الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في إحياء موات الأرض وصفة الإحياء، ومن يصح ذلك منه

                                                                                                                                                                                        الأصل في إحياء موات الأرض قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها" أخرجه البخاري ، وقوله: "من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق"، وهذا حديث حسن السند ذكره النسائي والترمذي.

                                                                                                                                                                                        والإحياء على ثلاثة أوجه: جائز، وممنوع، ومختلف فيه.

                                                                                                                                                                                        وذلك راجع إلى حال تلك الأرض وهي ثلاثة: بعيدة من العمران، وقريبة، وما كان بين الديار.

                                                                                                                                                                                        فما كان بعيدا كان له أن يحييه بغير إذن الإمام، واستحسن مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب أن يكون بقطيعة من السلطان، فإن لم يفعل مضى له.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح ذلك من غير قطع ولا مطالعة، فقال: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" . [ ص: 3289 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما قرب من العمران إذا فعل من غير إقطاع الإمام، فقال أشهب: إن فعل مضى، وأحب إلي ألا يفعل إلا بإذن السلطان، وقاله أصبغ ، وقال مطرف وابن الماجشون: الإمام بالخيار بين أربعة أوجه: إن رأى أن يقره له، أو يقره للمسلمين ويعطيه قيمته منقوضا، أو يأمره بقلعه، أو يقطعه غيره، ويكون للأول قيمته منقوضا.

                                                                                                                                                                                        والبعيد ما كان خارجا عما يحتاجه أهل ذلك العمران من محتطب، ومرعى مما العادة أن الرعاة يبلغونه، ثم يبيتون في منازلهم، ويحتطب المحتطب، ويعود إلى موضعه وما كان من الإحياء في المحتطب والمرعى فهو القريب من العمران -أي: من الديار- فيمنع.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا نزل أن ينظر في ذلك إن كان في بقائه ضرر; لأنه ضيق المرعى والمسكن لما كان يسكن بأهله وماشيته، وفي كونه هناك ضرر وفساد لما يعلم من شره وحاله، أو لأنه في غنى عنه وغير فقير أخرج الأول، وإن كان فقيرا لا يخشى ناحيته ولا يضيق على الناس- كان الإحياء للرعي لا للسكنى فأحيا الشيء اليسير لم ينزع منه، ولو قيل: إذا خرج أن له القيمة قائما، لكان وجها; لأنه بنى بشبهة، ولقول أشهب: إنه ماض، ولا ينتزع، وقال سحنون في المجموعة: سواء كانت أرض صلح أو عنوة أو أسلم عليها.

                                                                                                                                                                                        يريد: أنه ينظر في القرب والبعد، وهذا صحيح; لأن العافي والبعيد [ ص: 3290 ] خارج عما ينعقد الصلح به أو سلم عليه ; لأنه لم يكن فيه قبل ذلك منتفع، ولا حمى ولا ذب.

                                                                                                                                                                                        واختلف في إحياء أهل الذمة فقال ابن القاسم: ما أحيوا من موات أرض الإسلام فهي لهم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" ، إلا أن يكون في جزيرة العرب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب" ، قال مالك: وجزيرة العرب الحجاز والمدينة ومكة واليمن، قال مطرف وابن الماجشون: فإن فعل أعطي عمارته وأخرج، وإن أعمر في غير ذلك في بعد من العمران فهو له، فأما ما قرب من العمران فيخرج ويعطى قيمته منقوضا; لأنه ليس للإمام أن يقطعه إياه . وقال أبو الحسن ابن القصار: لا يجوز للإمام أن يأذن لأهل الذمة في إحياء الموات. ولم يفرق بين قريب ولا بعيد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية