الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن أسلم في أثواب ثم باع بعضها قبل الأجل وأرجأ الباقي إلى أجله أو تعجله قبل الأجل أو أخره عنه

                                                                                                                                                                                        ومن أسلم فرسا في عشرة أثواب إلى شهر، ثم أخذ ذلك الفرس عن خمسة وبقيت خمسة إلى أجلها، جاز، وإن أخر الخمسة الباقية عن أجلها لم يجز، واختلف إذا تعجلها، فقال مالك وابن القاسم: لا يجوز وهو بيع وسلف. وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن أسلم ذهبا في عبدين أو فرسين فعرض عليه قبل الأجل عبده مثل شرطه وعرضا معه بحقه، فقال: ذلك جائز.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأنه لم يأخذ العبد الباقي على وجه السلف، وإنما أخذه على أنه حقه وعلى أن الغريم قد برئت ذمته بدفعه هذا.

                                                                                                                                                                                        ولو كان تعجيل الدين قبل الأجل سلفا لوجب إذا فلس المسلم إليه قبل الأجل أن يخرج ذلك من قبضته من ذمته فيتحاصص جميعهم فيه، وإذا نزل ذلك على القول: إنه لا يجوز خير المسلم بين أن يرد السلف وهي الخمسة [ ص: 4189 ] الأثواب ويردها إلى أجلها، أو قيمتها إن كانت فاتت ومضى الفرس بخمسة، وإن كره أجبر على ردها إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة، أو يرد الفرس إن كان قائما أو قيمته إن كان فائتا بالغة ما بلغت وتبقى العشرة الأثواب في الذمة على حالها، وكذلك إن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل فإن الأثواب تمضي بالقيمة؛ لأن القرض الفاسد في العروض كالبيع الفاسد.

                                                                                                                                                                                        وإن أخذ فرسا مثل فرسه وبقيت خمسة إلى أجلها، لم يجز ويدخله سلف بزيادة، والتهمة ها هنا في أصل العقد إذا أخذ مثل فرسه، بخلاف إذا أخذ عين فرسه فإن العقد الأول صحيح إذا أخذ عينه والفساد فيما عملاه أخيرا. وكذلك الجواب إذا باع ثوبا أو دابة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم استقال منه المشتري على أن يأخذه بتسعة، فإن بقي الدينار إلى أجله؛ جاز، وإن شرط تأخيره عن الأجل، لم يجز.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا اشترط تعجيله هل يجوز، أو يكون فاسدا؛ لأنه بيع وسلف؟ فيخير المشتري الآن وهو البائع الأول بين أن يرد الدينار إلى أجله ويمضي الثوب بتسعة دنانير، أو يرد الثوب إن كان قائما أو قيمته إن كان فائتا، ويرد السلف وتبقى العشرة إلى أجلها، وإن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل، جاز أن يقال بمضي البيع في الثوب بتسعة؛ لأن المشتري له أن يقول: أنا أريد السلف فيمضي البيع بتسعة، ولي أن أحبس الدينار الآن؛ لأنه قد حل.

                                                                                                                                                                                        وهو في هذا الوجه بخلاف المسألة الأولى في الفرس؛ لأنه تعجل ها هنا أثوابا وقد فاتت بالقيمة، فإذا حل الأجل رد القيمة وأخذ الأثواب. [ ص: 4190 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الإقالة في الثوب على أن يأخذه ودراهم معه نقدا، لم يجز، فإن كانت الدراهم صرف دينار فأكثر دخله الفساد من وجهين: البيع والصرف المستأخر، وإن كانت أقل من صرف دينار دخله الفساد من التأخير.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول بجواز الصرف والبيع في عقد واحد، وأن الذمم تبرأ من الآن يجوز ها هنا، وإن كانت الدراهم أكثر من صرف دينار، ويجوز أيضا إذا كان مع الثوب الدرهم والدرهمان على أحد الأقوال فيمن باع سلعة ودرهمين نقدا بدينار إلى أجل، وإن أخذ الثوب ومعه ثوب آخر أو شيء مما يكال أو يوزن نقدا، جاز، وإن باع الدابة بعشرة نقدا، ثم أخذها عن تسعة وأخذ دينارا، جاز، فإن أخره إلى أجل، لم يجز، وكذلك إن أخذ الدابة وثوبا معها نقدا، وإن شرط أن يكون موصوفا إلى أجل، لم يجز، وكان فسخ دين في دين، وإن أخذها ودراهم معها نقدا وكانت أقل من صرف دينار، جاز، وإن كانت صرف دينار فأكثر، لم يجز على أحد القولين في منع بيع وصرف. [ ص: 4191 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية