الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء : لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس : فضله عليهم: النبوة، وعلى الناس: دلالته إياهم على الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال لهما: يا صاحبي السجن ؛ لأنهما كانا فيه؛ كقولك: (أصحاب الجنة)، و (أصحاب النار).

                                                                                                                                                                                                                                      أأرباب متفرقون يعني: الأوثان التي فيها صغير وكبير، خير أم الله الواحد القهار ؛ فدلهم على توحيد الله تعالى قبل أن يخبرهما بتأويل ما سألاه عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ما أنـزل الله بها من سلطان أي: من حجة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أما أحدكما فيسقي ربه خمرا أي: يرد على عمله الذي كان فيه، وأما الآخر فيصلب يعني: صاحب الطعام، فقال له: لم أر شيئا، فقال: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي: الذي قلته لكما كائن على كل حال، علم ذلك بالوحي.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 500 ] وقيل: إنما أجابهما أولا بغير جواب ما سألاه عنه؛ كراهة أن يخبر صاحب الطعام بما يكرهه.

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى: أنهما قالا له: إنما كنا نلعب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كانا رأيا ما سألاه عنه، ثم أنكراه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما أنكر الذي عبر له بالصلب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك : الظن ههنا بمعنى اليقين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى عند ربك عند سيدك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه : (الهاء) ليوسف؛ أي: أنساه الشيطان ذكر الله تعالى، وقيل: (الهاءان) للساقي؛ وهو الناسي.

                                                                                                                                                                                                                                      فلبث في السجن بضع سنين : (البضع) قطعة من الدهر مختلف فيها:

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: هي من الثلاث إلى العشر.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وقتادة: هي من الثلاث إلى التسع.

                                                                                                                                                                                                                                      وهب: سبع سنين.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (البضع): من الواحد إلى الأربعة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 501 ] قال بعض المفسرين: إنما قال: اذكرني عند ربك بعد أن لبث في السجن خمس سنين، ثم لبث بعد ذلك سبع سنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يعني: الملك الأكبر، و (العجاف): المهازيل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن كنتم للرؤيا تعبرون : (العبارة): مشتقة من (عبور النهر) ؛ فمعنى (عبرت النهر): بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يخبر بما يؤول إليه أمرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا أضغاث أحلام أي: أخلاط أحلام، و (الضغث): حزمة من النبات فيها ضروب مختلفة، وواحد (الأحلام): (حلم)، وأصله: الأناة، ومنه: (الحلم)، فسمي ما يراه النائم حلما؛ لأن النوم حال أناة، وسكون، ودعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقال الذي نجا منهما يعني: ساقي الملك.

                                                                                                                                                                                                                                      وادكر بعد أمة : أي: بعد حين، عن ابن عباس وغيره، وأصله: الجملة من الحين، و (الأمة): الجماعة الكثيرة من الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون : في الكلام حذف دل عليه المعنى؛ والتقدير: أنا أنبئكم بتأويله، فأرسلون، فأرسلوه، فأتي يوسف، فقال: أيها الصديق ، و {الصديق}: (فعيل) ؛ من الصدق؛ وهو المبالغ في الصدق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفتنا في سبع بقرات سمان أي: أخبرنا بتأويل ذلك، فقال لهم يوسف: أما البقرات السمان، والسنبلات الخضر؛ فسبع سنين مخصبة، وأما [ ص: 502 ] البقرات العجاف، والسنبلات اليابسات؛ فسبع سنين جدبة، فما حصدتم في السبع الخصبة؛ فذروه في سنبله؛ لأنه أبقى له.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {دأبا} أي: ملازمة، و (الدأب): استمرار الشيء على عادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يعني: سبع سنين جدبة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى يأكلن : يؤكل فيهن.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا قليلا مما تحصنون أي: مما تدخرون للحرث.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون : هذا ليس في رؤيا الملك، أخبرهم به يوسف؛ دلالة على نبوته عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: معنى {يعصرون} أي: يعصرون العنب والزيتون، وعنه أيضا: يحلبون.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: ينجون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فلما جاءه الرسول أي: فلما جاء يوسف الرسول؛ قال ارجع إلى ربك أي: إلى سيدك، فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن : أراد بذلك تحقيق براءته مما نسب إليه؛ فدعا الملك بالنسوة فخاطبهن جمع، ولم يفرد [ ص: 503 ] امرأة العزيز؛ تأدبا وحسن عشرة، فقال: ما خطبكن أي: ما شأنكن، إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما قال لهن ذلك؛ لأنهن قلن ليوسف حين جمعتهن امرأة العزيز: وما عليك أن تفعل؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: بل ظن أنهن راودنه كلهن.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال النسوة: حاش لله ما علمنا عليه من سوء ، فأقرت امرأة العزيز حينئذ، وقالت: الآن حصحص الحق أي: تبين ووضح، عن ابن عباس، وغيره، وهو مشتق من: (الحصة) ؛ فالمعنى: بانت حصة الحق من حصة الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو مأخوذ من (حص شعره) ؛ إذا استأصل قطعة؛ فمعنى حصحص الحق : انقطع من الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي: قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته من ردي الرسول؛ ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب، قاله الحسن، وقتادة، وغيرهما، ومعنى {بالغيب}: وهو غائب.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن جبريل عليه السلام قال له حين قال ذلك: ولا حين هممت؟ وقيل: قال له: ولا حين حللت التكة؟ فتذكر يوسف فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: هو من قول يوسف في السجن، متصل بقوله: إن ربي بكيدهن عليم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 504 ] وقيل: هو من قول امرأة العزيز؛ والمعنى: ذلك ليعلم يوسف أني لم أذكره بسوء وهو غائب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ائتوني به أستخلصه لنفسي أي: أجعله خالصا لنفسي.

                                                                                                                                                                                                                                      قال إنك اليوم لدينا مكين أمين أي: مكين في المنزلة، أمين قد عرفنا أمانتك فيما قذفت به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى {أمين}: آمن، لا تخاف غدرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: قال اجعلني على خزائن الأرض يعني: خزائن أموالها.

                                                                                                                                                                                                                                      إني حفيظ عليم أي: حفيظ لها، عليم بوجوه متصرفاتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: حافظ للحساب، عليم بالألسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما سأل يوسف أن يجعل على خزائن الأرض؛ ليقوم فيها بالعدل والصلاح، ويروى: أن الملك سلم إليه جميع ملكه.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يعني: أرض مصر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية