الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 4428 ] باب في المشتري يغتل ثم يجد عيبا وفي المشتري يستعمل بعد المعرفة بالعيب

                                                                                                                                                                                        وإذا اغتل المشتري في المبيع ثم أصاب عيبا، رد المبيع وحده دون غلته، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" وهذا حديث حسن السند، ذكره الترمذي، وهذا إذا كان المبيع لا غلة فيه يوم البيع ولا يوم الرد، واغتل فيما بين ذلك وأخذ الغلة.

                                                                                                                                                                                        ويفترق الجواب إذا كانت فيه يوم الرد، أو كانت يوم الشراء، فإن اشترى شاة ولا صوف عليها، فصار ذلك عليها فجزها ثم وجد بها عيبا، رد وكان له ما جز، وسواء جزه وقت جزازه أو قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا قام بالعيب قبل أن يجزه، هل يكون غلة بالتمام أو حتى يتعسل، أو يجز قياسا على الثمار؟ وهل تكون غلة المشتري بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ؟ فتمام الصوف يصير كالطيب في الثمار، والتعسيل كاليبس، والجزاز كالجذاذ، والتمام للطيب أحسن.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اشتراها وعليها صوف قد تم فجزه، فقال ابن القاسم: يرده إن كان قائما، ومثله إن كان فائتا، وجعله مشترى. وقال أشهب: لا شيء عليه فيه، والأول أحسن؛ لأنه يزاد في الثمن لأجله فهو مشترى والمشتري بالخيار بين أن يغرم مثله أو قيمته؛ لأن خطبه قريب، كما قال في الجلد يستثنى: إنه يغرم مثله أو قيمته [ ص: 4429 ] وإن وجد العيب بعد أن عاد عليها الصوف وتم، ردها ولا شيء عليه للصوف الأول؛ لأن هذا كالأول وهو في هذا أبين من جبر العيب بالولد؛ لأن الولد ليس بغلة وليس له حبسه، فكان جبره بما له حبسه أولى. وإن احتلبها لم يغرم ذلك إذا لم تكن حين البيع مصراة، وإن كانت وقت الرد مصراة كان له أن يحتلبها ثم يرد؛ لأنه قد جمع ولم يبق إلا احتلابه كالجزاز أو الجذاذ، وكذلك إذا كانت يوم الشراء مصراة، فهو مبيع على الصحيح من المذهب.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت نخلا اشتراها ولا ثمرة فيها فنمت فينتظر بها ثمرتها، هل يكون غلة بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ؟ والطيب أحسن، وقد تقدم ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت فيها ثمرة مأبورة أو غير مأبورة فنمت وحدها ثم وجد عيبا، فقال ابن القاسم: إن كانت مأبورة ردها وإن جذت، وإن فاتت رد المكيلة إن عرفت، أو القيمة إن لم تعرف، ورأى أنها مشتراة. وقال أشهب: لا شيء عليه فيها.

                                                                                                                                                                                        والثمار ها هنا أشكل من الصوف، فإن كان لا يتحسس لثمنها وقت البيع، ولا يزيد فيه أو يزيد الشيء اليسير الذي لا خطب له، كانت له بغير ثمن، وإلا كانت مبيعة، وأرى أن يمضي بما ينوبها من الثمن يوم البيع؛ لأنها نمت في ضمان المشتري.

                                                                                                                                                                                        وأصل مالك وابن القاسم في العيوب، أن لا يحملا على التهمة في البيع وإذا لم يتهما على أن يكونا أظهرا العيب في الرقاب، ليتوصلا إلى بيع الثمار قبل صلاحها، مضت بما ينوبها من الثمن يوم البيع، وإن كان ذلك مضت بما ينوبها [ ص: 4430 ] من الثمن إذا هي طابت وإن لم يجذ.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت غير مأبورة فنمت عند المشتري لم يكن لها قسط من الثمن.

                                                                                                                                                                                        ولأشهب -في كتاب الشفعة من كتاب محمد: إن لها قسطا من الثمن وإن كانت غير مأبورة، وليس هو المعروف من المذهب.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية