الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ما يعتبر في الإحياء ويكون به]

                                                                                                                                                                                        والإحياء: الغرس، والبناء -وهو أعلاها-، وقطع الغياض، وتسييل الماء عنها، وإجراء العيون، والحرث، وحفر الأرض، وتعديلها.

                                                                                                                                                                                        وحفر الآبار على وجوه: فإن حفر في أرض ذات غياض، ليقطع من الغيضة ما يسقى بتلك البئر، كان ذلك له، وهو كالإحياء للغيضة، ويكون [ ص: 3291 ] أحق بها بما تسقيه تلك البئر، وإن كانت البئر ليس فيها شعر، فحفر ليزرع أو ليغرس- كان هو أحق بالقدر الذي يسقيه ماء تلك البئر، وإن حفر للماشية ليسكن ذلك الموضع- كان أحق بالقدر الذي يحتاجه للسكنى، وإن كان ليرعى غنمه ويذهب عنه- لم يكن إحياء، وهو أحق بما ترعى غنمه، ومحمل قول ابن القاسم في المدونة: إذا لم يكن الحفر لأجل الكلإ، وإن كان راعيا بانفراده بغير حفر لم يكن إحياء، ولم يكن أحق به ، وقال أشهب: إذا نزل قوم فرعوا ما حولهم، فهم أحق من غيرهم، قال: وذلك إحياء لأنهم رعوا وينتظرون أن يرعوا ورأى أن السبق له حق -وقد تقدم- وليس التحجير إحياء.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: ولا يكون أولى لأجل التحجير، إلا أن يعلم أنه حجره ليعمله إلى أيام يسيرة حتى يمكنه العمل، وليس ليقطعه عن الناس، ويعمله يوما ما، قال: ولو حجر كثيرا وعمر منه يسيرا كان كمن حجر يسيرا أو أخر العمل، فإن كان قويا على عمله وأخره لأيام تليين الأرض أو لغلاء أجرة أو لغيره من العذر فذلك له، وإن حجر ما لا يقوى على عمله كان له ما عمل، وشرع الناس فيما لم يعمل. [ ص: 3292 ]

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا لم يقو على عمل الباقي وإلا فيترك له ما يرى أنه يقوى على عمله. وقال مطرف وابن الماجشون: إذا تحجر أرضا بحيث يجوز الإحياء من موات الأرض فلا يحجر ما يضعف عنه، فإن رأى الإمام به قوة على عمارته إلى عامين أو ثلاثة خلاه وإلا أقطعه غيره، قالا: ومن أقطعه الإمام أرضا على عمارتها ليملكها ليس بشرط العمارة كانت له، وإن عجز عن عمارتها .

                                                                                                                                                                                        وروى ابن وهب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقطع بلال بن الحارث من العقيق ما يصلح للعمل، فلم يعمله، فقال عمر: إن قويت على عمله فاعمله، وإلا أقطعته للناس، فقال له: قد أقطعنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط عليك فيه شرطا، فأقطعه عمر للناس، ولم يكن بلال اغتل فيه شيئا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية