الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        ولا يصلي فرضين بتيمم واحد ، واختلف في الإجزاء إن فعل ، ولا بأس أن يصلي نفلين، فأكثر بتيمم واحد إذا أتى بذلك متتابعا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان فرضا ونفلا نظرت، فإن قدم النفل استأنف التيمم للفرض كالفرضين . واختلف في الإجزاء إن هو لم يفعل، وإن قدم الفرض جاز له أن يعقبه بالنفل ، كالنفلين. وإن كان فرض وسنة فإن قدم الفرض جاز له أن [ ص: 198 ] يصلي به السنة، كالعشاء والوتر، وقاله ابن حبيب .

                                                                                                                                                                                        واستحب سحنون أن يستأنف التيمم للوتر، وإن قدم السنة كركعتي الفجر قبل صلاة الفجر استأنف التيمم لصلاة الفجر، واختلف إن هو لم يفعل فقال ابن القاسم: يعيد ما دام في الوقت، وقال أشهب : لا إعادة عليه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في " المدونة" فيمن تيمم لفرض فركع به ركعتين قبل أن يصلي ذلك الفرض، قال: فليعد التيمم; لأنه لما صلى به النفل انتقض تيممه. فعلى هذا يعيد وإن ذهب الوقت لأنه قال: انتقض تيممه .

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا فيمن تيمم للنفل فصلى به فرضا قبل أن يصلي به ذلك النفل، أو بعد ما صلاه: هل يعيد ما دام في الوقت أو أبدا ؟!

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا صلى فرضين بتيمم واحد على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال في كتاب محمد: إن فعل ذلك ناسيا أو جاهلا جمعهما أو فرقهما أعاد الآخرة في الوقت .

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: يعيدهما وإن ذهب الوقت.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ : إن جمعهما وهما من وقت واحد أعاد الآخرة في الوقت، وإن جمعهما وهما من وقتين مثل الصبح والظهر أعاد الآخرة وإن ذهب الوقت . ولم يذكر إذا فرقهما وهما من وقت واحد ، وقال مالك في " المدونة" في [ ص: 199 ] المجدور والمحصوب: يتيممان لكل صلاة أحدثا أو لم يحدثا .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب في بعض كتبه: من أصحابنا من يجيز أن يجمع في الفوائت . والمريض الذي لا يقدر على مس الماء . قال الشيخ -رحمه الله-: والصحيح إذا كان بموضع لا يرجو به الماء مثل المريض; لأنهما متساويان في سقوط الطلب. وقاله أبو الفرج في المنسيات إذا أتى بها في فور واحد أنه يصلي جميعها بتيمم واحد .

                                                                                                                                                                                        وقد تضمنت هذه المسائل أربعة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فالأول: وجوب التيمم لكل صلاة على أي حال كان المصلي من مرض أو غيره، وعلى أي حال كان الأداء من جمع أو تفرقة أو منسيات أو غير ذلك لإيجابه الإعادة وإن ذهب الوقت من غير اعتبار لشيء من هذه الوجوه.

                                                                                                                                                                                        واحتج من نصر هذا القول بقوله -عز وجل-: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا . . . الآية [المائدة: 6] ، فاقتضت تجديد الطهارة عند القيام لكل صلاة فسقط تجديد الطهارة بالماء لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى صلاتين من وقتين بتيمم واحد ، وعن الصحابة في ذلك أنهم قالوا: يجزئ أحدنا وضوءه ما لم يحدث ، ، وبقي التيمم على الأصل [ ص: 200 ] أنه يجب كلما قام إلى الصلاة.

                                                                                                                                                                                        والقول الثاني: أن تجديد التيمم استحباب; لأنه لم ير عليه إعادة إذا خرج الوقت، وإن فرق الأداء ولم يجمع ولم يعتبرها هل هي من وقت أو وقتين؟.

                                                                                                                                                                                        والحجة لهذا القول: الآية، وأن الله سبحانه أمر بالوضوء وبالتيمم عند عدم الماء، فكان الحكم أن ينوب منابه ويحل محله، وقد أبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد بقوله: إذا قمتم إلى الصلاة أنه ليس يجب كلما قام إلى الصلاة، وأن ذلك إذا انتقض الأول بأحد الأحداث المتقدم ذكرها في أول الكتاب، وليس فعله نسخا للتلاوة. وإذا كان ذلك لم ينتقض التيمم إلا بوجود الماء أو بأحد الأحداث.

                                                                                                                                                                                        والقول الثالث: ما حكاه أبو الفرج أنه يجوز أن تؤدى به صلوات كثيرة إذا توجه الخطاب بالأداء في وقت وكان الأداء متتابعا، فيكون في معنى القيام الواحد.

                                                                                                                                                                                        وإلى هذا يرجع قول أصبغ لأنه راعى فعلين: الجمع، وكونهما من وقت. ومحمل قوله في الإعادة على أنه عجل العصر وأشركها مع الظهر; لأنه لو فعل ذلك في الوضوء بالماء لأعاد العصر ما لم يذهب الوقت، ولو أخر الظهر ثم جمع بينهما في وقت العصر لم يعد لتوجه الخطاب فيهما حينئذ كالمنسيتين. وإن صلى الظهر في آخر القامة وصلى العصر في أول القامة الثانية أعاد العصر ما لم يذهب الوقت; لأنه تيمم لها قبل دخول وقتها المختار.

                                                                                                                                                                                        والرابع: تيمم من لا يقدر على مس الماء أنه يجوز له أن يصلي به صلوات لما كان ممن لا طلب عليه.

                                                                                                                                                                                        وفي جميع هذا نظر، والقياس أن لا فرق بين أن تكون الصلوات كلها [ ص: 201 ] فرضا أو كلها نفلا، أو بعضها فرض وبعضها نفل، فقدم الفرض أو النفل; فإن الجواب على تسليم القول أن مقتضى الآية وجوب التيمم كلما أحدث صلاة، وأن تيممه منتقض بسلامه من الفرض فلا يصلي به فرضا آخر، أي: لا يصلي به نفلا للإجماع على أنه لا يصلى نفل بغير تيمم. ولا يصح أن يقال: إن تيممه باق منتقض في حال واحدة، للفرض منتقض، وللنفل باق.

                                                                                                                                                                                        فإن قيل: إن كل ما أتى به نسقا في معنى القيام الواحد، ولهذا جاز أن يعقب الفرض بنفل.

                                                                                                                                                                                        قيل له: فيجوز إذا سلم من نفل أن يعقبه بفرض وأن يعقب الفرض بفرض؟!

                                                                                                                                                                                        وإن قيل: إنه غير منتقض التيمم إذا صلى به نفلا، فإن له أن يصلي به نفلا آخر، فإن لم يصله بالأول جاز له أن يصلي به فرضا وإن لم يصله بالنفل إذا كان تيممه الأول بعد دخول وقت الفرض أو قبل ذلك إذا لم يكن مخاطبا بطلب الماء .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في " سماع أشهب" في مسافر تيمم لركعتي الفجر: أيتيمم للصبح تيمما آخر؟!

                                                                                                                                                                                        فقال: نعم; لا يأتي من ذلك إلا خير; الأرض تحت قدميه.

                                                                                                                                                                                        فأبان أن قوله في التجديد للتيمم على وجه الاستحسان، وعلى قوله إذا صلى فرضين بتيمم واحد ولم يجمع بينهما أنه يعيد الآخرة ما لم يذهب الوقت، يكون تجديد التيمم إذا تباعد ما بين النفلين أو ما بين النفل والفرض استحسانا. [ ص: 202 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية