الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في بيع الطعام قبل قبضه إذا كان من غير معاوضة]

                                                                                                                                                                                        يجوز بيع الطعام قبل قبضه إذا كان من غير معاوضة، كالقرض، والهبة، والصدقة، والميراث، إذا لم يكن الميراث في ذمته عن معاوضة، والغصب والتعدي، فمن أقرض رجلا طعاما، جاز للمقرض أن يبيعه قبل أن يقبضه، ويجوز للمقرض إذا قبضه منه أن يبيعه قبل أن يقبضه من المقرض ومن غيره، ويجوز لمن له سلم أن يقرضه قبل أن يقبضه، ولا يجوز للمقرض أن يبيعه قبل قبضه; لأنه على حكم السلم ما دام في الذمة، ولا يصح القرض إلا بعد قبضه.

                                                                                                                                                                                        ولو فلس المسلم إليه أو مات أو غاب، لم يلزم المقرض إليه شيء، فإن قبضه وصار إليه، جاز للمقرض أن يبيعه منه ومن غيره قبل أن يقبضه; لأن كيل البيع قد تقدم، ولا يدخل في الحديث "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه" ; لأن هذا قد قبضه، وما وقع في الكتاب فحماية أن يكون باعه منه قبل قبضه من المسلم إليه وأظهر أنه إنما أقرضه ، وأجاز في كتاب محمد إذا [ ص: 3084 ] أقرضه الشيء اليسير من الشيء الكثير أن يبيعه قبل قبضه من المقرض; لأن التهمة تضعف .

                                                                                                                                                                                        ويجوز ذلك على أصل أشهب ; لأنه لم يتهم على بيع الطعام قبل قبضه.

                                                                                                                                                                                        ولو أطاع رجل أن يقرض ذلك المسلم إليه ويقضيه عنه، لم يجز للذي له السلم بيعه قبل قبضه للحديث: "من ابتاع. ." ، فهو مبتاع بعد، لم يخرج عن ذلك.

                                                                                                                                                                                        فإن قبض ذلك المسلم جاز للمقرض أن يأخذ من المسلم إليه فيه ثمنا ما شاء ; لأن السلم قد قبض، وهذا مقرض وليس بمبتاع، ولو استقرض الذي له السلم مثل ذلك الطعام ثم أحال به على المسلم إليه لم يجز للمحال أن يبيعه قبل قبضه عند ابن القاسم، ويجوز على قول مالك في كتاب ابن حبيب; لأن المحال مقرض وليس بمبتاع، والمبتاع قد خرجت عن يده .

                                                                                                                                                                                        ويفترق الحكم أيضا في الهبة والصدقة، فإن كانت الهبة والصدقة من الذي له السلم، وهبة لأجنبي، لم يجز للموهوب له بيعه قبل قبضه. [ ص: 3085 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب ابن حبيب: الهبة والصدقة أخف . يريد: لأن يد المشتري قد خرجت. وإن كانت الهبة والصدقة من أجنبي، التزم أن يقضي ذلك عن المسلم إليه، ورضي المسلم بالحوالة عليه، لم يجز للمسلم بيعه قبل قبضه من الواهب ولا من غيره.

                                                                                                                                                                                        وعقد هذا أنه متى كانت يد المسلم إليه باقية على سلمه، وهو القابض، لم يجز البيع، وسواء كان المقبوض منه المسلم إليه أو واهبا أو متصدقا أو مقرضا، للحديث: "من ابتاع طعاما فلا يبعه"، وإذا زالت يده وكان القابض موهوبا له أو متصدقا عليه، جاز ; لأنه لا ينطلق عليه الحديث: "من ابتاع".

                                                                                                                                                                                        ومن وكل رجلا يشتري له طعاما ليقضيه عنه من سلم عليه، فأمسك الوكيل الذهب، وقضى الطعام من عنده فرضي ذلك المسلم إليه، جاز; لأن السلم قد قبض. [ ص: 3086 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية