الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشركة بالعروض والطعام

                                                                                                                                                                                        الشركة بالعروض على وجهين: فإن كان القصد بيع بعض أحدهما ببعض آخر وعلى أنهما لا يتجران في أثمانها إذا بيعا، كانت جائزة، وإن كان فيها تغابن أو تفضل من أحدهما على الآخر.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الشركة ليتجرا بأثمانها، جازت الشركة إذا كانت على أن لكل واحد منهما في الشركة مبلغ قيمة سلعته، فإن اشتركا على المساواة والقيم مختلفة لم يجز. ثم هما فيها على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        فإما أن يبيع كل واحد سلعة نفسه قبل قبضها منه أو بعد، أو باع كل واحد سلعة الآخر، أو باع أحدهما سلعته وسلعة صاحبه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نزل وفات بالقبض أو البيع، هل تكون بينهما شركة في القيم، أو في الأثمان؟ فقال في "المدونة": لكل واحد منهما ما بيعت به سلعته. ولم ير بينهما شركة ولا قبضا; لأن لكل واحد من الشريكين أن يتصرف فيما باعه بالبيع بعد قبضه منه، فكان قبض المشتري كلا قبض. والقبض الصحيح ما لا [ ص: 4823 ] يتسلط لبيعه فيه، فوجب لهذا أن تكون المصيبة بعد القبض من البائع والثمن له، كان الثمن أكثر من القيمة أو أقل، وسواء كان بائع ذلك العرض مشتريه أو بائعه.

                                                                                                                                                                                        والقول الآخر إن ذلك قبض، وهو قول مالك في الشريكين يخرج أحدهما ذهبا والآخر فضة، أن الشركة صحيحة والقبض صحيح تصح به المناجزة في الصرف.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان ذلك فقبض كل واحد من الشريكين سلعة صاحبه، ضمن نصف قيمتها يوم قبضها وعمرت ذمته بذلك وصار جميع ما تجرا فيه بينهما نصفين إذا باع كل واحد منهما سلعة صاحبه بعد قبضها منه; لأن الثمن بينهما.

                                                                                                                                                                                        وإن كان بيعه لها قبل قبضها، كان في المسألة قولان:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن بيع المشتري كالقبض يوجب عليه نصف القيمة ويكون له نصف الثمن.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن ذلك ليس بقبض والثمن لمن كانت له تلك السلعة، وإن باع كل واحد منهما سلعة نفسه قبل قبضها منه، أو بعد قبضها وقبل أن يفوت عند القابض بحوالة سوق أو جسم، كان الثمن له دون الشريك.

                                                                                                                                                                                        وإن كان بيعه لها بعد القبض والفوت بتغير سوق أو جسم، كان الثمن [ ص: 4824 ] بينهما وعلى كل واحد نصف قيمة سلعة صاحبه. وإن قبض أحدهما سلعة صاحبه ثم باعهما جميعا، كان ثمن سلعته له، وثمن سلعة صاحبه بينهما وعليه لصاحبه نصف قيمتها. وإن اتجرا بعد ذلك كان المشترى بينهما على قدر ذلك، لأحدهما بقدر ثمن جميع سلعته ونصف ثمن سلعة صاحبه، وللآخر قدر نصف ثمن سلعة صاحبه خاصة.

                                                                                                                                                                                        وإن أخرج أحدهما عروضا والآخر عبيدا أو حيوانا أو طعاما، كانت الشركة إذا اعتدلت القيم جائزة، ولم تجز إذا اختلفت القيم واشتركا على المساواة في القيم. والجواب إن نزل ذلك على ما تقدم في العرضين.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية