الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من أسلم في ثياب أو غيرها أو باع ثيابا بعين أو أقرض عينا أو ثيابا، وأخذ في جميع ذلك كفيلا، وأراد الكفيل أن يصالح من له ذلك الحق

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من أسلم مائة دينار في ثياب إلى أجل وأخذ منه بها كفيلا، ثم صالح الكفيل الطالب قبل الأجل على ثياب أو طعام أو دنانير أو دراهم، قال: إن باع الكفيل إياها بيعا والذي عليه الدين حاضر مقر حتى لا يكون للكفيل إلا ما على الغريم - فلا بأس به إذا باعها بما يحل، وإن صالحه عن الغريم بأمر، يكون فيه الغريم بالخيار إن شاء أجاز الصلح، وإن شاء أعطاه ما عليه فلا خير فيه .

                                                                                                                                                                                        قال محمد: ولا يشتريه الحميل إلا بمثل الثمن الذي نقده فيه مشتريه .

                                                                                                                                                                                        فيراعى فيما يصالح به الكفيل أربعة: الصنف الذي يدفعه الحميل هل يجوز أن يؤخذ عن رأس المال وعن المسلم فيه؟ وهل دفع ذلك عن نفسه أو عن الغريم؟ وهل حل الأجل وقت الدفع أم لا؟ وهل الصلح قبل أن يؤخذ بالقضاء عن الغريم أو بعده؟

                                                                                                                                                                                        وأما حضور الغريم ومعرفة ذمته فإنما يحتاج لذلك إذا اشترى ما على [ ص: 3020 ] الغريم لنفسه، ولا يراعى ذلك إذا كان الدفع عن الغريم.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في من باع دينا له على غائب، قال: إن عرف أنه حي قريب، وعلم ملاؤه من عدمه - فلا بأس. فإن لم يكن عليه بينة، لم يجز حتى يحضر ويقر ، قال: ولا يجوز بيع ما على الميت وإن كان مقرا وعلم ما ترك; لأنه لا يدري ما يلحقه من دين لم يعلم به، فلم يجز بيع ما على الغائب البعيد الغيبة; لأنه لا يدري ما طرأ على ماله .

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يجوز إذا قربت الغيبة وإن كانت عليه بينة، إلا أن يشهد أنه كان مقرا حين غيبته، فإن كان منكرا لم يجز -وإن كان عليه بينة- لأنه بيع ما فيه خصومة، وقد يكون للغائب بينة على القضاء أو يخرج شهود الدين.

                                                                                                                                                                                        ويجوز شراء ما على الميت إذا كان ظاهر اليسار، وليس هو معروفا بمداينة الناس، وقد فرق ابن القاسم في قسمة ماله بين الغرماء، بين من هو معروف بالدين، وغير معروف به.

                                                                                                                                                                                        وأما قول ابن القاسم في الحميل أنه لا يشتري إلا أن يكون الغريم مقرا بالدين، فيراعى الإنكار مع كون الحميل غارما، لإمكان أن يثبت الغريم أنه قضى أو يدعي ذلك، فلا يستحق الدين إلا بعد يمين الطالب، فإن نكل حلف الغريم وسقط الدين، فلم يصح ما اشتراه، وإن جحد الغريم أن يكون عليه دين أصلا حلف وغرم الحميل، لم يجز للحميل أن يشتري قبل يمين الغريم; [ ص: 3021 ] لأن الثمن يختلف، فإذا نكل الغريم وحلف الطالب ثبت الدين على الغريم فاشتراه بأكثر، وإن حلف وسقط الدين نظر كيف يشتريه بأرخص; لأنه يغرم ما لا يرجع له به وهو يخسر ما يشتريه به.

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول محمد أنه لا يشتريه إلا بمثل الثمن الأول، على أن الحمالة كانت شرطا في أصل العقد.

                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن القاسم في من أسلم إلى رجلين وبعضهما حميل عن بعض: لم يجز أن يقيل أحدهما ، فجعلت اقالة أحدهما سلفا.

                                                                                                                                                                                        فأما إذا كانت الحمالة بعد العقد، فتضعف التهمة ويجوز أن يشتريه بمثل ما يشتريه به الأجنبي.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية