الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في رفع حكم الحدث بالتيمم والخلاف فيه]

                                                                                                                                                                                        واختلف في التيمم هل يرفع حكم الحدث أم لا؟ واختلف بعد القول: إنه لا يرفع حكم الحدث هل يصلي به صلوات إذا كان ممن لا طلب عليه كالمجدور والمحصوب والمريض الذي لا يقدر على مس الماء، أو مسافر بموضع لا يرجو الماء فيه.

                                                                                                                                                                                        فذهب غير واحد من البغداديين إلى أنه لا يرفع حكم الحدث.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في " المدونة" في الحائض ترى الطهر وتعدم الماء فتتيمم، قال: ليس لزوجها أن يطأها; لأن حكم التيمم طهر لما كانت فيه، فليس لزوجها أن يدخل عليها ما ينقض ذلك ، فأوقع على التيمم اسم الطهارة وأن المس ينقضها.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ فيمن تيمم ثم لبس خفيه قبل أن يصلي بذلك التيمم: أن له أن يمسح على الخفين متى أحدث .

                                                                                                                                                                                        وجعله بذلك التيمم في حكم من أدخل رجليه في الخف وهما طاهرتان. [ ص: 196 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القرطي: إذا تطهرت الحائض بالماء أو بالتيمم حل له ما كان محرما منها . وقال محمد بن مسلمة في المبسوط : المتيمم يؤم المتوضئين: لا بأس به . قال: لأنه قد تطهر بالتيمم الذي أمره الله -عز وجل- به كما يطهر بالماء الذي أمرهم الله به.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في " الموطأ" : ليس الذي وجد الماء بأطهر منه .

                                                                                                                                                                                        وأجمع هؤلاء على أن التيمم يرفع حكم الحدث، وهذا هو الصحيح من القول; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" فوصف التيمم بما وصف الله سبحانه به الماء بقوله -عز وجل-: وأنزلنا من السماء ماء طهورا [الفرقان: 48] ، ولا وجه للقول أنه تستباح به الصلاة ولا يرفع حكم الحدث، وهذا كلام متناف; لأن حكم الحدث إنما يمنع الصلاة، فإذا أبيحت بالتيمم ارتفع الحكم الأول وهو المنع، وقد قال أبو محمد عبد الوهاب في المتوضئ بالماء معنى رفع الحدث: إنما ينوي استباحة كل شيء كان الحدث مانعا منه .

                                                                                                                                                                                        وهذا كلام صحيح; لأن حكم الحدث قبل الوضوء يمنع الصلاة، فإذا توضأ استباحها، وإذا استباحها ارتفع حكم الحدث وهو المنع. [ ص: 197 ]

                                                                                                                                                                                        ولا يعترض هذا بكونه لا تؤدى به إلا صلاة واحدة; لأنا لو تعبدنا في الوضوء بالماء ألا نؤدي به إلا صلاة واحدة لم نقل إن حكم الحدث لتلك الصلاة لم يرتفع، وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -; أنه كان يرى أن الوضوء واجب لكل صلاة وأن ذلك باق إلى الآن لم ينسخ ، أفتراه يقول: إن حكم الحدث لم يرتفع للصلاة الواحدة؟!

                                                                                                                                                                                        وقيل أيضا: إن الفرض كان قبل فتح مكة أن يتوضأ لكل صلاة. ولا يصح أن يقال لم يكن حكم الحدث يرتفع لتلك الصلوات التي كانوا يصلونها قبل الفتح، ولا حكم للحدث إلا الامتناع من الصلاة قبل الوضوء والتيمم، وارتفاع حكمه ارتفاع الامتناع، وارتفاع الامتناع الاستباحة لما كان ممنوعا قبل.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية