الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4117 باب: لا يورد ممرض على مصح

                                                                                                                              وهو في النووي في: (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \النووي، ص214-216 ج14، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن شهاب؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؛ حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "لا عدوى" ويحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "لا يورد ممرض على مصح".

                                                                                                                              قال: أبو سلمة كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك، عن قوله: "لا عدوى". وأقام على: "أن لا يورد ممرض على مصح". قال: فقال الحارث بن أبي ذباب (وهو ابن عم أبي هريرة) : قد كنت أسمعك، يا أبا هريرة! تحدثنا مع هذا الحديث، حديثا آخر، قد سكت عنه. كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك. [ ص: 381 ] وقال "لا يورد ممرض على مصح". فما رآه الحارث في ذلك، حتى غضب أبو هريرة. فرطن بالحبشية؛ فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا. قال أبو هريرة: قلت: أبيت.

                                                                                                                              قال أبو سلمة: ولعمري! لقد كان أبو هريرة يحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى" فلا أدري! أنسي أبو هريرة؟ أو نسخ أحد القولين الآخر؟
                                                                                                                              ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن شهاب؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؛ حدثه: أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. قال: "لا عدوى". ويحدث: أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قال: "لا يورد ممرض على مصح") . أي: لا يورد الذي له إبل مرضى، على من له إبل صحاح. وجمع ابن بطال بين هذا والسابق؛ فقال: "لا عدوى"؛ إعلام بأنها لا حقيقة لها. وأما النهي، فلئلا يتوهم المصح: أن مرضها حدث من أجل ورود المريض عليها، فيكون داخلا بتوهمه ذلك: في تصحيح ما أبطله النبي، صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: غير ذلك.

                                                                                                                              (قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما) . كذا هو في جميع النسخ. والضمير عائد إلى الكلمتين. أو القصتين. أو المسألتين. ونحو ذلك.

                                                                                                                              (عن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، ثم صمت أبو [ ص: 382 ] هريرة بعد ذلك، عن قوله: "لا عدوى". وأقام على: "أن لا يورد ممرض على مصح". قال: فقال الحارث بن أبي ذياب -وهو ابن عم أبي هريرة-: قد كنت أسمعك، يا أبا هريرة! تحدثنا مع هذا الحديث، حديثا آخر، قد سكت عنه. كنت تقول: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: "لا عدوى". فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك. وقال: "لا يورد ممرض على مصح". فما رآه الحارث في ذلك، حتى غضب أبو هريرة. فرطن بالحبشية) أي تكلم بلغتهم، بما لا يفهم. وقال العيني: لا رطانة بالحبشية هنا حقيقة. وإنما هو غضب، فتكلم بما لا يفهم، (فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا. قال أبو هريرة: إني قلت: أبيت. قال أبو سلمة: ولعمري! لقد كان أبو هريرة يحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قال: "لا عدوى". فلا أدري! أنسي أبو هريرة؟ أو نسخ أحد القولين الآخر؟) .

                                                                                                                              قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين. وهما صحيحان. قالوا: وطريق الجمع: أن حديث "لا عدوى"، المراد به: نفي ما كانت الجاهلية تعتقده؛ أن المرض يعدي بطبعه، لا بفعل الله تعالى. وأما حديث: "لا يورد ممرض على مصح"، فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة، بفعل الله تعالى، وقدره. [ ص: 383 ] فنفى في الحديث الأول: العدوى بطبعها. ولم ينف حصول الضرر عند ذلك، بقدر الله تعالى وفعله. وأرشد في الثاني: إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر، بفعل الله وإرادته وقدره.

                                                                                                                              قال النووي: هذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين، والجمع بينهما: هو الصواب، الذي عليه جمهور العلماء. ويتعين المصير إليه. ولا يؤثر نسيان أبي هريرة (لحديث: "لا عدوى") ، لوجهين؛

                                                                                                                              أحدهما: أن نسيان الراوي للحديث الذي رواه، لا يقدح في صحته. عند جماهير العلماء، بل يجب العمل به.

                                                                                                                              والثاني: أن هذا اللفظ، ثابت من رواية غير أبي هريرة. فقد ذكر مسلم هذا، من رواية السائب بن يزيد، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن عمر: عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              وحكى المازري، وعياض، عن بعض العلماء: أن حديث "لا يورد ممرض على مصح": منسوخ بحديث "لا عدوى". وهذا غلط لوجهين؛

                                                                                                                              أحدهما: أن النسخ يشترط فيه، تعذر الجمع بين الحديثين، ولم يتعذر. بل قد جمعنا بينهما.

                                                                                                                              والثاني: أنه يشترط فيه معرفة التاريخ، وتأخر الناسخ. وليس ذلك موجودا هنا.

                                                                                                                              وقال آخرون: حديث "لا عدوى" على ظاهره. وأما النهي عن إيراد الممرض على المصح، فليس للعدوى، بل للتأذي بالرائحة [ ص: 384 ] الكريهة، وقبح صورته، وصورة المجذوم.

                                                                                                                              والصواب ما سبق.




                                                                                                                              الخدمات العلمية