(قالت) المرأة (الرابعة) واسمها :
"مهدد" بفتح الميم ، وسكون الهاء ، وفتح الدال الأولى . بنت "أبي هرومة" بالراء المضمومة - تمدح زوجها- : (زوجي : كليل
تهامة) بكسر التاء . اسم لكل ما نزل عن
نجد : من بلاد
الحجاز . وهو من "التهم" بفتح التاء والهاء . وهو ركود الريح .
[ ص: 427 ] قال في القاموس :
"تهامة" مكة . شرفها الله تعالى . تريد : أنه ليس فيه أذى ، بل راحة ولذاذة عيش ، كليل
"تهامة" : لذيذ معتدل .
قال
البيجوري : أي في كمال الاعتدال ، وعدم الأذى ، وسهولة أمره ، كما بينته بما بعده .
قال:
وتهامة :
"مكة" وما حولها من الأغوار ؛ من البلاد المنخفضة . وأما البلاد العالية ، فيقال لها :
"نجد" .
و
"المدينة" : لا تهامية ، ولا نجدية . لأنها فوق الغور ، ودون النجد. انتهى . زاد في التحفة : وإنما تكون لياليها ، أي : ليالي "تهامة" باردة طيبة . لأنها من البلاد الحارة ، وكل بلد حار كذلك .
(لا حر) مفرط ، (ولا قر) بضم القاف : ما يقابل "الحر" . وكلمة "لا" لنفي الجنس ، على الأشهر.
قال
البيجوري : أي : "لا ذو حر" مفرط ، "ولا ذو قر" بفتح القاف ، وضمها . والأول: أنسب بقوله : "حر" . أي : برد . أو لا حر فيه ولا قر.
فالأول : على أن "لا" للعطف ، أو بمعنى "ليس" ، أو بمعنى "غير" .
والثاني : على أن تكون لنفي الجنس ، والخبر محذوف .
وهذا : كناية عن عدم الأذى . وقدم "الحر" : لأنه أشد تأثيرا ،
[ ص: 428 ] لاسيما في
الحرمين الشريفين ، لكثرة الحر فيهما . ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم :
"من صبر على حر مكة ساعة؛ تباعد من نار جهنم سبعين سنة" . وفي رواية : "مائتي سنة" . انتهى.
قلت: وهذا الحديث ظاهره الوضع. فلينظر في سنده ومخرجه .
وروي : "ولا برد ، ولا وخامة" بالفتح . أي : لا ثقل عنده .
تصف زوجها بذلك ، وأنه لين الجانب ، خفيف الوطأة على الصاحب .
ويحتمل : أن يكون ذلك ، من بقية صفة الليل . .
(ولا مخافة ، ولا سآمة) . قال
النووي : أي : ليس فيه حر ولا برد مفرط ، ولا أخاف له غائلة : لكرم أخلاقه . ولا يسأمني ويمل صحبتي . انتهى.
وقال
القسطلاني : أي : لا ملالة لي ولا له ، من المصاحبة . والكلمتان مبنيتان على الفتح . ويجوز الرفع . قال : ومعناه : أنا لذيذة العيش عنده ، كلذة أهل
تهامة بليلهم المعتدل .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار : "والغيث : غيث غمامة" . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : أرادت أنه لا شر فيه يخاف .
[ ص: 429 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : أرادت أن أهل
تهامة : لا يخافون ، لتحصنهم بجبالها . أو أرادت وصف زوجها . بأنه حامي الذمار، مانع لداره وجاره ، ولا مخافة عند من يأوي إليه . ثم وصفته بالجود .
وقال غيره : قد ضربوا المثل بليل
تهامة "في الطيب" ، لأنها بلاد حارة في غالب الزمان ، وليس فيها رياح باردة . فإذا كان الليل : كان وهج الحر ساكنا ، فيطيب الليل لأهلها : بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار .
قال
البيجوري : أي لا ذو مخافة ، ولا ذو سآمة . أو لا مخافة فيه ، ولا سآمة - مثل ما قبله - . فلا شر فيه : بحيث يخاف منه ، ولا قبح فيه : بحيث يسأم منه ؛ لكرم أخلاقه .
قال : وهذا من أبلغ المدح : لدلالته على نفي سائر أسباب الأذى عنه ، وثبوت جميع أنواع اللذة في عشرته . انتهى . .
(قالت) المرأة (الخامسة) ، واسمها :
"كبشة" بسكون الباء ، تمدح زوجها : (زوجي : إن دخل فهد) بفتح الفاء وكسر الهاء . أي : إن دخل البيت : فعل فعل الفهد . يقال : "فهد الرجل" إذا أشبه "الفهد" في كثرة نومه . تريد أنه ينام ، ويغفل عن معائب البيت الذي يلزمني إصلاحه .
وقيل : تريد : "وثب علي وثوب الفهد" . كأنها تريد : أنه يبادر إلى جماعها من حبه لها . بحيث إنه لا يصبر عنها إذا رآها . قاله
"ابن أبي [ ص: 430 ] أويس" . قال
النووي : والصحيح المشهور : التفسير الأول.
قال
الكمال الدميري : قالوا : "أنوم من فهد، وأوثب من فهد" .
قال : ومن خلقه الغضب. وذلك أنه إذا وثب على فريسة : لا يتنفس حتى ينالها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وحمله الأكثر على الاشتقاق من خلق الفهد ؛
إما : من جهة قوة وثوبه . وإما : من كثرة نومه .
قال : ويحتمل : أن يكون من جهة كثرة كسبه ، لأنهم قالوا : "أكسب من فهد" . وأصله : أن الفهود الهرمة : تجتمع على فهد منها فتى ، فيتصيد عليها كل يوم ، حتى يشبعها . فكأنها قالت : إذا دخل المنزل : دخل معه بالكسب لأهله ، كما يجيء الفهد لمن يلوذ به : من الفهود الهرمة . انتهى.
قال
النووي : هذا أيضا مدح بليغ . انتهى .
وقال
البيجوري : التقدير : "فهو فهد" . أي مثل الفهد ؛ في الوثوب ، أو في النوم ، أو التمرد. فهو محتمل للمدح ، والذم ؛
[ ص: 431 ] فإن كان القصد المدح : فالمراد أنه كالفهد ، في الوثوب لجماعها ، أو في النوم والتغافل عما أضاعته ، مما يجب عليها تعهده : كرها وحلما .
وإن كان القصد الذم : فالمراد أنه كالفهد ، في الوثوب لضربها ، وتمرده ونومه ، وتغافله عن أمور أهله ، وعدم ضبطه لها .
(وإن خرج) من البيت : (أسد) بكسر السين ، فعل ماض . تريد : يفعل فعل الأسد، في شجاعته .
وفيه كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : المطابقة بين : "دخل ، وخرج" لفظية ، وبين : "فهد وأسد" معنوية . وتسمى أيضا : المقابلة.
وفيهما أيضا الاستعارة ، فإنها استعارت له في الحالتين : خلق هذين الحيوانين ، فجاء في غاية من الإيجاز والاختصار ، ونهاية من البلاغة والبيان . أي : إذا دخل : تغافل وتناوم . وإذا خرج : صال . فلما استعارت له خلق هذين السبعين : في الحالتين اللازمتين له ، المختصتين : أعربت بذلك عن تخلقه بهما ، والتزامه لوصفيهما . وعبرت عن جميع ذلك بكلمة وكلمة . كل واحدة من ثلاثة أحرف ، حسنة التركيب ، مع جمالهما في اللفظ ، ومناسبتهما في الوزن ، وسهولتهما في النطق .
(ولا يسأل عما عهد) بفتح العين ، وكسر الهاء . أي عما له عهد في البيت ؛ من ماله إذا فقده: لتمام كرمه . وزاد
الزبير بن بكار ، في آخره :
[ ص: 432 ] "ولا يرفع اليوم لغد" . أي : لا يدخر ما حصل عنده اليوم ، من أجل غد. فكنت بذلك : عن غاية جوده .
ويحتمل : أن يكون المراد من قولها : "فهد" على تفسيره "بالوثوب عليها للجماع" : الذم ، من جهة أنه غليظ الطبع ، ليست عنده مداعبة قبل المواقعة ، بل يثب وثوب الوحش . أو أنه كان سيئ الخلق ، يبطش بها ويضربها . وإذا خرج على الناس : كان أمره أشد في الجرأة والإقدام والمهابة ، كالأسد . ولا يسأل عما تغير من حالها ، حتى لو عرف أنها مريضة ، أو معوزة ، وغاب ثم جاء : لا يسأل عن ذلك ، ولا يتفقد حال أهله ولا بيته ، بل إن ذكرت له شيئا من ذلك : وثب عليها بالبطش ، والضرب.
(قالت) المرأة (السادسة) . واسمها:
"هند" تذم زوجها : (زوجي : إن أكل : لف) بفتح اللام وتشديد الفاء . "فعل ماض" : أي : أكثر الأكل من الطعام ، مع التخليط من صنوفه ، حتى لا يبقي منه شيئا من نهمته وشرهه.
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : "إذا أكل اقتف" أي : جمع واستوعب . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض ؛ أنه روي : "رف" . قال : وهي بمعنى : "لف" .
[ ص: 433 ] قال
البيجوري : الأقرب إلى سياقها، أن مرادها : ذمه بأنه : إن أكل لم يبق شيئا للعيال ، وأكل الطعام بالاستقلال . واحتمال إرادة المدح - بأنه إن أكل : تنعم بأكل صنوف الطعام - : بعيد من المقام .
(وإن شرب : اشتف) أي : استقصى ما في الإناء . وروي "بالسين المهملة" وهو بمعناه .
قال
النووي : "الاشتفاف في الشرب" : أن يستوعب جميع ما في الإناء. مأخوذ من "الشفافة" ، بضم الشين . وهي ما بقي في الإناء من الشراب . فإذا شربها : قيل : اشتفها وتشافها .
قال
البيجوري : فإن أريد الذم - وهو المتبادر من كلامها-، فالمعنى : أنه يشرب الماء كله ، ولا يترك شيئا لعياله . وإن أريد المدح ، فالمعنى : أنه يشرب كل الشراب مع أهله ، ولا يدخر شيئا منه لغد .
قال (في التحفة) : نزل "أكل ، وشرب" منزلة اللازم - مع أنهما متعديان - : إشعارا بأن المقصود : نفس صدور الفعل . وليذهب السامع كل مذهب ممكن : في المأكول ، والمشروب . انتهى.
(وإن اضطجع) نام (التف) في ثيابه وحده ، في ناحية من البيت ، وانقبض عنها . فهي كئيبة لذلك . قال
البيجوري : هذا ذم صريح ، وكذا ما بعده . وهو قرينة على أن ما قبله : للذم .
[ ص: 434 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : هذا ذم . أرادت : وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه ، في ناحية ، ولم يضاجعني ، ليعلم: ما عندي من محبته.
(ولا يولج الكف) أي : لا يدخل كفه داخل ثوبي (ليعلم البث) أي : الحزن الذي عندي ، على عدم الحظوة منه . فجمعت في ذمها له : بين اللؤم ، والبخل ، وسوء العشرة مع أهله ، وقلة رغبته في النكاح ، مع كثرة شهوته في الطعام والشراب . وهذا غاية الذم عند العرب . فإنها تذم : بكثرة الطعام والشراب . وتتمدح بقلتهما ، وبكثرة الجماع : لدلالة ذلك على صحة الذكورية ، والفحولية .
قال
النووي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : أحسبه كان بجسدها عيب ، أو داء كنت به : لأن البث "الحزن" . فكان لا يدخل يده في ثوبها ، ليمس ذلك فيشق عليها. فوصفته : بالمروءة وكرم الخلق. وتعقبه
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة بأنها قد ذمته في صدر الكلام. فكيف تمدحه في آخره؟ وأجاب
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : بأنه لا مانع أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه ، لأنهن تعاقدن : أن لا يكتمن شيئا من أخبار أزواجهن . فمنهن : من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة ، فوصفتها. ومنهن : من كانت أوصاف زوجها كلها قبيحة ، فذكرتها . ومنهن : من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح ، فذكرتها.
[ ص: 435 ] قال
النووي : وإلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي ،
وابن قتيبة : ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض . انتهى. قال في التحفة : ولا يخفى عليك : أن هذا الجواب، وإن كان يصلح للجواب ، لكن لا يساعده اللفظ . على أنه إن سبقت الجمل الأولى للذم ، وهذه للمدح : لا يصح إلى آخر ما قال . ولا يخلو عن مقال .
قال
القسطلاني : وفي كلام هذه من البديع : "المناسبة ، والمقابلة" في قولها : "إن أكل ، وإن شرب" . والالتزام ، فإنها التزمت "التاء" قبل القافية ، وقافية سجعها الفاء.
وفيه : "الترصيع" وهو حسن التقسيم، و "التتبع" ، و "الإرداف" . وهو من باب الكنايات ، والإشارات . وهو التعبير بالشيء : بأحد توابعه . وكل من الكنايات الحسية ؛ لأنها عبرت بقولها : "التف" واكتفت به عن الإعراض عنها ، وقلة الاشتغال بها . والله أعلم .
(قالت) المرأة (السابعة) ، واسمها
"حبى بنت علقمة" تذم زوجها : (زوجي غياياء) مأخوذ من "الغي" ، الذي هو "الخيبة" . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=59فسوف يلقون غيا أو من "الغياية" وهي الظلمة . وكل ما أظل الشخص .
ومعناه : لا يهتدي إلى مسلك . أو أنها : وصفته بثقل الروح . قال (في التحفة) : لكن لا يوجد منه أثر في اللغة . انتهى. أو أنه : كالظل
[ ص: 436 ] المتكاثف المظلم ، الذي لا إشراق فيه . أو أنها : أرادت أنه غطيت عليه أموره . أو يكون من "الغي" وهو الانهماك في الشر . قاله
النووي .
قال (في التحفة) : مأخوذ من "الغياية" دون الغي كما توهم
القسطلاني . فإنه "يائي" ، والغي واوي . قال : "والغياية" : قعر البئر . أي : قد التبس عليه أمره ، كأنه في قعر بئر ، أو تحت ظلة مظلمة .
45 (أو عياياء) 45 قال
النووي : هكذا وقع في هذه الرواية : بالمعجمة ، وبالمهملة . وفي أكثر الروايات : "بالمعجمة" . وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد ، وغيره : "المعجمة" . وقالوا : الصواب : "المهملة" : وهو الذي لا يلقح ولا يضرب: من الإبل .
وقيل : هو "العي" الذي تعييه : مباضعة النساء ، ويعجز عنها ..
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض وغيره : "بالمعجمة" صحيح . وهو مأخوذ من "الغياية" كما تقدم . والشك من الراوي.
وقال
الكرماني : هو تنويع من الزوجة القائلة ، كما صرح به
"أبو يعلى" في روايته ، من غير شك .
قال
البيجوري : يحتمل : أنها للتخيير في التعبير ؛ فإما أن تعبر بالأولى ، أو الثانية . أو أنها بمعنى "بل" .
(طباقاء) معناه : المطبقة عليه أموره حمقا ، فلا يهتدي لها .
[ ص: 437 ] وقيل : الذي يعجز عن الكلام ، فتنطبق شفتاه .
وقيل : هو الأحمق العي الفدم.
وقيل : الذي لا يحسن الضراب . أو الثقيل الصدر عند الجماع ، يطبق صدره على صدر المرأة عند الجماع ، فيرتفع سفله عنها ، فلا تستمتع به . وقد ذمت امرأة
"امرأ القيس" ، فقالت له : "ثقيل الصدر خفيف العجز ، سريع الإراقة بطيء الإفاقة" .
ولفظ
البيجوري : مفحم ينطبق عليه الكلام ، فلا ينطق به . أو عاجز عن الجماع والوقاع . أو ينطبق على المرأة إذا علا عليها لثقله ، فيحصل لها منه : الإيذاء والتعذيب .
وقال (في التحفة) : يقال : "عياياء ، طباقاء" إذا لم يقدر على البيان . قال: وتطبيق الرجل : مكروه عند النساء . وذلك ؛ لأن الرجل إذا كان ثقيل الصدر خفيف الكفل : لا يصيب "أيره" إلى ما تريد المرأة إصابته إليه ، بل قد يخرج . انتهى .
قال: وذمته بالعجز عن الوطء: لما أنهم كانوا يستدلون به على الجبن ، وضعف القلب . وبالقوة على الوطء: على الشجاعة .
[ ص: 438 ] قال (في الأغاني) : نزل رجل من العرب ، على نصرانية
بالشام : ففعل بها ثمان مرات ، في ليلة واحدة . فقالت له : أهكذا تفعلون بنسائكم ؟ قال : نعم . قالت: بهذا نصرتم ، وظفرتم على عدوكم.
ونساء العرب : كن يبغضن الجبان . وكذلك : يكرهن العاجز عن البيان . ولذلك : ذمته بالعي ، وانطباق الكلام عليه.
(كل داء له داء) . أي : كل ما تفرق في الناس - من معايب: موجود فيه . ولفظ
النووي : أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : في هذا من لطيف الوحي والإشارة : الغاية ؛ لأنه انطوى تحت هذه اللفظة : كلام كثير .
قال (في التحفة) : الداء : "المرض" . والمراد به : ما يعني المرض النفساني : من الجبن ، والحمق ، والعي بالكلام والجماع ، وسوء الخلق ، ونحوها . قال: "والظرف" أعني "له" : صفة له ؛ فالداء الثاني : مرفوع على الخبرية . ومعناه : "البالغ المتناهي" في معنى الدائية . أو متعلق بالثاني . وهو بمعنى العارض. فإن الاسم الجامد
[ ص: 439 ] إذا تعلق به ظرف : يؤول بالمشتق . قال
البيجوري : أي : كل داء يعرف في الناس ، فهو داء له . لأنه اجتمع فيه : سائر العيوب ، والمصائب .
(شجك) بفتح الشين والجيم ، وكسر الكاف : أي "أصابك بشجة في رأسك" . ولفظ
النووي : جرحك في الرأس . "فالشجاج" : جراحات الرأس ، والجراح فيه وفي الجسد . انتهى.
قال
البيجوري : "شجك" أي : إن ضربك : جرحك . بكسر الكاف ، لأنه خطاب لمؤنث ، وهو نفسها . وكذا قوله : (أو فلك) بتشديد اللام : أي كسرك .
قال: ويمكن أنها أرادت بالفل: الطرد ، والإبعاد . انتهى .
قال
النووي : "الفل" : الكسر ، والضرب . ومعناه : أنها معه : بين شج رأس ، وضرب وكسر عضو، أو جمع بينهما .
وقيل : المراد بالفل هنا : الخصومة .
وعبارة
القسطلاني : أي : أصابك بجرح في جسدك ، أو كسرك ، أو ذهب بمالك ، أو قسرك بخصومة .
[ ص: 440 ] وزاد
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت ، في رواية : "أو بجك" بتشديد الجيم. أي : طعنك في جراحتك ، فشقها . والبج : شق القرحة .
(قَالَتِ) الْمَرْأَةُ (الرَّابِعَةُ) وَاسْمُهَا :
"مُهَدَّدٌ" بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَسُكُونِ الْهَاءِ ، وَفَتْحِ الدَّالِ الْأُولَى . بِنْتُ "أَبِي هَرُومَةَ" بِالرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ - تَمْدَحُ زَوْجَهَا- : (زَوْجِي : كَلَيْلِ
تِهَامَةَ) بِكَسْرِ التَّاءِ . اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ
نَجْدٍ : مِنْ بِلَادِ
الْحِجَازِ . وَهُوَ مِنَ "التُّهَمِ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ . وَهُوَ رُكُودُ الرِّيحِ .
[ ص: 427 ] قَالَ فِي الْقَامُوسِ :
"تِهَامَةُ" مَكَّةُ . شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى . تُرِيدُ : أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَذًى ، بَلْ رَاحَةٌ وَلَذَاذَةُ عَيْشٍ ، كَلَيْلِ
"تِهَامَةَ" : لَذِيذٌ مُعْتَدِلٌ .
قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : أَيْ فِي كَمَالِ الِاعْتِدَالِ ، وَعَدَمِ الْأَذَى ، وَسُهُولَةِ أَمْرِهِ ، كَمَا بَيَّنْتُهُ بِمَا بَعْدَهُ .
قَالَ:
وَتِهَامَةُ :
"مَكَّةُ" وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْأَغْوَارِ ؛ مِنَ الْبِلَادِ الْمُنْخَفِضَةِ . وَأَمَّا الْبِلَادُ الْعَالِيَةُ ، فَيُقَالُ لَهَا :
"نَجْدٌ" .
وَ
"الْمَدِينَةُ" : لَا تِهَامِيَّةٌ ، وَلَا نَجْدِيَّةٌ . لِأَنَّهَا فَوْقَ الْغَوْرِ ، وَدُونَ النَّجْدِ. انْتَهَى . زَادَ فِي التُّحْفَةِ : وَإِنَّمَا تَكُونُ لَيَالِيهَا ، أَيْ : لَيَالِي "تِهَامَةَ" بَارِدَةً طَيِّبَةً . لِأَنَّهَا مِنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ ، وَكُلُّ بَلَدٍ حَارٍّ كَذَلِكَ .
(لَا حَرٌّ) مُفْرِطٌ ، (وَلَا قُرٌّ) بِضَمِّ الْقَافِ : مَا يُقَابِلُ "الْحَرَّ" . وَكَلِمَةُ "لَا" لِنَفْيِ الْجِنْسِ ، عَلَى الْأَشْهَرِ.
قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : أَيْ : "لَا ذُو حَرٍّ" مُفْرِطٍ ، "وَلَا ذُو قُرٍّ" بِفَتْحِ الْقَافِ ، وَضَمِّهَا . وَالْأَوَّلُ: أَنْسَبُ بِقَولِهِ : "حَرٌّ" . أَيْ : بَرْدٌ . أَوْ لَا حَرَّ فِيهِ وَلَا قُرَّ.
فَالْأَوَّلُ : عَلَى أَنَّ "لَا" لِلْعَطْفِ ، أَوْ بِمَعْنَى "لَيْسَ" ، أَوْ بِمَعْنَى "غَيْرٍ" .
وَالثَّانِي : عَلَى أَنْ تَكُونَ لِنَفْيِ الْجِنْسِ ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ .
وَهَذَا : كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْأَذَى . وَقَدَّمَ "الْحَرَّ" : لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا ،
[ ص: 428 ] لَاسِيَّمَا فِي
الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ ، لِكَثْرَةِ الْحَرِّ فِيهِمَا . وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :
"مَنْ صَبَرَ عَلَى حَرِّ مَكَّةَ سَاعَةً؛ تَبَاعَدَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ سَنَةً" . وَفِي رِوَايَةٍ : "مِائَتَيْ سَنَةٍ" . انْتَهَى.
قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ الْوَضْعُ. فَلْيُنْظَرْ فِي سَنَدِهِ وَمَخْرَجِهِ .
وَرُوِيَ : "وَلَا بَرْدَ ، وَلَا وَخَامَةَ" بِالْفَتْحِ . أَيْ : لَا ثِقَلَ عِنْدِهِ .
تَصِفُ زَوْجَهَا بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَيِّنُ الْجَانِبِ ، خَفِيفُ الْوَطْأَةِ عَلَى الصَّاحِبِ .
وَيُحْتَمَلُ : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ، مِنْ بَقِيَّةِ صِفَةِ اللَّيْلِ . .
(وَلَا مَخَافَةَ ، وَلَا سَآمَةَ) . قَالَ
النَّوَوِيُّ : أَيْ : لَيْسَ فِيهِ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ مُفْرِطٌ ، وَلَا أَخَافُ لَهُ غَائِلَةً : لِكَرَمِ أَخْلَاقِهِ . وَلَا يَسْأَمُنِي وَيَمَلُّ صُحْبَتِي . انْتَهَى.
وَقَالَ
الْقَسْطَلَانِيُّ : أَيْ : لَا مَلَالَةَ لِي وَلَا لَهُ ، مِنَ الْمُصَاحَبَةِ . وَالْكَلِمَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْفَتْحِ . وَيَجُوزُ الرَّفْعُ . قَالَ : وَمَعْنَاهُ : أَنَا لَذِيذَةُ الْعَيْشِ عِنْدَهُ ، كَلَذَّةِ أَهْلِ
تِهَامَةَ بِلَيْلِهِمُ الْمُعْتَدِلِ .
وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14413الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ : "وَالْغَيْثُ : غَيْثُ غَمَامَةٍ" . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا شَرَّ فِيهِ يُخَافُ .
[ ص: 429 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : أَرَادَتْ أَنَّ أَهْلَ
تِهَامَةَ : لَا يَخَافُونَ ، لِتَحَصُّنِهِمْ بِجِبَالِهَا . أَوْ أَرَادَتْ وَصْفَ زَوْجِهَا . بِأَنَّهُ حَامِي الذِّمَارِ، مَانِعٌ لِدَارِهِ وَجَارِهِ ، وَلَا مَخَافَةَ عِنْدَ مَنْ يَأْوِي إِلَيْهِ . ثُمَّ وَصَفَتْهُ بِالْجُودِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : قَدْ ضَرَبُوا الْمَثَلَ بِلَيْلِ
تِهَامَةَ "فِي الطِّيبِ" ، لِأَنَّهَا بِلَادٌ حَارَّةٌ فِي غَالِبِ الزَّمَانِ ، وَلَيْسَ فِيهَا رِيَاحٌ بَارِدَةٌ . فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ : كَانَ وَهَجُ الْحَرِّ سَاكِنًا ، فَيَطِيبُ اللَّيْلُ لِأَهْلِهَا : بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَذَى حَرِّ النَّهَارِ .
قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : أَيْ لَا ذُو مَخَافَةٍ ، وَلَا ذُو سَآمَةٍ . أَوْ لَا مَخَافَةَ فِيهِ ، وَلَا سَآمَةَ - مِثْلَ مَا قَبْلَهُ - . فَلَا شَرَّ فِيهِ : بِحَيْثُ يُخَافُ مِنْهُ ، وَلَا قُبْحَ فِيهِ : بِحَيْثُ يُسْأَمُ مِنْهُ ؛ لِكَرَمِ أَخْلَاقِهِ .
قَالَ : وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْمَدْحِ : لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ سَائِرِ أَسْبَابِ الْأَذَى عَنْهُ ، وَثُبُوتِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ اللَّذَّةِ فِي عِشْرَتِهِ . انْتَهَى . .
(قَالَتِ) الْمَرْأَةُ (الْخَامِسَةُ) ، وَاسْمُهَا :
"كَبْشَةُ" بِسُكُونِ الْبَاءِ ، تَمْدَحُ زَوْجَهَا : (زَوْجِي : إِنْ دَخَلَ فَهِدٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ . أَيْ : إِنْ دَخَلَ الْبَيْتَ : فَعَلَ فِعْلَ الْفَهِدِ . يُقَالُ : "فَهِدَ الرَّجُلُ" إِذَا أَشْبَهَ "الْفَهْدَ" فِي كَثْرَةِ نَوْمِهِ . تُرِيدُ أَنَّهُ يَنَامُ ، وَيَغْفُلُ عَنْ مَعَائِبِ الْبَيْتِ الَّذِي يَلْزَمُنِي إِصْلَاحُهُ .
وَقِيلَ : تُرِيدُ : "وَثَبَ عَلَيَّ وُثُوبَ الْفَهِدِ" . كَأَنَّهَا تُرِيدُ : أَنَّهُ يُبَادِرُ إِلَى جِمَاعِهَا مِنْ حُبِّهِ لَهَا . بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا إِذَا رَآهَا . قَالَهُ
"ابْنُ أَبِي [ ص: 430 ] أُوَيْسٍ" . قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ : التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ.
قَالَ
الْكَمَالُ الدُّمَيْرِيُّ : قَالُوا : "أَنْوَمُ مِنْ فَهِدٍ، وَأَوْثَبُ مِنْ فَهِدٍ" .
قَالَ : وَمِنْ خُلُقِهِ الْغَضَبُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا وَثَبَ عَلَى فَرِيسَةٍ : لَا يَتَنَفَّسُ حَتَّى يَنَالَهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961عِيَاضٌ : وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى الِاشْتِقَاقِ مِنْ خُلُقِ الْفَهِدِ ؛
إِمَّا : مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ وُثُوبِهِ . وَإِمَّا : مِنْ كَثْرَةِ نَوْمِهِ .
قَالَ : وَيُحْتَمَلُ : أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ كَسْبِهِ ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا : "أَكْسَبُ مِنْ فَهِدٍ" . وَأَصْلُهُ : أَنَّ الْفُهُودَ الْهَرِمَةَ : تَجْتَمِعُ عَلَى فَهِدٍ مِنْهَا فَتًى ، فَيَتَصَيَّدُ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ ، حَتَّى يُشْبِعَهَا . فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : إِذَا دَخَلَ الْمَنْزِلَ : دَخَلَ مَعَهُ بِالْكَسْبِ لِأَهْلِهِ ، كَمَا يَجِيءُ الْفَهِدُ لِمَنْ يَلُوذُ بِهِ : مِنَ الْفُهُودِ الْهَرِمَةِ . انْتَهَى.
قَالَ
النَّوَوِيُّ : هَذَا أَيْضًا مَدْحٌ بَلِيغٌ . انْتَهَى .
وَقَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : التَّقْدِيرُ : "فَهُوَ فَهِدٌ" . أَيْ مِثْلُ الْفَهِدِ ؛ فِي الْوُثُوبِ ، أَوْ فِي النَّوْمِ ، أَوِ التَّمَرُّدِ. فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمَدْحِ ، وَالذَّمِّ ؛
[ ص: 431 ] فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الْمَدْحَ : فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَالْفَهِدِ ، فِي الْوُثُوبِ لِجِمَاعِهَا ، أَوْ فِي النَّوْمِ وَالتَّغَافُلِ عَمَّا أَضَاعَتْهُ ، مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا تَعَهُّدُهُ : كُرْهًا وَحِلْمًا .
وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الذَّمَّ : فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَالْفَهِدِ ، فِي الْوُثُوبِ لِضَرْبِهَا ، وَتَمَرُّدِهِ وَنَوْمِهِ ، وَتَغَافُلِهِ عَنْ أُمُورِ أَهْلِهِ ، وَعَدَمِ ضَبْطِهِ لَهَا .
(وَإِنْ خَرَجَ) مِنَ الْبَيْتِ : (أَسِدَ) بِكَسْرِ السِّينِ ، فِعْلٌ مَاضٍ . تُرِيدُ : يَفْعَلُ فِعْلَ الْأَسَدِ، فِي شَجَاعَتِهِ .
وَفِيهِ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961عِيَاضٌ : الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ : "دَخَلَ ، وَخَرَجَ" لَفْظِيَّةٌ ، وَبَيْنَ : "فَهِدٍ وَأَسِدَ" مَعْنَوِيَّةٌ . وَتُسَمَّى أَيْضًا : الْمُقَابَلَةُ.
وَفِيهِمَا أَيْضًا الِاسْتِعَارَةُ ، فَإِنَّهَا اسْتَعَارَتْ لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ : خُلُقَ هَذَيْنِ الْحَيَوَانَيْنِ ، فَجَاءَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ ، وَنِهَايَةٍ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ . أَيْ : إِذَا دَخَلَ : تَغَافَلَ وَتَنَاوَمَ . وَإِذَا خَرَجَ : صَالَ . فَلَمَّا اسْتَعَارَتْ لَهُ خُلُقَ هَذَيْنِ السَّبُعَيْنِ : فِي الْحَالَتَيْنِ اللَّازِمَتَيْنِ لَهُ ، الْمُخْتَصَّتَيْنِ : أَعْرَبَتْ بِذَلِكَ عَنْ تَخَلُّقِهِ بِهِمَا ، وَالْتِزَامِهِ لِوَصْفَيْهِمَا . وَعَبَّرَتْ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِكَلِمَةٍ وَكَلِمَةٍ . كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ ، حَسَنَةُ التَّرْكِيبِ ، مَعَ جِمَالِهِمَا فِي اللَّفْظِ ، وَمُنَاسَبَتِهِمَا فِي الْوَزْنِ ، وَسُهُولَتِهِمَا فِي النُّطْقِ .
(وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَكَسْرِ الْهَاءِ . أَيْ عَمَّا لَهُ عَهْدٌ فِي الْبَيْتِ ؛ مِنْ مَالِهِ إِذَا فَقَدَهُ: لِتَمَامِ كَرَمِهِ . وَزَادَ
الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، فِي آخِرِهِ :
[ ص: 432 ] "وَلَا يَرْفَعُ الْيَوْمَ لِغَدٍ" . أَيْ : لَا يَدَّخِرُ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ ، مِنْ أَجْلِ غَدٍ. فَكَنَّتْ بِذَلِكَ : عَنْ غَايَةِ جُودِهِ .
وَيُحْتَمَلُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهَا : "فَهِدٌ" عَلَى تَفْسِيرِهِ "بِالْوُثُوبِ عَلَيْهَا لِلْجِمَاعِ" : الذَّمُّ ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَلِيظُ الطَّبْعِ ، لَيْسَتْ عِنْدَهُ مُدَاعَبَةٌ قَبْلَ الْمُوَاقَعَةِ ، بَلْ يَثِبُ وُثُوبَ الْوَحْشِ . أَوْ أَنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ ، يَبْطِشُ بِهَا وَيَضْرِبُهَا . وَإِذَا خَرَجَ عَلَى النَّاسِ : كَانَ أَمْرُهُ أَشَدَّ فِي الْجُرْأَةِ وَالْإِقْدَامِ وَالْمَهَابَةِ ، كَالْأَسَدِ . وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا تَغَيَّرَ مِنْ حَالِهَا ، حَتَّى لَوْ عَرَفَ أَنَّهَا مَرِيضَةٌ ، أَوْ مُعْوَزَةٌ ، وَغَابَ ثُمَّ جَاءَ : لَا يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَتَفَقَّدُ حَالَ أَهْلِهِ وَلَا بَيْتِهِ ، بَلْ إِنْ ذَكَرَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ : وَثَبَ عَلَيْهَا بِالْبَطْشِ ، وَالضَّرْبِ.
(قَالَتِ) الْمَرْأَةُ (السَّادِسَةُ) . وَاسْمُهَا:
"هِنْدٌ" تَذُمُّ زَوْجَهَا : (زَوْجِي : إِنْ أَكَلَ : لَفَّ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ . "فِعْلٌ مَاضٍ" : أَيْ : أَكْثَرَ الْأَكْلَ مِنَ الطَّعَامِ ، مَعَ التَّخْلِيطِ مِنْ صُنُوفِهِ ، حَتَّى لَا يُبْقِيَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ نَهْمَتِهِ وَشَرَهِهِ.
وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيِّ : "إِذَا أَكَلَ اقْتَفَّ" أَيْ : جَمَعَ وَاسْتَوْعَبَ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14961عِيَاضٌ ؛ أَنَّهُ رُوِيَ : "رَفَّ" . قَالَ : وَهِيَ بِمَعْنَى : "لَفَّ" .
[ ص: 433 ] قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : الْأَقْرَبُ إِلَى سِيَاقِهَا، أَنَّ مُرَادَهَا : ذَمُّهُ بِأَنَّهُ : إِنْ أَكَلَ لَمْ يُبْقِ شَيْئًا لِلْعِيَالِ ، وَأَكَلَ الطَّعَامَ بِالِاسْتِقْلَالِ . وَاحْتِمَالُ إِرَادَةِ الْمَدْحِ - بِأَنَّهُ إِنْ أَكَلَ : تَنَعَّمَ بِأَكْلِ صُنُوفِ الطَّعَامِ - : بَعِيدٌ مِنَ الْمَقَامِ .
(وَإِنْ شَرِبَ : اشْتَفَّ) أَيِ : اسْتَقْصَى مَا فِي الْإِنَاءِ . وَرُوِيَ "بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ" وَهُوَ بِمَعْنَاهُ .
قَالَ
النَّوَوِيُّ : "الِاشْتِفَافُ فِي الشُّرْبِ" : أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ مَا فِي الْإِنَاءِ. مَأْخُوذٌ مِنَ "الشُّفَافَةِ" ، بِضَمِّ الشِّينِ . وَهِيَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ . فَإِذَا شَرِبَهَا : قِيلَ : اشْتَفَّهَا وَتَشَافَّهَا .
قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : فَإِنْ أُرِيدَ الذَّمُّ - وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهَا-، فَالْمَعْنَى : أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمَاءَ كُلَّهُ ، وَلَا يَتْرُكُ شَيْئًا لِعِيَالِهِ . وَإِنْ أُرِيدَ الْمَدْحُ ، فَالْمَعْنَى : أَنَّهُ يَشْرَبُ كُلَّ الشَّرَابِ مَعَ أَهْلِهِ ، وَلَا يَدَّخِرُ شَيْئًا مِنْهُ لِغَدٍ .
قَالَ (فِي التُّحْفَةِ) : نَزَّلَ "أَكَلَ ، وَشَرِبَ" مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ - مَعَ أَنَّهُمَا مُتَعَدِّيَانِ - : إِشْعَارًا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ : نَفْسُ صُدُورِ الْفِعْلِ . وَلِيَذْهَبَ السَّامِعُ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ : فِي الْمَأْكُولِ ، وَالْمَشْرُوبِ . انْتَهَى.
(وَإِنِ اضْطَجَعَ) نَامَ (الْتَفَّ) فِي ثِيَابِهِ وَحْدَهُ ، فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ ، وَانْقَبَضَ عَنْهَا . فَهِيَ كَئِيبَةٌ لِذَلِكَ . قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : هَذَا ذَمٌّ صَرِيحٌ ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ . وَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ : لِلذَّمِّ .
[ ص: 434 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : هَذَا ذَمٌّ . أَرَادَتْ : وَإِنِ اضْطَجَعَ وَرَقَدَ الْتَفَّ فِي ثِيَابِهِ ، فِي نَاحِيَةٍ ، وَلَمْ يُضَاجِعْنِي ، لِيَعْلَمَ: مَا عِنْدِي مِنْ مَحَبَّتِهِ.
(وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ) أَيْ : لَا يُدْخِلُ كَفَّهُ دَاخِلَ ثَوْبِي (لِيَعْلَمَ الْبَثَّ) أَيِ : الْحُزْنُ الَّذِي عِنْدِي ، عَلَى عَدَمِ الْحُظْوَةِ مِنْهُ . فَجَمَعَتْ فِي ذَمِّهَا لَهُ : بَيْنَ اللُّؤْمِ ، وَالْبُخْلِ ، وَسُوءِ الْعَشْرَةِ مَعَ أَهْلِهِ ، وَقِلَّةِ رَغْبَتِهِ فِي النِّكَاحِ ، مَعَ كَثْرَةِ شَهْوَتِهِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ . وَهَذَا غَايَةُ الذَّمِّ عِنْدَ الْعَرَبِ . فَإِنَّهَا تَذُمُّ : بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ . وَتَتَمَدَّحُ بِقِلَّتِهِمَا ، وَبِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ : لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الذُّكُورِيَّةِ ، وَالْفُحُولِيَّةِ .
قَالَ
النَّوَوِيُّ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ : أَحْسَبُهُ كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ ، أَوْ دَاءٌ كَنَّتْ بِهِ : لِأَنَّ الْبَثَّ "الْحُزْنُ" . فَكَانَ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي ثَوْبِهَا ، لِيَمَسَّ ذَلِكَ فَيَشُقُّ عَلَيْهَا. فَوَصَفَتْهُ : بِالْمُرُوءَةِ وَكَرَمِ الْخُلُقِ. وَتَعَقَّبَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّهَا قَدْ ذَمَّتْهُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ. فَكَيْفَ تَمْدَحُهُ فِي آخِرِهِ؟ وَأَجَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ تَجْمَعَ الْمَرْأَةُ بَيْنَ مَثَالِبِ زَوْجِهَا وَمَنَاقِبِهِ ، لِأَنَّهُنَّ تَعَاقَدْنَ : أَنْ لَا يَكْتُمْنَ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ . فَمِنْهُنَّ : مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُ زَوْجِهَا كُلُّهَا حَسَنَةً ، فَوَصَفَتْهَا. وَمِنْهُنَّ : مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُ زَوْجِهَا كُلُّهَا قَبِيحَةً ، فَذَكَرَتْهَا . وَمِنْهُنَّ : مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُهُ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ ، فَذَكَرَتْهَا.
[ ص: 435 ] قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَإِلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ ،
وَابْنِ قُتَيْبَةَ : ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14228الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ . انْتَهَى. قَالَ فِي التُّحْفَةِ : وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ : أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ ، لَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ . عَلَى أَنَّهُ إِنْ سَبَقَتِ الْجُمَلُ الْأُولَى لِلذَّمِّ ، وَهَذِهِ لِلْمَدْحِ : لَا يَصِحُّ إِلَى آخِرِ مَا قَالَ . وَلَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ .
قَالَ
الْقَسْطَلَانِيُّ : وَفِي كَلَامِ هَذِهِ مِنَ الْبَدِيعِ : "الْمُنَاسَبَةُ ، وَالْمُقَابَلَةُ" فِي قَوْلِهَا : "إِنْ أَكَلَ ، وَإِنْ شَرِبَ" . وَالِالْتِزَامُ ، فَإِنَّهَا الْتَزَمَتِ "التَّاءَ" قَبْلَ الْقَافِيَةِ ، وَقَافِيَةُ سَجْعِهَا الْفَاءُ.
وَفِيهِ : "التَّرْصِيعُ" وَهُوَ حُسْنُ التَّقْسِيمِ، وَ "التَّتَبُّعُ" ، وَ "الْإِرْدَافُ" . وَهُوَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَاتِ ، وَالْإِشَارَاتِ . وَهُوَ التَّعْبِيرُ بِالشَّيْءِ : بِأَحَدِ تَوَابِعِهِ . وَكُلٌّ مِنَ الْكِنَايَاتِ الْحِسِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا : "الْتَفَّ" وَاكْتَفَتْ بِهِ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا ، وَقِلَّةِ الِاشْتِغَالِ بِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
(قَالَتِ) الْمَرْأَةُ (السَّابِعَةُ) ، وَاسْمُهَا
"حُبَّى بِنْتُ عَلْقَمَةَ" تَذُمُّ زَوْجَهَا : (زَوْجِي غَيَايَاءُ) مَأْخُوذٌ مِنْ "الْغَيِّ" ، الَّذِي هُوَ "الْخَيْبَةُ" . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=59فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا أَوْ مِنَ "الْغَيَايَةِ" وَهِيَ الظُّلْمَةُ . وَكُلُّ مَا أَظَلَّ الشَّخْصَ .
وَمَعْنَاهُ : لَا يَهْتَدِي إِلَى مَسْلَكٍ . أَوْ أَنَّهَا : وَصَفَتْهُ بِثِقَلِ الرُّوحِ . قَالَ (فِي التُّحْفَةِ) : لَكِنْ لَا يُوجَدُ مِنْهُ أَثَرٌ فِي اللُّغَةِ . انْتَهَى. أَوْ أَنَّهُ : كَالظِّلِّ
[ ص: 436 ] الْمُتَكَاثِفِ الْمُظْلِمِ ، الَّذِي لَا إِشْرَاقَ فِيهِ . أَوْ أَنَّهَا : أَرَادَتْ أَنَّهُ غُطِّيَتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ . أَوْ يَكُونُ مِنْ "الْغَيِّ" وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ . قَالَهُ
النَّوَوِيُّ .
قَالَ (فِي التُّحْفَةِ) : مَأْخُوذٌ مِنَ "الْغَيَايَةِ" دُونَ الْغَيِّ كَمَا تَوَهَّمَ
الْقَسْطَلَانِيُّ . فَإِنَّهُ "يَائِيٌّ" ، وَالْغَيُّ وَاوِيٌّ . قَالَ : "وَالْغَيَايَةُ" : قَعْرُ الْبِئْرِ . أَيْ : قَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، كَأَنَّهُ فِي قَعْرِ بِئْرٍ ، أَوْ تَحْتَ ظُلَّةٍ مُظْلِمَةٍ .
45 (أَوْ عَيَايَاءُ) 45 قَالَ
النَّوَوِيُّ : هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : بِالْمُعْجَمَةِ ، وَبِالْمُهْمَلَةِ . وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ : "بِالْمُعْجَمَةِ" . وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ ، وَغَيْرُهُ : "الْمُعْجَمَةَ" . وَقَالُوا : الصَّوَابُ : "الْمُهْمَلَةُ" : وَهُوَ الَّذِي لَا يُلَقِّحُ وَلَا يَضْرِبُ: مِنَ الْإِبِلِ .
وَقِيلَ : هُوَ "الْعِيُّ" الَّذِي تُعْيِيهِ : مُبَاضَعَةُ النِّسَاءِ ، وَيَعْجِزُ عَنْهَا ..
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ : "بِالْمُعْجَمَةِ" صَحِيحٌ . وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ "الْغَيَايَةِ" كَمَا تَقَدَّمَ . وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي.
وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : هُوَ تَنْوِيعٌ مِنَ الزَّوْجَةِ الْقَائِلَةِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ
"أَبُو يَعْلَى" فِي رِوَايَتِهِ ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ .
قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : يَحْتَمِلُ : أَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّعْبِيرِ ؛ فَإِمَّا أَنْ تُعَبِّرَ بِالْأُولَى ، أَوِ الثَّانِيَةِ . أَوْ أَنَّهَا بِمَعْنَى "بَلْ" .
(طَبَاقَاءُ) مَعْنَاهُ : الْمُطْبِقَةُ عَلَيْهِ أُمُورُهُ حُمْقًا ، فَلَا يَهْتَدِي لَهَا .
[ ص: 437 ] وَقِيلَ : الَّذِي يَعْجِزُ عَنِ الْكَلَامِ ، فَتَنْطَبِقُ شَفَتَاهُ .
وَقِيلَ : هُوَ الْأَحْمَقُ الْعِيُّ الْفَدْمُ.
وَقِيلَ : الَّذِي لَا يُحْسِنُ الضِّرَابَ . أَوِ الثَّقِيلُ الصَّدْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ ، يُطْبِقُ صَدْرَهُ عَلَى صَدْرِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْجِمَاعِ ، فَيَرْتَفِعُ سُفْلُهُ عَنْهَا ، فَلَا تَسْتَمْتِعُ بِهِ . وَقَدْ ذَمَّتِ امْرَأَةٌ
"امْرَأَ الْقَيْسِ" ، فَقَالَتْ لَهُ : "ثَقِيلُ الصَّدْرِ خَفِيفُ الْعَجُزِ ، سَرِيعُ الْإِرَاقَةِ بَطِيءُ الْإِفَاقَةِ" .
وَلَفْظُ
الْبَيْجُورِيِّ : مُفْحِمٌ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ، فَلَا يُنْطَقُ بِهِ . أَوْ عَاجِزٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَالْوِقَاعِ . أَوْ يَنْطَبِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا عَلَا عَلَيْهَا لِثِقَلِهِ ، فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ : الْإِيذَاءُ وَالتَّعْذِيبُ .
وَقَالَ (فِي التُّحْفَةِ) : يُقَالُ : "عَيَايَاءُ ، طَبَاقَاءُ" إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبَيَانِ . قَالَ: وَتَطْبِيقُ الرَّجُلِ : مَكْرُوهٌ عِنْدَ النِّسَاءِ . وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ ثَقِيلَ الصَّدْرِ خَفِيفَ الْكِفْلِ : لَا يُصِيبُ "أَيْرُهُ" إِلَى مَا تُرِيدُ الْمَرْأَةُ إِصَابَتَهُ إِلَيْهِ ، بَلْ قَدْ يَخْرُجُ . انْتَهَى .
قَالَ: وَذَمَّتْهُ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوَطْءِ: لَمَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْجُبْنِ ، وَضَعْفِ الْقَلْبِ . وَبِالْقُوَّةِ عَلَى الْوَطْءِ: عَلَى الشَّجَاعَةِ .
[ ص: 438 ] قَالَ (فِي الْأَغَانِي) : نَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ
بِالشَّامِ : فَفَعَلَ بِهَا ثَمَانَ مَرَّاتٍ ، فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ . فَقَالَتْ لَهُ : أَهَكَذَا تَفْعَلُونَ بِنِسَائِكُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَتْ: بِهَذَا نُصِرْتُمْ ، وَظَفَرْتُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ.
وَنِسَاءُ الْعَرَبِ : كُنَّ يُبْغِضْنَ الْجَبَانَ . وَكَذَلِكَ : يَكْرَهْنَ الْعَاجِزَ عَنِ الْبَيَانِ . وَلِذَلِكَ : ذَمَّتْهُ بِالْعَيِّ ، وَانْطِبَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
(كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ) . أَيْ : كُلُّ مَا تَفَرَّقَ فِي النَّاسِ - مِنْ مَعَايِبَ: مَوْجُودٌ فِيهِ . وَلَفْظُ
النَّوَوِيِّ : أَيْ جَمِيعُ أَدْوَاءِ النَّاسِ مُجْتَمِعَةٌ فِيهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961عِيَاضٌ : فِي هَذَا مِنْ لَطِيفِ الْوَحْيِ وَالْإِشَارَةِ : الْغَايَةُ ؛ لِأَنَّهُ انْطَوَى تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ : كَلَامٌ كَثِيرٌ .
قَالَ (فِي التُّحْفَةِ) : الدَّاءُ : "الْمَرَضُ" . وَالْمُرَادُ بِهِ : مَا يَعْنِي الْمَرَضَ النَّفْسَانِيَّ : مِنَ الْجُبْنِ ، وَالْحُمْقِ ، وَالْعِيِّ بِالْكَلَامِ وَالْجِمَاعِ ، وَسُوءِ الْخُلُقِ ، وَنَحْوِهَا . قَالَ: "وَالظَّرْفُ" أَعْنِي "لَهُ" : صِفَةً لَهُ ؛ فَالدَّاءُ الثَّانِي : مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ . وَمَعْنَاهُ : "الْبَالِغُ الْمُتَنَاهِي" فِي مَعْنَى الدَّائِيَّةِ . أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّانِي . وَهُوَ بِمَعْنَى الْعَارِضِ. فَإِنَّ الِاسْمَ الْجَامِدَ
[ ص: 439 ] إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ ظَرْفٌ : يُؤَوَّلُ بِالْمُشْتَقِّ . قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : أَيْ : كُلُّ دَاءٍ يُعْرَفُ فِي النَّاسِ ، فَهُوَ دَاءٌ لَهُ . لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ : سَائِرُ الْعُيُوبِ ، وَالْمَصَائِبِ .
(شَجَّكِ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْجِيمِ ، وَكَسْرِ الْكَافِ : أَيْ "أَصَابَكِ بِشَجَّةٍ فِي رَأْسِكِ" . وَلَفْظُ
النَّوَوِيِّ : جَرَحَكِ فِي الرَّأْسِ . "فَالشِّجَاجُ" : جِرَاحَاتُ الرَّأْسِ ، وَالْجِرَاحُ فِيهِ وَفِي الْجَسَدِ . انْتَهَى.
قَالَ
الْبَيْجُورِيُّ : "شَجَّكِ" أَيْ : إِنْ ضَرَبَكِ : جَرَحَكِ . بِكَسْرِ الْكَافِ ، لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِمُؤَنَّثٍ ، وَهُوَ نَفْسُهَا . وَكَذَا قَوْلُهُ : (أَوْ فَلَّكِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ : أَيْ كَسَرَكِ .
قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِالْفَلِّ: الطَّرْدُ ، وَالْإِبْعَادُ . انْتَهَى .
قَالَ
النَّوَوِيُّ : "الْفَلُّ" : الْكَسْرُ ، وَالضَّرْبُ . وَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا مَعَهُ : بَيْنَ شَجِّ رَأْسٍ ، وَضَرْبٍ وَكَسْرِ عُضْوٍ، أَوْ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْفَلِّ هُنَا : الْخُصُومَةُ .
وَعِبَارَةُ
الْقَسْطَلَانِيِّ : أَيْ : أَصَابَكِ بِجُرْحٍ فِي جَسَدِكِ ، أَوْ كَسَرَكِ ، أَوْ ذَهَبَ بِمَالِكِ ، أَوْ قَسَرَكِ بِخُصُومَةٍ .
[ ص: 440 ] وَزَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابْنُ السِّكِّيتِ ، فِي رِوَايَةٍ : "أَوْ بَجَّكِ" بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ. أَيْ : طَعَنَكِ فِي جِرَاحَتِكِ ، فَشَقَّهَا . وَالْبَجُّ : شَقُّ الْقُرْحَةِ .