الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام أي: ليس العهد إلا لهؤلاء الذين عاهدتم فلم ينكثوا، قيل: هم بنو جذيمة بن الدئل، وقيل: قريش.

                                                                                                                                                                                                                                      فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم أي: فما أقاموا على الوفاء بعهدكم؛ فأقيموا لهم على مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: فلم يستقيموا، فضرب الله لهم أجلا أربعة أشهر.

                                                                                                                                                                                                                                      كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة أي: كيف يكون لهم عهد، وإن يظهروا عليكم؛ لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد، وابن زيد (الإل): العهد، وعن مجاهد أيضا: هو اسم من أسماء الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، والضحاك: القرابة، الحسن: الجوار، قتادة: الحلف، أبو عبيدة: اليمين، وأصله: من الأليل؛ وهو البريق، فسمي العهد (إلا) ؛ لظهوره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الذمة) : العهد، عن ابن عباس، والضحاك، وابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن جعل (الإل) أيضا العهد على هذا القول؛ فإن التكرير لاختلاف اللفظين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 225 ] أبو عبيدة: (الذمة) : التذمم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثرهم فاسقون : [أي: أكثرهم في شركهم متمردون، وجميع المشركين فاسقون].

                                                                                                                                                                                                                                      اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا يعني: المشركين في نقضهم العهود بأكلة أطعمهم إياها أبو سفيان، قاله مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      النحاس: هذا لليهود، والأول للمشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإخوانكم في الدين أي: قد صاروا إذا فعلوا ما تقدم ذكره من أعمال الإسلام إخوانكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكلبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم وادع أهل مكة سنة، وهو يومئذ بالحديبية، فحبسوه عن البيت، ثم صالحوه على أن يرجع، على ما قدمناه في غير هذا الموضع، فمكثوا ما شاء الله، ثم قاتل حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة حلفاء بني أمية من كنانة، فأمدت بنو أمية حلفاءهم بالسلاح والطعام، فاستعانت خزاعة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ [فنزلت هذه الآية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم] أن يعين حلفاءه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 226 ] ومعنى أئمة الكفر : رؤساؤه من قريش، عن ابن عباس، ومجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا أيمان لهم أي: لا عهد لهم؛ لأنهم نقضوه، وخالفوا ما عقدوه، وكسر الهمزة من لا أيمان لهم : يحتمل أن يكون بمعنى: لا إسلام لهم، ويحتمل أن يكون مصدر (أمنته إيمانا) من الذي ضده الخوف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهموا بإخراج الرسول : قال الحسن: هموا بإخراجه من المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم بدءوكم أول مرة أي: بدؤوا بقتال حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: بدؤوا بنقض العهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويشف صدور قوم مؤمنين : قال مجاهد، والسدي: يعني: خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويتوب الله على من يشاء : منقطع مما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أم حسبتم أن تتركوا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      المعنى: أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الوليجة) : البطانة المداخلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر الآية: أي: ما كان لهم ذلك في حال إقرارهم بالكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: هو قول اليهودي: إنه يهودي، والنصراني: إنه نصراني، وعابد [ ص: 227 ] الوثن: إنه مشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله أي: من آمن بالله ورسوله؛ فدل على (الرسول) ما ذكر بعد من إقامة الصلاة وغيره؛ لأنه مما جاء به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين : (عسى) : من الله تعالى واجبة، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أجعلتم سقاية الحاج الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      (السقاية) : ما يتخذ لسقي الماء؛ والتقدير: أجعلتم أهل سقاية الحاج، أو لا يكون مع {سقاية} إضمار، ويكون مع كمن آمن بالله ؛ أي: كإيمان من آمن بالله.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن المشركين سألوا اليهود، فقالوا: نحن سقاة الحاج، وعمرة المسجد الحرام، أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟ فقالت اليهود: أنتم أفضل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المسلمين الذين هاجروا وجاهدوا تفاخروا مع المسلمين الذين لم يهاجروا، ولم يجاهدوا، فأعلم الله تعالى أن المهاجرين المجاهدين أعظم درجة عند الله.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي، وغيره: افتخر علي والعباس وشيبة؛ فقال العباس: أنا أسقي حاج بيت الله، وقال شيبة: أنا أعمر مسجد الله، وقال علي: أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 228 ] الضحاك: عير المسلمون العباس وأصحابه يوم بدر بالشرك، فافتخر العباس بالسقاية؛ فنزلت الآيتان.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن سيرين: خرج علي من المدينة إلى مكة فقال للعباس: يا عم؛ ألا تمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أنا أعمر البيت، وأحجه؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأولئك هم الفائزون أي: الفائزون بالجنة، الناجون من النار، و (الفائز) : الظافر ببغيته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: {وعشيرتكم} : (العشيرة) : الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد؛ كـ (عقد العشرة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأموال اقترفتموها أي: اكتسبتموها، وأصل (الاقتراف) : اقتطاع الشيء عن مكانه إلى غيره، وهذا كله فيما منعهم من الهجرة من هذه الأشياء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فتربصوا حتى يأتي الله بأمره يعني: فتح مكة، عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: حتى يأتي الله بعقوبة عاجلة أو آجلة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية