( فصل ) أما
الحرم فهو ما أطاف
بمكة من جوانبها . وحده من طريق
المدينة دون
التنعيم عند بيوت
بني نفار على ثلاثة أميال ، ومن طريق
العراق على ثنية جبل بالمنقطع على سبعة أميال ، ومن طريق
الجعرانة بشعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال ، ومن طريق
الطائف على
عرفة من بطن
نمرة على سبعة أميال ، ومن طريق
جدة منقطع العشائر على عشرة أميال ، فهذا حد ما جعله الله تعالى حرما لما اختص به من التحريم وباين بحكمه سائر البلاد . قال الله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا } . يعني
مكة وحرمها .
[ ص: 209 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126وارزق أهله من الثمرات } لأنه كان واديا غير ذي زرع ، فسأل الله - تعالى - أن يجعل لأهله الأمن والخصب ليكونوا بهما في رغد من العيش ، فأجابه الله - تعالى - إلى ما سأل ، فجعله حرما آمنا يتخطف الناس من حوله ، وجبا إليه ثمرات كل بلد حتى جمعها فيه .
nindex.php?page=treesubj&link=24107واختلف الناس في مكة وما حولها هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم عليه السلام أو كانت قبله كذلك على قولين .
أحدهما : أنها لم تزل حرما آمنا بسؤال
إبراهيم عليه السلام من الجبابرة والمسلطين ومن الخسوف والزلازل ، وإنما سأل
إبراهيم عليه السلام ربه سبحانه أن يجعله حرما آمنا من الجدب والقحط وأن يرزق أهله من الثمرات لرواية
سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد قال : سمعت
أبا شريح الخزاعي يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح
مكة قام خطيبا فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9098أيها الناس إن الله سبحانه حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعضد بها شجرا ، وإنها لا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها ، ألا وهي قد رجعت على حالها بالأمس ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فمن قال إن رسول الله قد قتل بها أحدا فقولوا إن الله تعالى قد أحلها لرسوله ولم يحلها لك } .
والقول الثاني : أن
مكة كانت حلالا قبل دعوة
إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد وأنها صارت بدعوته
حرما آمنا حين حرمها ، كما صارت
المدينة بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حراما بعد أن كانت حلالا ، لرواية
الأشعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ ص: 210 ] والذي يختص به
الحرم من الأحكام التي تباين بها سائر البلاد خمسة أحكام : أحدها أن
nindex.php?page=treesubj&link=3913_25506الحرم لا يدخله محل قدم إليه حتى يحرم لدخوله إما بحج أو بعمرة يتحلل بها من إحرامه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة يجوز أن يدخلها المحل إذا لم يرد حجا أو عمرة ، وفي قول النبي عليه الصلاة والسلام حين دخل
مكة عام الفتح حلالا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=611أحلت لي ساعة من نهار لم تحل لأحد بعدي } مما يدل على وجوب الإحرام على داخلها ، إلا أن يكون ممن يكثر الدخول إليها لمنافع أهلها كالحطابين والسقايين الذين يخرجون منها غدوة ويعودون إليها عشية ، فيجوز لهم دخولها محلين لدخول المشقة عليهم في الإحرام كلما دخلوا فإن علماء
مكة أقروهم على دخولها محلين فخالفوا حكم من عداهم ، فإن دخل القادم إليها حلالا فقد أثم ولا قضاء عليه ولا دم ، لأن القضاء متعذر ، فإنه إذا خرج للقضاء كان إحرامه الذي يستأنفه مختصا بدخوله الثاني فلم يصح أن يكون قضاء عن دخوله الأول فتعذر القضاء وأعوز فسقط ، فأما الدم فلا يلزمه لأن الدم يلزم جبران النسك ولا يلزم جبرانا لأصل النسك .
والحكم الثاني أن
nindex.php?page=treesubj&link=25505لا يحارب أهلها لتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم . فإن بغوا على أهل العدل ، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم قتالهم مع بغيهم ويضيق عليهم حتى يرجعوا عن بغيهم ويدخلوا في أحكام أهل العدل . والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بقتال ; لأن قتال أهل البغي من حقوق الله تعالى التي لا يجوز أن تضاع ، ولأن تكون محفوظة في حرمه أولى من أن تكون مضاعة فيه .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=25002إقامة الحدود في الحرم فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله إلى أنها تقام فيه على من أتاها ولا يمنع
الحرم من إقامتها سواء أتاها في
الحرم أو في الحل ثم لجأ إلى
الحرم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن أتاها في
الحرم أقيمت فيه .
وإن أتاها في الحل ثم لجأ إلى
الحرم لم يقم عليه فيه ، وألجئ إلى الخروج معه فإذا خرج أقيمت عليه .
والحكم الثالث
nindex.php?page=treesubj&link=3794_3444_25507تحريم صيده على المحرمين والمحلين من أهل الحرم [ ص: 211 ] ومن طرأ إليه ، فإن أصاب في صيده وجب عليه إرساله . فإن تلف في يده ضمنه بالجزاء كالمحرم ، وهكذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=17092_25507رمى من الحرم صيدا في الحل ضمنه لأنه قاتل في
الحرم . وهكذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=25507_17091رمى من الحل صيدا في الحرم ضمنه لأنه مقتول في
الحرم .
ولا صيد في الحل ثم أدخل
الحرم كان حلالا له عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، وحراما عليه عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=treesubj&link=25507_3488ولا يحرم قتل ما كان مؤذيا من السباع وحشرات الأرض .
والحكم الرابع يحرم
nindex.php?page=treesubj&link=25508قطع شجره الذي أنبته الله تعالى ، ولا يحرم
nindex.php?page=treesubj&link=3826_25508قطع ما غرسه الآدميون كما لا يحرم فيه
nindex.php?page=treesubj&link=25505ذبح الأنيس من الحيوان ، ولا يحرم
nindex.php?page=treesubj&link=25508رعي خلاه ، ويضمن
nindex.php?page=treesubj&link=3826_25508ما قطعه من محظور شجره ، فيضمن الشجرة الكبيرة ببقرة ، والشجرة الصغيرة بشاة ، والغصن من كل واحد منهما يسقطه من ضمان أصله ، ولا يكون ما استخلف بعد قطع الأصل مسقطا لضمان الأصل .
الحكم الخامس : أن ليس لجميع من خالف دين الإسلام من ذمي أو معاهد أن يدخل
الحرم لا مقيما فيه ولا مارا به ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وأكثر الفقهاء . وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة دخولهم إليه إذا لم يستوطنوه ، وفي قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } .
نص يمنع ما عداه ، فإن دخله مشرك عزر إن دخله بغير إذن ، ولم يستبح قتله ، وإن دخله بإذن لم يعزر ، وأنكر على الآذن له ، وعزر إن اقتضت حاله التعزير وأخرج منه المشرك آمنا ، وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=25510أراد مشرك دخول الحرم ليسلم فيه منع منه حتى يسلم قبل دخوله ، وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=1957_25510_25513مات مشرك في الحرم حرم دفنه فيه ودفن في الحل ، فإن دفن في
الحرم نقل إلى الحل إلا أن يكون قد بلي فيترك فيه كما تركت أموات الجاهلية . وأما سائر المساجد فيجوز أن يؤذن لهم في دخولها ما لم يقصد بالدخول استبذالها بأكل أو نوم فيمنعوا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك لا يجوز أن
[ ص: 212 ] يؤذن لهم في دخولها بحال .
( فَصْلٌ ) أَمَّا
الْحَرَمُ فَهُوَ مَا أَطَافَ
بِمَكَّةَ مِنْ جَوَانِبِهَا . وَحَدُّهُ مِنْ طَرِيقِ
الْمَدِينَةِ دُونَ
التَّنْعِيمِ عِنْدَ بُيُوتِ
بَنِي نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ ، وَمِنْ طَرِيقِ
الْعِرَاقِ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمُنْقَطِعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ ، وَمِنْ طَرِيقِ
الْجِعْرَانَةِ بِشُعَبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ ، وَمِنْ طَرِيقِ
الطَّائِفِ عَلَى
عَرَفَةَ مِنْ بَطْنِ
نَمِرَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ ، وَمِنْ طَرِيقِ
جُدَّةَ مُنْقَطِعُ الْعَشَائِرِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ ، فَهَذَا حَدُّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرَمًا لِمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَبَايَنَ بِحُكْمِهِ سَائِرَ الْبِلَادِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } . يَعْنِي
مَكَّةَ وَحَرَمَهَا .
[ ص: 209 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ } لِأَنَّهُ كَانَ وَادِيًا غَيْرَ ذِي زَرْعٍ ، فَسَأَلَ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَ لِأَهْلِهِ الْأَمْنَ وَالْخِصْبَ لِيَكُونُوا بِهِمَا فِي رَغَدٍ مِنْ الْعَيْشِ ، فَأَجَابَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى مَا سَأَلَ ، فَجَعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ ، وَجَبَا إلَيْهِ ثَمَرَاتِ كُلِّ بَلَدٍ حَتَّى جَمَعَهَا فِيهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=24107وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُسَلَّطِينَ وَمِنْ الْخُسُوفِ وَالزَّلَازِلِ ، وَإِنَّمَا سَأَلَ
إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا مِنْ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ وَأَنْ يَرْزُقَ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ لِرِوَايَةِ
سَعِيدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ
مَكَّةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9098أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا أَوْ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرًا ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا ، أَلَا وَهِيَ قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالْأَمْسِ ، أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَمَنْ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَتَلَ بِهَا أَحَدًا فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ } .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ
مَكَّةَ كَانَتْ حَلَالًا قَبْلَ دَعْوَةِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَائِرِ الْبِلَادِ وَأَنَّهَا صَارَتْ بِدَعْوَتِهِ
حَرَمًا آمِنًا حِينَ حَرَّمَهَا ، كَمَا صَارَتْ
الْمَدِينَةُ بِتَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَامًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حَلَالًا ، لِرِوَايَةِ
الْأَشْعَثِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
[ ص: 210 ] وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ
الْحَرَمُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُبَايِنُ بِهَا سَائِرَ الْبِلَادِ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3913_25506الْحَرَمَ لَا يَدْخُلُهُ مُحِلٌّ قَدِمَ إلَيْهِ حَتَّى يُحْرِمَ لِدُخُولِهِ إمَّا بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ يَتَحَلَّلُ بِهَا مِنْ إحْرَامِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا الْمُحِلُّ إذَا لَمْ يُرِدْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً ، وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ دَخَلَ
مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ حَلَالًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=611أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي } مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَى دَاخِلِهَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَكْثُرُ الدُّخُولُ إلَيْهَا لِمَنَافِعِ أَهْلِهَا كَالْحَطَّابِينَ وَالسَّقَّايِينَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا غُدْوَةً وَيَعُودُونَ إلَيْهَا عَشِيَّةً ، فَيَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُهَا مُحَلِّينَ لِدُخُولِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ فِي الْإِحْرَامِ كُلَّمَا دَخَلُوا فَإِنَّ عُلَمَاءَ
مَكَّةَ أَقَرُّوهُمْ عَلَى دُخُولِهَا مُحَلِّينَ فَخَالَفُوا حُكْمَ مَنْ عَدَاهُمْ ، فَإِنْ دَخَلَ الْقَادِمُ إلَيْهَا حَلَالًا فَقَدْ أَثِمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُتَعَذَّرٌ ، فَإِنَّهُ إذَا خَرَجَ لِلْقَضَاءِ كَانَ إحْرَامُهُ الَّذِي يَسْتَأْنِفُهُ مُخْتَصًّا بِدُخُولِهِ الثَّانِي فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً عَنْ دُخُولِهِ الْأَوَّلِ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ وَأَعْوَزَ فَسَقَطَ ، فَأَمَّا الدَّمُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الدَّمَ يَلْزَمُ جُبْرَانَ النُّسُكِ وَلَا يَلْزَمُ جُبْرَانًا لِأَصْلِ النُّسُكِ .
وَالْحُكْمُ الثَّانِي أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=25505لَا يُحَارَبَ أَهْلُهَا لِتَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَالَهُمْ . فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ ، فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى تَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ مَعَ بَغْيِهِمْ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ بَغْيِهِمْ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنْ الْبَغْيِ إلَّا بِقِتَالٍ ; لِأَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُضَاعَ ، وَلَأَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مُضَاعَةً فِيهِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25002إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْحَرَمِ فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّهَا تُقَامُ فِيهِ عَلَى مَنْ أَتَاهَا وَلَا يَمْنَعُ
الْحَرَمُ مِنْ إقَامَتِهَا سَوَاءٌ أَتَاهَا فِي
الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ ثُمَّ لَجَأَ إلَى
الْحَرَمِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ أَتَاهَا فِي
الْحَرَمِ أُقِيمَتْ فِيهِ .
وَإِنْ أَتَاهَا فِي الْحِلِّ ثُمَّ لَجَأَ إلَى
الْحَرَمِ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَأُلْجِئَ إلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ .
وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ
nindex.php?page=treesubj&link=3794_3444_25507تَحْرِيمُ صَيْدِهِ عَلَى الْمُحْرِمِينَ وَالْمُحِلِّينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ [ ص: 211 ] وَمَنْ طَرَأَ إلَيْهِ ، فَإِنْ أَصَابَ فِي صَيْدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ . فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ كَالْمُحْرِمِ ، وَهَكَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=17092_25507رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ فِي
الْحَرَمِ . وَهَكَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=25507_17091رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ فِي
الْحَرَمِ .
وَلَا صَيْدَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ
الْحَرَمَ كَانَ حَلَالًا لَهُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَحَرَامًا عَلَيْهِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=treesubj&link=25507_3488وَلَا يَحْرُمُ قَتْلُ مَا كَانَ مُؤْذِيًا مِنْ السِّبَاعِ وَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ .
وَالْحُكْمُ الرَّابِعُ يَحْرُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=25508قَطْعُ شَجَرِهِ الَّذِي أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَا يَحْرُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=3826_25508قَطْعُ مَا غَرَسَهُ الْآدَمِيُّونَ كَمَا لَا يَحْرُمُ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=25505ذَبْحُ الْأَنِيسِ مِنْ الْحَيَوَانِ ، وَلَا يَحْرُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=25508رَعْيُ خَلَاهُ ، وَيَضْمَنُ
nindex.php?page=treesubj&link=3826_25508مَا قَطَعَهُ مِنْ مَحْظُورِ شَجَرِهِ ، فَيَضْمَنُ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ ، وَالشَّجَرَةَ الصَّغِيرَةَ بِشَاةٍ ، وَالْغُصْنَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْقِطُهُ مِنْ ضَمَانِ أَصْلِهِ ، وَلَا يَكُونُ مَا اسْتَخْلَفَ بَعْدَ قَطْعِ الْأَصْلِ مُسْقِطًا لِضَمَانِ الْأَصْلِ .
الْحُكْمُ الْخَامِسُ : أَنْ لَيْسَ لِجَمِيعِ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ أَنْ يَدْخُلَ
الْحَرَمَ لَا مُقِيمًا فِيهِ وَلَا مَارًّا بِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ . وَجَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمْ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَوْطِنُوهُ ، وَفِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } .
نَصٌّ يَمْنَعُ مَا عَدَاهُ ، فَإِنْ دَخَلَهُ مُشْرِكٌ عُزِّرَ إنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ ، وَلَمْ يَسْتَبِحْ قَتْلَهُ ، وَإِنْ دَخَلَهُ بِإِذْنٍ لَمْ يُعَزَّرْ ، وَأُنْكِرَ عَلَى الْآذِنِ لَهُ ، وَعُزِّرَ إنْ اقْتَضَتْ حَالُهُ التَّعْزِيرَ وَأُخْرِجَ مِنْهُ الْمُشْرِكُ آمِنًا ، وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=25510أَرَادَ مُشْرِكٌ دُخُولَ الْحَرَمِ لِيُسْلِمَ فِيهِ مُنِعَ مِنْهُ حَتَّى يُسْلِمَ قَبْلَ دُخُولِهِ ، وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=1957_25510_25513مَاتَ مُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ حَرُمَ دَفْنُهُ فِيهِ وَدُفِنَ فِي الْحِلِّ ، فَإِنْ دُفِنَ فِي
الْحَرَمِ نُقِلَ إلَى الْحِلِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ فَيُتْرَكُ فِيهِ كَمَا تُرِكَتْ أَمْوَاتُ الْجَاهِلِيَّةِ . وَأَمَّا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِهَا مَا لَمْ يُقْصَدْ بِالدُّخُولِ اسْتِبْذَالُهَا بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ فَيُمْنَعُوا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ
[ ص: 212 ] يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِهَا بِحَالٍ .