أنس - رضي الله عنه - أسنده في غزوة بئر معونة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              إسناد حديث المغيرة - رضي الله عنه - فيه موضعان نبه عليهما الجياني:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: كان في أصل أبي محمد الأصيلي: معمر بن سليمان - بفتح العين ثم ألحق تاء بين العين والميم - فصار معتمرا وهو المحفوظ.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيهما: عبيد الله هو الصواب ووقع في نسخة أبي الحسن مكبرا، وكذلك كان في نسخة أبي محمد: عبد الله، إلا أنه أصلحه بالتصغير فزاد ياء وكتب في الحاشية: هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية كذا رواه ابن السكن على الصواب.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وزياد بن جبير هو ابن حية بن مسعود بن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف. اتفقا عليه عن ابن عمر، وانفرد البخاري بأبيه جبير بن حية، ولاه زياد أصبهان، وتوفي أيام عبد الملك بن مروان، وقد روى عن عمر بن الخطاب.

                                                                                                                                                                                                                              ورأيت بخط الدمياطي قبله المعتمر بن سليمان قيل: إنه وهم، والصواب: المعمر بن سليمان الرقي; لأن عبد الله بن جعفر لا يروي عن المعتمر بن سليمان.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا عكس ما أسلفناه عن الجياني.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية