الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن آلى بعتق ما يملكه في بلد أو إلى أجل أو بصدقة ذلك

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم فيمن قال لزوجته: إن أصبتك فكل مملوك أشتريه من الفسطاط حر: ليس بمول إلا أن يشتري ذلك فيقع عليه الإيلاء من يوم يشتريه، وقال أيضا: هو مول، وبه قال غيره.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذا الأصل في كل من حلف بيمين- إن أصاب لم يلزمه كفارة، وإنما تنعقد عليه اليمين- فقيل: لا يكون موليا؛ لأن له أن يصيب، ثم لا تلزمه كفارة. وقيل: هو مول؛ لأنه يوقف عنها بسبب اليمين. وهو أحسن، ولا فرق بين أن يقف خوف وجوب كفارة أو خوف ما هو سبب في وجوبها.

                                                                                                                                                                                        ولا يختلف أنه إن أصاب قبل الشراء، ثم اشترى- أنه حر بما تقدم من الإصابة، قال: وإنما الاختلاف في حكمه قبل الشراء أو قبل الإصابة، فعلى القول الأول لا وقف عليه إلا أن يشتري فيستأنف الأجل من يوم الشراء، وعلى القول الآخر لها وقفه إذا مرت أربعة أشهر من يوم الحلف، وكذلك فيما يملك من مال هل يكون موليا من يوم الحلف أو من يوم يملك بالفسطاط حسب ما [ ص: 2382 ] تقدم، أو لا يكون عليه شيء فيما يملك بخلاف العتق.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية: لا شيء عليه فيما يملك، قال: وإنما الصدقة اللازمة فيمن حلف على ما يملك يوم حلف.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون وأصبغ في كتاب ابن حبيب: لا شيء عليه من الصدقة فيما يكسب، وإن سمى أجلا أو بلدا، قالا: ولا يشبه الصدقة في هذا الطلاق ولا الحرية، ولم يروا عليه في ذلك إيلاء.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يوقف إن لم يصب، وتطلق عليه لإمكان أن يكون وقوفه لأنه معتقد للقول الآخر اجتهادا أو تقليدا، ومن هذا الأصل أن يقول: والله لا أجامعك في هذه السنة إلا يوما، فقال ابن القاسم في المدونة: لا يكون موليا لما كان له أن يصيب، ثم لا يكون عليه كفارة إلا أن يطأها، ويبقى من السنة أكثر من أربعة أشهر.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: هو مول، قال: لأن ترك وطئه لليمين، قال محمد: فإن وقعت بعد أن بقي من السنة أربعة أشهر فلا شيء عليه، وإن لم يكن وطئها يريد؛ لأنه لو وقف حينئذ فأصاب لم يلزمه كفارة لأنه استثنى [ ص: 2383 ] مدة، ويصير بمنزلة من أمسك بغير يمين.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأن يؤمر بالإصابة أحسن؛ لأنه الوجه الذي كان له الأجل.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا حلف ألا يصيبها في هذه السنة إلا مرتين فقال ابن القاسم: ليس بمول لأنه إذا أصابها بعد أربعة أشهر مرة، ثم بعد أربعة أشهر مرة أخرى، فلا إيلاء عليه، وقال أصبغ: هو مول؛ لأنه يمتنع من أجل اليمين، وقال محمد: قول أصبغ غلط.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: وأرى أن يكون لها حق في الوقف؛ لأن امتناع هذا ألا يصيب إلا من بعد أربعة أشهر من الضرر، ومحمل القرآن على من لا يتكرر ذلك منه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية فيمن قال: إن وطئتك كذا وكذا مرة فأنت طالق: هو مول، ويوقف إذا مضت أربعة أشهر من يوم قال ذلك.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن وقوفه الآن خوف أن ينقضي ذلك العدد الذي سماه فينعقد اليمين عليه، وعلى القول الآخر لا يكون موليا إلا أن يبقى من تلك التسمية مرة، ومن هذا الأصل إذا قال: إن وطئتك فوالله لا أطؤك، فقال في كتاب محمد: ليس بمول. يريد: لأنه لا تجب عليه كفارة إذا أصاب، وإنما ينعقد عليه يمين، وعلى القول الآخر أنه مول لأنه يقف عنها الآن [ ص: 2384 ] خوف أن ينعقد عليه يمين.

                                                                                                                                                                                        وقال فيمن حلف لامرأتيه، فقال: والله لا أطأ إحداكما سنة، ولا نية له في إحداهما، ليس بمول إلا أن يصيب إحداهما فيكون في الأخرى موليا، وعلى القول الآخر يكون موليا من الآن؛ لأنه يمسك خوف أن تنعقد عليه اليمين متى أصاب إحداهما.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية