4041 باب: إذا مر برجل ومعه امرأة، فليقل: إنها فلانة

وقال النووي: (باب بيان أنه: يستحب لمن رئي خاليا بامرأة، وكانت زوجته أو محرما له؛ أن يقول: هذه فلانة. ليدفع ظن السوء به) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \النووي، ص156 ج14، المطبعة المصرية

[عن صفية بنت حيي؛ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته. ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني. وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد. فمر رجلان من الأنصار. فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم، [ ص: 256 ] أسرعا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما. إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله! يا رسول الله! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم. وإني خشيت: أن يقذف في قلوبكما شرا". أو قال: "شيئا" ].

4041 بَابٌ: إِذَا مَرَّ بِرَجُلٍ وَمَعَهُ امْرَأَةٌ، فَلْيَقُلْ: إِنَّهَا فُلَانَةُ

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: (بَابِ بَيَانِ أَنَّهُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رُئِيَ خَالِيًا بِامْرَأَةٍ، وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ مَحْرَمًا لَهُ؛ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ فُلَانَةُ. لِيَدْفَعَ ظَنَّ السَّوْءِ بِهِ) .

(حَدِيثُ الْبَابِ)

وَهُوَ بِصَحِيحِ مُسْلِمٍ \النَّوَوِيِّ، ص156 ج14، الْمَطْبَعَةُ الْمِصْرِيَّةُ

[عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ. ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي. وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [ ص: 256 ] أَسْرَعَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا. إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ. وَإِنِّي خَشِيتُ: أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا". أَوْ قَالَ: "شَيْئًا" ].

التالي السابق

الشرح

(الشَّرْحُ)

(عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ (قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ. ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي) . بِفَتْحِ الْيَاءِ. أَيْ: لِيَرُدَّنِي إِلَى مَنْزِلِي. وَفِيهِ: جَوَازُ تَمَشِّي الْمُعْتَكِفِ مَعَهَا، مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ.

(وَكَانَ مَسْكَنُهَا، فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ (فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) وَآلِهِ (وَسَلَّمَ؛ أَسْرَعَا. فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) وَآلِهِ (وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَفَتْحِهَا. لُغَتَانِ. وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَأَشْهَرُ. أَيْ: عَلَى هَيْئَتِكُمَا فِي الْمَشْيِ. فَمَا هُنَا شَيْءٌ تَكْرَهَانِهِ. (إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ!) . فِيهِ: جَوَازُ التَّسْبِيحِ؛ تَعْظِيمًا لِلشَّيْءِ وَتَعَجُّبًا مِنْهُ. وَقَدْ كَثُرَ فِي الْأَحَادِيثِ. وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ .

[ ص: 257 ] (قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ، مَجْرَى الدَّمِ. وَإِنِّي خَشِيتُ: أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا". أَوْ قَالَ: "شَيْئًا") .

فِيهِ: فَوَائِدُ؛ مِنْهَا: بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أُمَّتِهِ، وَمُرَاعَاتِهِ لِمَصَالِحِهِمْ. وَصِيَانَةِ قُلُوبِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ. وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا . فَخَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يُلْقِيَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمَا؛ فَيَهْلِكَا. فَإِنَّ ظَنَّ السَّوْءِ بِالْأَنْبِيَاءِ: كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْكَبَائِرُ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَيْهِمْ.

وَفِيهِ: أَنَّ مَنْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذَا بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: كَفَرَ.

وَفِيهِ: جَوَازُ زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمُعْتَكِفِ، فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ اعْتِكَافَهُ. لَكِنْ يُكْرَهُ: الْإِكْثَارُ مِنْ مُجَالَسَتِهَا، وَالِاسْتِلْذَاذِ بِحَدِيثِهَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى الْوِقَاعِ. أَوْ إِلَى الْقُبْلَةِ. أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ.

وَفِيهِ: اسْتِحْبَابُ التَّحَرُّزِ، مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ ظَنِّ النَّاسِ فِي الْإِنْسَانِ، وَطَلَبِ السَّلَامَةِ، وَالِاعْتِذَارِ بِالْأَعْذَارِ الصَّحِيحَةِ. وَأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَا قَدْ يُنْكَرُ ظَاهِرُهُ مِمَّا هُوَ حَقٌّ، وَقَدْ يَخْفَى: أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهُ؛ لِيَدْفَعَ ظَنَّ السَّوْءِ.

وَفِيهِ: الِاسْتِعْدَادُ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ: مَجْرَى الدَّمِ، فَيَتَأَهَّبُ الْإِنْسَانُ: لِلِاحْتِرَازِ مِنْ وَسَاوِسِهِ [ ص: 258 ] وَشَرِّهِ. قَالَ عِيَاضٌ: "جَرْيُ الشَّيْطَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ، مَجْرَى الدَّمِ"؛ قِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: جَعَلَ لَهُ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَى الْجَرْيِ، فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ، مَجَارِي دَمِهِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ. لِكَثْرَةِ إِغْوَائِهِ وَوَسْوَسَتِهِ. فَكَأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ، كَمَا لَا يُفَارِقُهُ دَمُهُ. وَقِيلَ: يُلْقِي وَسْوَسَتَهُ فِي مَسَامَّ لَطِيفَةٍ مِنَ الْبَدَنِ، فَتَصِلُ الْوَسْوَسَةُ إِلَى الْقَلْبِ.

(الشرح)

(عن صفية بنت حيي) رضي الله عنها؛ (قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته. ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني) . بفتح الياء. أي: ليردني إلى منزلي. وفيه: جواز تمشي المعتكف معها، ما لم يخرج من المسجد. وليس في الحديث: أنه خرج من المسجد.

(وكان مسكنها، في دار أسامة بن زيد) رضي الله عنهما؛ (فمر رجلان من الأنصار. فلما رأيا النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ أسرعا. فقال النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: على رسلكما) بكسر الراء، وفتحها. لغتان. والكسر أفصح، وأشهر. أي: على هيئتكما في المشي. فما هنا شيء تكرهانه. (إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله! يا رسول الله!) . فيه: جواز التسبيح؛ تعظيما للشيء وتعجبا منه. وقد كثر في الأحاديث. وجاء به القرآن، في قوله تعالى: ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك .

[ ص: 257 ] (قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان، مجرى الدم. وإني خشيت: أن يقذف في قلوبكما شرا". أو قال: "شيئا") .

فيه: فوائد؛ منها: بيان كمال شفقته، صلى الله عليه وآله وسلم، على أمته، ومراعاته لمصالحهم. وصيانة قلوبهم وجوارحهم. وكان بالمؤمنين رحيما . فخاف صلى الله عليه وآله وسلم: أن يلقي الشيطان في قلوبهما؛ فيهلكا. فإن ظن السوء بالأنبياء: كفر بالإجماع. والكبائر غير جائزة عليهم.

وفيه: أن من ظن شيئا من نحو هذا بالنبي، صلى الله عليه وآله وسلم: كفر.

وفيه: جواز زيارة المرأة لزوجها المعتكف، في ليل أو نهار. وأنه لا يضر اعتكافه. لكن يكره: الإكثار من مجالستها، والاستلذاذ بحديثها؛ لئلا يكون ذريعة إلى الوقاع. أو إلى القبلة. أو نحوها مما يفسد الاعتكاف.

وفيه: استحباب التحرز، من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان، وطلب السلامة، والاعتذار بالأعذار الصحيحة. وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق، وقد يخفى: أن يبين حاله؛ ليدفع ظن السوء.

وفيه: الاستعداد للتحفظ من مكائد الشيطان، فإنه يجري من الإنسان: مجرى الدم، فيتأهب الإنسان: للاحتراز من وساوسه [ ص: 258 ] وشره. قال عياض: "جري الشيطان من الإنسان، مجرى الدم"؛ قيل: هو على ظاهره. وأن الله تعالى: جعل له قوة وقدرة على الجري، في باطن الإنسان، مجاري دمه. وقيل: هو على الاستعارة. لكثرة إغوائه ووسوسته. فكأنه لا يفارق الإنسان، كما لا يفارقه دمه. وقيل: يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن، فتصل الوسوسة إلى القلب.