التفسير: 
الخطاب في قوله: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات    : للنبي صلى الله عليه وسلم، وخوطب به كما قال: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم   [آل عمران: 173] يريد به واحدا، فيما ذكره المفسرون. 
وقيل: الخطاب لعيسى عليه السلام. 
وقوله تعالى: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا   : قال  الحسن،   ومجاهد،  وغيرهما: معنى {زبرا} : كتبا; أي: تفرقوا كتبا دانوا بها، وكفروا بما سواها. 
ومن قرأ: {زبرا} ; فمعناه: قطعا وفرقا. 
وقوله: كل حزب بما لديهم فرحون  أي: معجبون. 
 [ ص: 494 ] وقوله: فذرهم في غمرتهم حتى حين   : قال  قتادة:  أي: في جهالتهم، قال، ومعنى حتى حين   : الموت. 
وقوله: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين  نسارع لهم في الخيرات  أي: نسارع به في الخيرات، عن الزجاج. 
غيره: (ما) من قوله: أنما نمدهم به  هي {الخيرات} ، فصار المعنى: نسارع لهم فيه، ثم أظهر، فقال: في الخيرات  ، ولا حذف فيه على هذا التقدير، ومعنى الآية: أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم وخير؟ ومذهب  الكسائي:  أن {أنما} حرف واحد، فلا يحتاج إلى تقدير حذف، ويكون الوقف على قوله: {وبنين} ، وإنما احتيج إلى تقدير الحذف; لأنه لا بد من ضمير يرجع من الخبر إلى اسم (أن) . 
وقوله: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون   : هو الرجل يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويخاف ألا يتقبل ذلك منه، روت ذلك  عائشة  رضى الله عنها  [ ص: 495 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لقراءة من قرأ: {والذين يأتون ما أتوا}. 
وقيل: معناه على هذه القراءة: يعملون ما عملوه من الذنوب وهم خائفون. 
وتقدير أنهم إلى ربهم راجعون   : لأنهم، عن أبى حاتم، الفراء: تقديره، من أنهم. 
وقوله: أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون  أي: إليها. 
وقال  ابن عباس  المعنى: سبقت لهم من الله السعادة. 
وقيل: المعنى: وهم من أجل الخيرات سابقون. 
وقوله: بل قلوبهم في غمرة من هذا   : قال مجاهد: أي: في عماية من القرآن. 
وقيل: المعنى: بل قلوبهم في غطاء عن المعرفة أن الذي نمدهم به من مال وبنين استدراج لهم. 
قال  قتادة:  وصف أهل البر، ثم وصف بعدهم أهل الكفر. 
وقوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون  أي: خطايا من دون الحق، عن  مجاهد،   وقتادة،  وغيرهما. 
 الحسن،   وابن زيد:  المعنى: ولهم أعمال من دون ما هم عليه، لا بد أن يعملوها. 
وقوله: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب   : قال  مجاهد:  يعني: السيف يوم بدر. 
وقوله: إذا هم يجأرون  أي: يستغيثون، عن  ابن عباس،  وكذلك معنى قول غيره وإن اختلفت الألفاظ، وأصله: رفع الصوت; كجؤار الثور. 
وقوله: إنكم منا لا تنصرون   : قال  الحسن:  لا تنصرون بقبول التوبة. 
 [ ص: 496 ] وقوله: فكنتم على أعقابكم تنكصون  أي: تستأخرون عن قبول الحق، وهو تمثيل، شبه به من رد الحق; لأنه يمشي في عمى; كما يمشي الذي يمشي القهقرى ولا يدري ما وراءه. 
وقوله: مستكبرين به سامرا تهجرون   : قال  ابن عباس:  المعنى: مستكبرين بحرم الله، لأنه لا يظهر عليكم فيه أحد; ثقة بأمنكم فيه. 
وقيل: المعنى: مستكبرين بالقرآن عند استماعه. 
وقوله: سامرا تهجرون  أي: سمارا، فقيل للجماعة: (سامر) ; كما يقال لجماعة البقر: (باقر) ، ولأنه في موضع المصدر; كما يقال: (قوموا قائما) ; أي قياما، أو لأنه وضع موضع الوقت; والمعنى: تهجرون ليلا; فلما وضع (السامر) موضع (الليل) ; وحده، قاله  الطبري.  
و(السمر) في قول  المبرد:  مأخوذ من قولهم (لا أكلمه السمر والقمر) ; أي: الليل والنهار. 
 الثوري:  يقال لظل القمر: (السمر) . 
ومعنى {تهجرون} أي: تهجرون الحق ، عن  ابن عباس.  
 [ ص: 497 ] الحسن: تهجرون نبيي وكلامي. 
وقيل: هو من (هجر المريض) ; إذا هذى. 
ومن قرأ: {تهجرون} ; فمعناه: تقولون الهجر; أي: السيئ من القول، عن  ابن عباس  وغيره; ومعناه: أنهم يجاوزون الحق، ومنه (الهاجرة) : مجاوزة الشمس من المشرق إلى المغرب. 
و(السمر) في الآية، مخصوص به المعاصي، وكذلك ما جاء في الآثار من النهي عنه; كقول النبي صلى الله عليه وسلم:  "إياكم والسمر بعد هدأة [الرجل] - يعني: بعد العشاء الآخرة - أغلقوا الأبواب، أوكوا السقاء، وخمروا الإناء، وأطفئوا المصباح". 
 [ ص: 498 ] ونحو ما روي عن  عمر  رضي الله عنه: أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء،  ويقول: أسمرا أول الليل، ونوما آخره؟! فأما السمر في الطاعات، أو فيما لا معصية فيه; فمباح، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من بعده. 
وقوله: أفلم يدبروا القول  يعني: القرآن. 
وقوله: ولو اتبع الحق أهواءهم   : {الحق} : هو الله عز وجل، عن  ابن جريج،  وأبى صالح. 
وقيل: {الحق} : القرآن; والمعنى: لو نزل القرآن بما يحبون; لفسدت السماوات والأرض. 
وقيل: المعنى: لو اتبع صاحب الحق أهواءهم. 
وقيل: المعنى: لو كان الحق على ما يقولون من اتخاذ الآلهة مع الله; لتعالت بعضها على بعض; ففسدت السماوات والأرض. 
وقوله: بل أتيناهم بذكرهم  أي: ببيان الحق، عن  ابن عباس،   [ ص: 499 ]  قتادة:  بالقرآن; والمعنى: بما لهم فيه ذكر ثوابهم وعقابهم، وقيل: معنى {بذكرهم} : بشرفهم. 
وتقدم القول في الخرج والخراج. 
وقوله: وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون  أي: عن الحق لعادلون، عن  ابن عباس.  
وقيل: المعنى: عن صراط جهنم لناكبون في جهنم. 
وقيل: المعنى: عن طريق الجنة لعادلون إلى طريق النار. 
وقوله: ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون   : قيل: المعنى: ولو رحمناهم في الدنيا، عن  ابن جريج،  وقيل: المعنى: ولو رحمناهم في الآخرة، فرددناهم إلى الدنيا. 
وقوله: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون   (الاستكانة) : الذلة، والخضوع، وهو من السكون، والأصل: (استكنوا) ; أي: (افتعلوا) ; فالألف مشبعة من فتحة الكاف، وقد قيل: إنه (استفعلوا) من (الكون) ، وهو بعيد في المعنى. 
 [ ص: 500 ] و(العذاب) المذكور ههنا يراد به: الجوع، والقتل. 
وقوله: حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد  يعني: السيف يوم بدر، عن  ابن عباس  وغيره،  مجاهد:  الجوع،  عكرمة:  أحد أبواب جهنم، فيه من العذاب ما لم يروه في غيره منها. 
وتقدم القول في معنى (مبلسين) . 
				
						
						
