الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن قال إن وطئتك فأنت طالق هل يكون موليا؟]

                                                                                                                                                                                        وإن قال: إن وطئتك فأنت طالق كان موليا، ولها أن توقفه عند الأربعة الأشهر، فإن أصاب وإلا طلق عليه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في صفة ما يباح له منها، وهل ذلك بشرط أن ينوي رجعة؟ فقيل: له أن يصيب وينزل؛ لأنه الوطء المعتاد، وبه يحنث. وقيل: يصيب ما دون الإنزال، ولا ينزل إلا أن ينوي مراجعة؛ لأن الإنزال زائد على الوطء، وقد حنث بما كان قبل أن ينزل. وقيل: له مغيب الحشفة لأنه يحنث بأقل ما يقع عليه اسم الوطء، ولم ير النزوع منها وطأ. وقيل: يمنع منها ابتداء؛ لأنه يحنث بمغيب الحشفة، والنزوع منها وطء يلتذ به. وهو أحسن على تسليم القول أنه يحنث بالأقل.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف هل يسقط عنه بذلك حكم الإيلاء؟ فعلى قول ابن القاسم [ ص: 2385 ] يسقط؛ لأنه قد حنث. وعلى قول عبد الملك لا يسقط عنه نوى الرجعة أم لا؛ لأنه يقول: لا يسقط الإيلاء إلا بالمصاب، وإذا كان ذلك فمن حقها الوطء التام، والإنزال لحقها في الولد، ولأنه لو حلف بالله وأصاب ذلك القدر لم يسقط حقها في الإيلاء، وهو يحنث بالأقل ولا يبرئه، فالحنث يقع بمغيب الحشفة، وحقها في الإيلاء في الوطء، فإن أصاب وهي في العدة بعد أن ينوي الرجعة، وإلا طلق عليه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق البتة كالاختلاف الأول، قيل: يمنع الوطء جملة؛ لأنه يحنث بأول الملاقاة، وتبين منه، والنزوع وطء لمن حرمت عليه، وهو قول مالك، وقال ابن الماجشون: له مثل ذلك مما يوجب الغسل لا أكثر منه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: له ذلك حتى ينزل، وقال أصبغ: له أن يصيب ولا ينزل فيها، قال: وأخاف إن أنزل أن يكون الولد لزنا.

                                                                                                                                                                                        ولم يختلفوا أنه لو نزع قبل تمام ذلك أنه يمنع من المعاودة، وينبغي على [ ص: 2386 ] أصل مالك أن يمنع من الإصابة المعتادة، قياسا على قولهم بوقوع الطلاق إلى أجل؛ لأنه عالم أن بتمام الوطء يقع الطلاق. واختلف بعد القول أنه لا يمكن من الإصابة، هل يعجل الطلاق الآن؟ فقيل: لا يعجل قبل أجل الإيلاء؛ لأنها قد ترضى بالمقام من غير إصابة وقيل: يعجل بالطلاق: لأن الأجل إنما كان ليفيء بالإصابة، وهذا ممنوع منها.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يعجل الطلاق وإن لم تقم بذلك إذا كان لا تؤمن ناحيته في بقائه معها.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا حلف أنه لا يطؤها فأصاب بين الفخذين، فقال ابن القاسم: يحنث ولا يسقط الإيلاء. فأحنثه لأن القصد اجتنابها، ولا يسقط الإيلاء لأن من حقها الإصابة في الفرج، ولإمكان أن تكون نيته باليمين أن يعتزلها في الفرج فيكون وقوفه عنها لئلا يحنث.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول أن محمل الأيمان على العادة لا يحنث، ولا يختلف أنه لو حلف ليصيبنها لم يبر إلا بالإصابة في الفرج.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية