الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [وفي ولغ الكلب في الآنية وسؤر الخنزير والهر]

                                                                                                                                                                                        ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" ، وفي كتاب مسلم قال: " فليرقه ثم ليغسله سبع مرات" ، وقال أيضا: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات" .

                                                                                                                                                                                        والجواب عن هذا الحديث من أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: هل يجب استعماله؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا وجب استعماله هل يحمل الحديث على عمومه في جميع الكلاب، أو في بعضها، وهو ما لا يجوز اتخاذه؟.

                                                                                                                                                                                        والثالث: هل ذلك في جميع الأواني، أو على ما يكون فيه الماء دون الطعام؟

                                                                                                                                                                                        والرابع: هل يغسل تعبدا أو لأنه نجس؟. [ ص: 58 ]

                                                                                                                                                                                        فقال مالك في " المدونة" : قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته.

                                                                                                                                                                                        وقال: إن كان يغسل ففي الماء وحده . فلم يعزم على الأخذ به; لقوله: إن كان يغسل ; لأن الحديث عنده معارض لظاهر القرآن; لقوله: فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] ، وأنه يؤكل من غير غسل.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: يغسل. وحمل الآية على أن المراد بها أن فعل الكلب ذكاة، وإن لم تدرك ذكاته، وغسل مواضع ذلك من الصيد معنى آخر ليس هو المراد، مع أن المعلوم أنه لا بد من غسل تلك المواضع; لأن الكلب يدميها، فحمل الحديث على جميع الكلاب مرة، ومرة على ما لا يؤذن في اتخاذه ، ومرة على بعض الأواني وهو الماء وحده، فقال في" المدونة" : لا يطرح الطعام، وأراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله تبارك وتعالى فيلقيه لكلب ولغ فيه !.

                                                                                                                                                                                        وروى عنه ابن وهب أنه قال: يؤكل الطعام ويغسل الإناء اتباعا للحديث فجعل غسله تعبدا.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: كل كلب لم يؤذن في اتخاذه نجس ، وإن كان مأذونا في اتخاذه فهو طاهر . [ ص: 59 ]

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في ثمانية أبي زيد: إن شرب من اللبن وكان بدويا أكل، وإن كان حضريا طرح، وإن شرب من الماء طرح بدويا كان أو حضريا، فإن عجن به طعام طرح. قال: لأنه نجس، وقال مطرف : البدوي والحضري سواء في اللبن، إن كان كثيرا أكل، وإن كان قليلا طرح.

                                                                                                                                                                                        يريد عبد الملك أنه أذن للبدوي في اتخاذه ولم يؤذن للحضري.

                                                                                                                                                                                        فعلى القول أن غسله تعبد، وأنه طاهر يتوضأ به عند عدم غيره، ويستحب له تركه مع وجود غيره.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول الآخر: أنه نجس يتيمم به ويدعه، فإن توضأ وصلى أعاد.

                                                                                                                                                                                        وحمل الحديث على جميع الكلاب وجميع الأواني أحسن; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخص شيئا دون غيره، بل حمله على ما يتخذ أولى; لأن ما لا يتخذ قد أمر بقتله أو يصرف لمن يجوز له اتخاذه.

                                                                                                                                                                                        ولا يغسل الإناء بما فيه من الماء للحديث " فليرقه" ، ولا يجوز أن يحمل على الصحابة أنهم لم يمتثلوا أمره فيها في إهراقها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية