الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الرد بالعيوب الباطنة في بعض السلع كالخشب والجلود وأشبهها]

                                                                                                                                                                                        ومن العيوب ما لا يرد بها إلا مع التدليس، كالخشب والجلود وما [ ص: 4424 ] أشبهها، قال محمد: التدليس في الخشب بالعيب كالتدليس في الثياب والجلود، فلا يضمن المبتاع ما أحدث من نشر أو نحت أو قطع أو ينحته صاريا، أو خرطه أقداحا، ويرد ولا شيء عليه، وإن لم يدلس فيما كان من عيب يمكن علمه لو طلب فله الرد، وما نقص من نشر إلا أن يقطعها قطع التلف، مثل الكوى والأبواب أو يدخلها في بنيانه، فليس له إلا قيمة العيب، دلس أو لم يدلس.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان العيب مما لا تبلغ معرفته في حين البيع على ثلاثة أقوال: فقال مالك -في كتاب محمد: إذا كان مما لا يمكن معرفته إلا بعد القطع والنحت لم يرد، وكذلك الفصوص.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: وهذا أمر ثابت في هذه الأشياء معروف، عليه يشتري المشتري وعليه يبيع البائع.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إن كان العيب من أصل الخلقة ولم يحدث بعد القطع، فلا قيام به، وأما ما حدث بعد الصحة من عفن أو سوس، فهذا مما يعلمه بعض الناس وإن جهله آخرون، فله الرد.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ رضي الله عنه أبو بكر الأبهري: له أن يرد في جميع هذه الوجوه. وجعل العيب فيها كالعيوب في جميع الثياب وهذا أقيس، إذا دخل المتبايعان على السلامة وجهلا الحكم في ذلك الرد بالعيب؛ لأن ثمن السالم وما يدخلان فيه على القيام بالعيب ليس كثمن البيع ما بيع على أن لا يقام بالعيب فيه، إلا أن يشترط البائع ألا قيام فيه بالعيب، أو تكون تلك العادة، ولا يخفى مثلها [ ص: 4425 ] على المتبايعين، وعلى هذا الوجه تكلم مالك، فقال: هذا أمر معروف، عليه يبيع البائع وعليه يشتري المشتري، وأما مع جهل المشتري بذلك فلا؛ لأنه يقول: اشتريت وأنا أرى أن لي الرد مثل سائر المبيعات، ولو علمت أن لا قيام لي ما اشتريته، إلا بدون ذلك الثمن، فله الرد إن لم يفت المبيع إلا أن يرضى البائع أن يكون على حقه في العيب متى وجده، وإن لم يعلم حتى فات وتبين أنه سالم فلا مقال له، وإن تبين أنه معيب رجع بقيمة العيب.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الجلود، فقال ابن القاسم: إن قطعت خفافا أو نعالا، فهي مثل الثياب يقوم بالعيب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: هي مثل الخشب فما كان من أصل كالحوري فلا قيام له، وإن كان حادثا من قلة الملح أو حرارة الشمس أو ماء بحر، رد كسائر العيوب، ومثل جلود الفراء يظهر للمبتاع عند الدباغ ساست ولم يطل مقامها ما تسوس فيه، ولم يظهر للمشتري أنها ساست؛ لأنها يابسة وربما كانت غير يابسة، والسوس بين الجلد والصوف فإذا دبغت تبين، فهذا يرد.

                                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في الجوز والرانج وهو الجوز الهندي: هو مثل الخشب لا قيام فيه.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: هذا فيما كثر كالأحمال، إلا أن يكون كله فاسدا أو أكثره فله رده، وأما مثل الجوزتين والثلاثة فله رده، من الرانج كان أو غيره؛ لأنه [ ص: 4426 ] يمكن أن يدير فيقدر على معرفته.

                                                                                                                                                                                        واختلف في القثاء والفقوس يوجد مرا؛ فقيل: لا رد له كالجوز، قيل لمالك: فأهل السوق يردونه، فأنكر ذلك ولم يرده على البائع.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب -في كتاب محمد: إن كان يوصل إلى معرفة مره بإدخال عود رقيق، فله الرد ما كان يشترى، مثل القثاء والأسس، وأما الأحمال فلا ترد.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: إلا أن يكون أكثره مرا؛ لأنه إذا كان هكذا لم يخف على بائعه. وعلى قول الأبهري يرد، وإن لم يكن أكثره مرا.

                                                                                                                                                                                        قال أصبغ في كتاب ابن حبيب في لوز الحرير لا يعلم فساده حتى يدخله العمل: فإن كان الفساد أصليا ليس بسبب حدث بعد تمامه، وكان لا يعرف حتى يدخله العمل لم يرد، وإن كان يعرف قبل العمل رد وأما البيض فيقام بعيبه؛ لأن فساده يعلم قبل كسره، وهو قول مالك. فإن كان البائع مدلسا رد ولا شيء عليه في كسره. قال محمد: وإن كان غير مدلس لم يرده، ورجع فيما بين الصحة والداء.

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا كان ممروقا، وإن كان مما لا يجوز أكله فهو ميتة، يرد جميع الثمن دلس أو لم يدلس. [ ص: 4427 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم -في كتاب محمد: إن وجد مفسودا وكان بحضرة البيع رد، وإن بعد أيام لم يرد؛ لأنه لا يدرى، أفسد عند البائع أو المشتري؟

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية