الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              (أناس) بفتح الهمزة . أي : حك . من "النوس" وهو تحرك [ ص: 454 ] الشيء، متدليا .

                                                                                                                              قال النووي : "النوس" : الحركة من كل شيء متدل . يقال منه : "ناس ، ينوس ، نوسا . وأناسه غيره : إناسة" . انتهى.

                                                                                                                              زاد في "التحفة" : والمراد به: "الإثقال" . فإن الأذن إذا ثقلت : بالقرط ، والشنف: تحركت على التدلي .

                                                                                                                              (من حلي) بضم الحاء - وتكسر - وتشديد الياء : جمع "حلي" بفتح فسكون . وهو ما : "يتحلى" ، ويتزين به .

                                                                                                                              ولفظ النووي : "الحلي" بضم الحاء ، وكسرها : لغتان مشهورتان .

                                                                                                                              قال القسطلاني : "أناس من حلي" . أي : ملأ منه (أذني) بتشديد الياء ، على التثنية .

                                                                                                                              قال النووي : معناه : حلاني : قرطة ، وشنوفا ؛ فهي تنوس . أي : تتحرك لكثرتها .

                                                                                                                              ولفظ القسطلاني : ملأ أذني : من أقراط ، وشنف من ذهب ، ولؤلؤ، حتى تدلى ذلك، واضطرب : من كثرته ، وثقله .

                                                                                                                              قال وفي رواية ابن السكيت : "أذني وفرعي" بالتثنية. أي : يديها .

                                                                                                                              [ ص: 455 ] لأنهما : كالفرعين من الجسد . تريد : "حتى أذني ومعصمي" .

                                                                                                                              وقال البيجوري "أذني" بضمتين . أو بضم ، فسكون : مثنى "أذن" مضاف لياء المتكلم الساكنة ، لأجل السجع . والمراد : أنه حرك أذنيها من أجل ما حلاهما به.

                                                                                                                              وقال في التحفة : "الحلي" : كل ما يتزين به ، من المعدنيات : كالذهب ، والفضة : مثلا . والحلي : يعم "القرط ، والشنف ، والسوار ، والمعضد" وتنكيره: للتكثير . (وملأ من شحم عضدي) بتشديد الياء: تثنية "عضد" . قال في القاموس : بالفتح، وبالضم ، وبالكسر : ككتف ، وندس ، وعنق: ما بين المرفق إلى الكتف . وهما إذا هنا : سمن الجسد كله . نص عليه في "الفائق" .

                                                                                                                              فذكرها "العضدين" : للسجع . ودلالتهما على الباقي . فكأنها قالت : "أسمنني ، وملأ بدني شحما" . ويقال (لسمينة العضدين ، من النساء) : عضاد. وهن أحب إليهم.

                                                                                                                              وفي رواية : "لحم" مكان "شحم" ، والمراد : جعلني "سمينة" بالتربية في التنعم .

                                                                                                                              (وبجحني) بباء وجيم مشددة ، ثم حاء مفتوحة ، ثم نون مكسورة .

                                                                                                                              [ ص: 456 ] أي : عظمني : "فبجحت) بفتحات ، وسكون تاء : (إلي نفسي) .

                                                                                                                              قال النووي : "بجحت ، بكسر الجيم ، وفتحها : لغتان مشهورتان ، أفصحهما : الكسر . قال الجوهري : الفتح ضعيفة . والياء من "إلي" مشددة . وهو متعلق بمحذوف ، تقديره : "مائلة" .

                                                                                                                              والمعنى : فرحني ففرحت نفسي ، حال كونها : "مائلة إلي" . أو عظمني فعظمت نفسي ، حال كونها : "مائلة إلي" .

                                                                                                                              وقال ابن الأنباري : وعظمني فعظمت عند نفسي . يقال : "فلان يتبجح بكذا" . أي : يتعظم ويفتخر . وقال القسطلاني : أو فخرني ففخرت . أو وسع علي وترفني

                                                                                                                              وعند النسائي : "فبجح نفسي فتبجحت إلي نفسي" أي : فرحني ففرحت .

                                                                                                                              (وجدني في أهل غنيمة) بضم المعجمة : "تصغير غنم" . وأنث على إرادة الجماعة. تقول : إن أهلها كانوا ذوي غنم ، وليسوا أصحاب إبل ، ولا خيل .

                                                                                                                              و "الغنم" يشمل الضأن ، والمعز . "والتنكير" : للتقليل . أي : في أهل غنم قليلة .

                                                                                                                              [ ص: 457 ] (بشق) : بكسر الشين عند المحدثين . وبفتحها عند غيرهم من أهل اللغة .

                                                                                                                              قال أبو عبيد : هو بالفتح . والمحدثون يكسرونه . قال : وهو اسم موضع . وقال الهروي : الصواب الفتح .

                                                                                                                              قال ابن الأنباري : هو بالكسر والفتح . وهو موضع.

                                                                                                                              أو هو بالكسر . أي مشقة : من ضيق العيش وشظفه ، والجهد . قاله القتيبي ونفطويه . قال عياض : هذا عندي أرجح . واختاره أيضا غيره .

                                                                                                                              قال (في التحفة) : وهو أنسب بالمقام . كما يقتضيه لفظ "غنيمة" . انتهى .

                                                                                                                              وقيل : "بشق جبل" - أي ناحيته - كانوا يسكنونه لقلتهم ، وقلة غنمهم . قاله ابن أبي أويس ؛ وابن حبيب.

                                                                                                                              وبالفتح : شق في الجبل ، كالغار فيه . فحصل ههنا ثلاثة أقوال.

                                                                                                                              (فجعلني في أهل صهيل) : صوت خيل . وأهل (أطيط) : صوت إبل ، من ثقل حملها .

                                                                                                                              [ ص: 458 ] وزاد النسائي "وجامل" . وهو : جمع جمل . أو اسم فاعل "لمالك الجمال" ، كقوله : "لابن وتامر" .

                                                                                                                              قال النووي : "الصهيل" : أصوات الخيل . "والأطيط" : أصوات الإبل ، وحنينها . والعرب : لا تعتد بأصحاب الغنم ، وإنما يعتدون بأهل الخيل ، والإبل . زاد (في التحفة) : والعرب تصف النساء "بأنهن لا يرعين الضأن والغنم ، ولا يظهرن في حر السمائم.

                                                                                                                              وأهل (دائس) . وهو الذي يدوس الزرع في بيدره : ليخرج الحب من السنبل .

                                                                                                                              قال الهروي ، وغيره : يقال : "داس الطعام" : درسه .

                                                                                                                              وقيل "الدائس" : الأندر.

                                                                                                                              وقال (في التحفة) : "الدائس" : الدابة التي تدوس الحصاد .

                                                                                                                              (ومنق) بضم الميم ، وفتح النون ، وتشديد القاف . ومنهم : من يكسر النون .

                                                                                                                              قال النووي : والصحيح المشهور : فتحها. قال أبو عبيد : هو [ ص: 459 ] بفتحها . قال : والمحدثون يكسرونها . ولا أدري ما معناه .

                                                                                                                              قال عياض : روايتنا فيه : بالفتح . وقاله "ابن أبي أويس" : بالكسر. وهو من "النقيق" . وهو أصوات المواشي . تصفه : بكثرة أمواله . ويكون "منق" من "أنق" : إذا صار "ذا نقيق" . أو دخل في "النقيق" .

                                                                                                                              والصحيح (عند الجمهور) : فتحها. والمراد به : "الذي ينقي الطعام" ، أي : يخرجه من تبنه وقشوره . وهذا أجود من قول الهروي : هو الذي ينقيه بالغربال .

                                                                                                                              والمقصود : أنه صاحب زرع ، ويدوسه ، وينقيه.

                                                                                                                              والمعنى : أنه نقلها من شدة العيش وجهده ، إلى الثروة الواسعة : من الخيل ، والإبل ، والزرع.

                                                                                                                              قال (في التحفة) : "المنقي" : من ينقي الطعام : من العصف . وهذا أظهر . وقال : وفيه : أن "النقيق" : صوت الضفدع ، والدجاجة ، والهرة ، والرخمة ، لا صوت الأنعام . وقد يوجه بأن معناه : جعلني في "أهل منق" يطرد الدجاج ، والرخم : عن الزرع . فإذا طردها : صار "ذا نقيق" . قال : وقد يوجه : "بذابح الطير" . فإن الطير تنق عند الذبح ، فيصير الذابح "ذا نقيق" . انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 460 ] (فعنده) . أي : عند زوجي (أقول) . وفي رواية الزبير : "أتكلم" .

                                                                                                                              (فلا أقبح) بضم الهمزة ، وفتح القاف ، وتشديد الباء ، مبنيا للمفعول . أي : لا يقبح قولي ، فيرد . بل يقبل مني .

                                                                                                                              قال القسطلاني : أي : فلا يقول لي : "قبحك الله" . أو لا يقبح قولي : لكثرة إكرامه لي ، لمحبته لي ، ورفعة مكاني عنده .

                                                                                                                              ولفظ البيجوري : أي : أتكلم عنده بأي كلام ، فلا ينسبني إلى القبح : لكرامتي عليه ، ولحسن كلامي لديه . فإنه ورد : "حبك الشيء : يعمي ويصم ، أي : يعميك عن : أن تنظر عيوبه ، ويصمك : أن تسمع مثالبه.

                                                                                                                              قال (في التحفة) : خضت . القول بالذكر : لما أن تقبيح القول ، وإنكاره : كان عارا عندهم . ويفتخرون : بأن قولهم قبل ، ولا يرده أحد. ومنه : وكلمة الله هي العليا . قال الغساني :


                                                                                                                              وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول



                                                                                                                              ولم تذكر "مفعول القول" : إيذانا بأن كل قول تقوله : مقبول عنده .

                                                                                                                              وقالت : "لا أقبح" مجهولا: لما فيه من الإشعار : بأنه لا يقبحها [ ص: 461 ] هو، ولا غيره . مع ما فيه من رعاية حسن السجع ، ومراعاة نوع من الطباق ، من حيث الجمع بين : المعروف ، والمجهول .

                                                                                                                              (وأرقد فأتصبح) أي : أنام "الصبحة" . وهي بعد الصباح . أي : أنها مكفية بمن يخدمها ، فتنام .

                                                                                                                              ولفظ القسطلاني : "أنام نوم أول النهار ، فلا أوقظ ؛ لأن لي من يكفيني مؤنة بيتي ، ومهنة أهلي .

                                                                                                                              وعبارة البيجوري : "أي : أدخل في الصبح فيرفق بي ، ولا يوقظني لخدمته ومهنته . لأني محبوبة إليه، ومعظمة لديه ، مع استغنائه عني بالخدم : التي تخدمه ، وتخدمني" . والمعاني متقاربة .

                                                                                                                              زاد (في التحفة) : خصت النوم ، لما أنه يدل على راحة نفسانية وجسمانية ، فإن الإخلال بإحداهما: يخل بالنوم . وقالت : "أتصبح" : لما كان "نوم الصبح" : أحب إليهن . ولذا قيل - في وصف عائشة بنت طلحة - : إنها كانت نائمة متصبحة . وكان عليها عقد من لآلئ قيمتها : "عشرون ألف دينار" ، فقالت: نومي هذا ، أحب إلي من هذه اللآلئ. ومع هذا ؛ فيه إشعار بكثرة الخوادم ، حيث لا يحتاج إلى إيقاظها . وكانوا يوقظون نساءهم "قبل طلوع الفجر" ، فيخرجون للصيد [ ص: 462 ] وغيره . انتهى.

                                                                                                                              (وأشرب) الماء ، أو اللبن ، أو غيره .

                                                                                                                              (فأتقنح) بالنون ، بعد القاف . هكذا هو في "جميع النسخ" . وقال البخاري : قال بعضهم : "فأتقمح" بالميم . قال : وهو أصح . وقال أبو عبيد : هو بالميم . قال : وبعض الناس يرويه بالنون ، ولا أدري ما هذا .

                                                                                                                              وقال آخرون : النون والميم صحيحتان . فأيهما معناه : أروى، حتى أدع الشراب : من شدة الري .

                                                                                                                              ومنه : "قمح البعير ، يقمح" : إذا رفع رأسه من الماء بعد الري .

                                                                                                                              ومن قاله بالنون ، فمعناه : أقطع المشرب، وأتمهل فيه.

                                                                                                                              وقيل : هو الشرب بعد الري .

                                                                                                                              قال أهل اللغة : "قنحت الإبل" إذا تكارهت . وتقنحته أيضا. قاله النووي .

                                                                                                                              [ ص: 463 ] وقال القسطلاني : بهمزة مفتوحة ، فقاف منونة مشددة ، (لأبي ذر) مفتوحات ، فحاء مهملة ؛ أي : أشرب كثيرا ، حتى لا أجد مساغا . أو لا أتقلل من مشروبي ، ولا يقطع علي : حتى تتم شهوتي منه .

                                                                                                                              وفي رواية الهيثم : "وآكل فأتمنح" أي : أطعم غيري . يقال : "منحه يمنحه" : إذا أعطاه .

                                                                                                                              وأتت بالألفاظ كلها بوزن "أتفعل" : لتفيد تكرر ذلك ، وملازمته مرة بعد أخرى . ومطالبة نفسها ، أو غيرها : بذلك . وأغرب أبو عبيد فقال : لا أراها قالت : "فأتقمح" إلا لعزة الماء عندهم . أي : فلذلك فخرت بالري من الماء . وتعقب بأن السياق : ليس فيه ذكر الماء؛ فهو محتمل له ، ولغيره من الأشربة .

                                                                                                                              قيل : فإن لم تثبت رواية الهيثم : "وآكل فأتمنح" ؛ ففي اقتصارها على ذكر الشرب : إشارة إلى أن المراد به : "اللبن" ، لأنه هو الذي يقوم مقام الطعام والشراب .

                                                                                                                              ولغير أبي ذر : "فأتقمح" بالميم ، بدل النون ، كما ذكره المصنف [ ص: 464 ] - يعني البخاري - عن بعضهم . وقال : إنها أصح . فقول عياض : إنه لم يقع في الصحيحين إلا بالنون ، ورواه الأكثر في غيرهما بالميم : لا يخفى ما فيه . انتهى.

                                                                                                                              قال البيجوري : والمعنى : أنها لم تتألم منه لا من جهة المرقد، ولا من جهة المشرب . وإنما لم تذكر المأكل ؛ لأن الشرب مترتب عليه ، فيعلم منه . أو لأنه قد علم مما سبق . انتهى.

                                                                                                                              قلت : ويحتمل أن يكون "أشرب" : من الشراب . ويفهم منه عند الإطلاق : الماء فقط.

                                                                                                                              "وأتقمح" بالميم : من القمح ، وهو الحنطة . والمعنى: أني أشرب : شربا سائغا ، وآكل أكلا ذريعا ، ولا ضيق علي في طعام ولا في شراب ، بل هما حاصلان لي في أرغد عيش وأطيب حياة . ولكن لا يقبل هذا الاحتمال : حتى يشهد له قول من أهل اللغة ، أو علماء الفقه والحديث .

                                                                                                                              (أم أبي زرع ) . لما مدحت "أبا زرع" : انتقلت إلى مدح "أمه" ، مع ما جبل عليه النساء : من كراهة "أم الزوج" غالبا ، إعلاما بأنها : في نهاية حسن الخلق ، وكمال الإنصاف . (فما أم أبي زرع ؟) الفاء [ ص: 465 ] للتعقيب . تعني : أنها دونه، وشأنها دون شأنه. قال (في التحفة) : ومثلها : الفاءات الآتية .

                                                                                                                              قال البيجوري : استفهام تعظيم وتفخيم . وقرنته بالفاء هنا : لأنه متسبب عن التعجب من ولدها " أبي زرع " . (عكومها) : بضم العين ، والكاف ، والميم .

                                                                                                                              قال أبو عبيد ، وغيره : "العكوم" : الأعدال ، والأوعية : التي فيها الطعام ، والأمتعة . واحدها : "عكم" بكسر العين .

                                                                                                                              وفي القسطلاني : أي : أعدالها، وغرائرها: التي تجمع فيها أمتعتها . أو نمطها : الذي تجعل فيه ذخيرتها . ذكره في القاموس ، وغيره .

                                                                                                                              وقال (في التحفة) : "العكوم" جمع "عكم" ، بمعنى : "الكارة" . وهو المقدار المعلوم من الطعام ، وما يحمل على الظهر من الثياب . لا جمع "عكم" بمعنى العذل ، فإنه يجمع على "أعكام" . نص عليه في "القاموس" .

                                                                                                                              قال: والقول بأن المراد بها : "أكفالها" بعيد جدا ؛ فإن ثقل الأكفال يوصف به "الحسان من النساء" . والرجل لا يوصف "بحسن الأم" . على [ ص: 466 ] أنه: لا تناسب بين ثقل الأكفال، (وفسحة البيت المراد بها : كثرة الأضياف) . ولابد في العطف بالواو من ذلك. انتهى.

                                                                                                                              (رداح) بفتح الراء ، والدال . أي : "عكومها كلها" رداح ثقيلة ، فوصفها "بالثقل" : لكثرة ما فيها من المتاع ، والثياب . وقال (في النهاية) : أي : "ثقيلة الكفل" .

                                                                                                                              قال النووي : "رداح" أي : عظام كبيرة . ومنه قيل للمرأة : "رداح" ، إذا كانت "عظيمة الأكفال" . فإن قيل : "رداح مفردة" ، فكيف وصف بها "العكوم" ، والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد ؟ فجوابه : "ما قال عياض" ؛ أنه أراد : "كل عكم" منها : رداح . أو يكون "رداح" هنا : مصدرا ، كالذهاب . انتهى.

                                                                                                                              قال البيجوري : "الرداح" بفتح أوله ، وروي "بكسره" : العظيمة ، الثقيلة ، الكثيرة . قال (في التحفة) : "الرداح" بالمهملات [ ص: 467 ] الثلاث: "كسحاب" : المرأة الثقيلة الأوراك ، والكبش الضخم الإلية ، والجفنة العظيمة ، والجمل المثقل حملا.

                                                                                                                              قال: فإن أخذ "بأحد هذه المعاني" ؛ ففيه تشبيه . ووجه الشبه : هو الثقل . وحمله "على العكوم" : حمل المشبه به على المشبه . كما في "زيد أسد" .

                                                                                                                              وإن أخذ بمعنى "الثقيلة العظيمة" - ويقع على المؤنث الواحد - ؛ فحمله عليه : من حيث إنه "جمع ما لا يعقل" ، وله حكم الواحد المؤنث . ولذا قال تعالى : من آيات ربه الكبرى .

                                                                                                                              (وبيتها فساح) : بفتح الفاء وتخفيف السين . أي : واسع كبير .

                                                                                                                              و "الفسيح" مثله . هكذا فسره الجمهور .

                                                                                                                              قال عياض : يحتمل أنها أرادت : كثرة الخير ، والنعمة .

                                                                                                                              قال البيجوري : "فساح" ، أي : وسيع . "وسعة البيت" : دليل لسعة الثروة ، وسبوغ النعمة.

                                                                                                                              وفي رواية : "فياح" ، بفتح الفاء . وهو بمعنى الرواية الأولى . أي : واسع. قال: فالمآل واحد . انتهى.

                                                                                                                              وقال (في التحفة) : "الفساح ، بالضم : أبلغ من "الفسيح" ، [ ص: 468 ] كالطوال "من الطويل" ، والكبار "من الكبير" . وفسحة البيت ، والدار ، والفناء . يكنى بها عن : "كثرة الأضياف" .

                                                                                                                              تقول : "أم أبي زرع " ، كاراتها ثقيلة ؛ لا ترفع عن الأرض ، ولا تحمل على حامل . أو كثقيلة الأكفال : لا تستطيع القيام دون التكلف . أو كجفنة عظيمة : تحوي ثريدا كثيرا ، ولا تبرح مكانها . أو ككبش ضخم الإلية : يشق عليه المشي . أو كجمل مثقل : كل) عن السير . فهي (ذات وجد ووسع) : تنزل عليها الأضياف ، وتسكن إليها اليتامى والأرامل . فهي ذات خير وكرم .

                                                                                                                              وصفتها : "بكثرة الطعام" أولا ، لما أنها : ملاك كثرة الإطعام . ثم وصفتها: "بكثرة الإطعام والقرى" ، لما أنها : خلاف ما خلقت عليه النساء ؛ من اللوم والبخل، حتى إنهن يأمرن أزواجهن : بالإمساك . ويلمنهم : على البذل ، والإسراف .

                                                                                                                              وفيه : رمز إلى أن "شيمة أبي زرع " : أثرت فيها ، وأنه كان جوادا في بطن أمه. وفي نفس وصفها: إيماء إلى أنها كانت تحسن إليها، وتريحها . على خلاف ما تفعل النساء بأزواج الأبناء . انتهى.

                                                                                                                              قال القسطلاني : والحاصل : أنها وصفت "والدة زوجها" : بكثرة [ ص: 469 ] الآلات ، والأثاث ، والقماش . وأنها : واسعة المال ، كبيرة المنزل : لبر ابنها " أبي زرع " لها . وأنه : لم يطعن في السن ؛ لأن ذلك هو الغالب فيمن يكون له والدة . انتهى.

                                                                                                                              وهذا معنى قول التحفة : "وفي نفس ذكر الأم" : إيماء خفي إلى أن "أبا زريع" شاب ؛ لما أن الغالب فيمن يكون أمه حية : أن يكون شابا . ولا محل للإيراد ، فإن المقام خطابي .

                                                                                                                              و (ابن أبي زرع ) : ولم يسم . (فما ابن أبي زرع ؟) .

                                                                                                                              لما مدحت "أبا زرع" وأمه : انتقلت إلى مدح "ابنه" . أي : فأي شيء ابن أبي زرع ؟ والمقصود منه : التعظيم ، والتفخيم ، كما تقدم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              الخدمات العلمية