التفسير:
قوله تعالى: الذي بنوا : تأكيد لـ {بنيانهم} أنه قد بني؛ لئلا يتوهم أنه يبنى في المستقبل.
[ ص: 310 ] ريبة في قلوبهم : قيل: يعني: شكا، وقيل: يعني: كفرا.
إلا أن تقطع قلوبهم أي: إلا أن يموتوا، عن مجاهد، وغيره، وقيل: المعنى: إلا أن يتوبوا توبة يندمون فيها، حتى يكونوا بمنزلة من قطع قلبه.
وقوله تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم : تمثيل؛ كقوله: اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة [البقرة: 86].
وقوله تعالى: التائبون العابدون الحامدون الآية: قال الحسن: {التائبون} : من الشرك، {العابدون} : لله وحده، {الحامدون} : على نعمه.
و {السائحون} : الصائمون، عن ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل (السياحة) : الذهاب على وجه الأرض، والاستمرار عليه، فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه الصائم من الطعام وغيره.
الحسن: المراد: الذين يصومون الفرض، وقيل: الفرض وغيره.
[ ص: 311 ] الراكعون الساجدون يعني: المصلين، قيل: يعني: الفرائض، وقيل: الفرائض والنوافل.
الآمرون بالمعروف : قيل: بالإيمان، والناهون عن المنكر : قيل: عن الكفر، وقيل: هو عموم في كل معروف ومنكر.
ودخلت الواو في {والناهون} خاصة؛ لمصاحبة النهي عن المنكر الأمر بالمعروف، فلا يكاد يذكر واحد منهما مفردا، ودخلت في {والحافظون} ؛ لقربه من المعطوف.
ومعنى قوله: والحافظون لحدود الله : القائمون بما أمر الله به، والمنتهون عما نهى عنه.
وقوله تعالى: إن إبراهيم لأواه حليم : قال ابن مسعود، وابن عباس: (الأواه) : الدعاء، وعن ابن عباس أيضا: التواب.
الحسن، وقتادة: الرحيم.
مجاهد: الفقيه، وعنه: المؤمن.
أبي بن كعب: هو الذي إذا ذكر النار تأوه، وكذلك قال أبو عبيدة: هو المتأوه شفقا وفرقا، المتضرع يقينا.
ابن جبير: هو المسبح.
و (التأوه) في اللغة: التوجع والتحزن.
وقوله تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [ ص: 312 ] : قيل: المعنى: حتى يحتج عليهم.
مجاهد: حتى يبين لهم أمر إبراهيم؛ لئلا يستغفروا للمشركين، ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة، وعنه أيضا: نزل ذلك حين سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشرب الخمر قبل تحريمها.
وقوله تعالى: الذين اتبعوه في ساعة العسرة يعني: غزوة تبوك؛ أي: في وقت ساعة العسرة، وروي: أنهم كانوا مع عسر الوقت وشدته في فاقة، حتى كانوا ربما مص التمرة جماعة منهم؛ ليشربوا عليها الماء.
وقوله: من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم أي: تميل إلى الرجوع عن الخروج معه.
وقوله تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا أي: خلفوا عن التوبة، عن مجاهد.
قتادة: عن غزوة تبوك.
وقيل: خلفوا عن أن يكونوا منافقين فيعتذروا؛ لأنهم صدقوا، ولم يأتوا بعذر كاذب، وتقدم ذكر أسمائهم.
وقوله: وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه : الظن ههنا بمعنى اليقين، و (الملجأ) : ما يعتصم به.
[ ص: 313 ] وقوله تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا : [أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا].
وقيل: فسح لهم، ولم يعجل عقابهم؛ ليتوبوا.
وقيل: تاب عليهم؛ ليثبتوا على التوبة.
وقيل: المعنى: تاب عليهم؛ ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم.
وقوله تعالى: وكونوا مع الصادقين أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، عن زيد بن أسلم، وغيره.
ابن مسعود: المعنى: الزموا التصديق، ولا تعدلوا عنه.
وقيل: معنى {الصادقين} : الصادقين في القول والعمل.
وقيل: الصادقين في عهودهم وأيمانهم.
وقوله تعالى: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ أي: عطش، ولا نصب أي: تعب، ولا مخمصة أي: مجاعة، وأصله: ضمور البطن، ومنه: (رجل خميص) ، و (امرأة خمصانة) .
وتقدم القول في قول من قال: إن قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة ناسخة، وروي عن ابن عباس أنه قال: ليست في الجهاد؛ وإنما كانت في القبيلة تقبل بأسرها، فتظهر الإسلام وهي كاذبة، حين أجدبت البلاد بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على [ ص: 314 ] مضر بالسنين، فأعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مسلمين؛ فردهم إلى عشائرهم، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم.
وقيل: كان ذلك بسبب عزم المسلمين على ألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا؛ لما نزل في المخلفين.
والضمير في ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم : للمقيمين مع النبي صلى الله عليه وسلم في قول قتادة.
الحسن: الضميران للفرقة النافرة، وهو اختيار الطبري.
وقوله تعالى: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار : قال الحسن: نزلت قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين كافة.
وقيل: المراد بذلك: الروم؛ لأنهم كانوا بالشام، وهو أقرب إلى المدينة من العراق.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخطى في الجهاد الذين يلونه؛ فأمر بقتال من يليه.


