الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الشركة بالطعامين]

                                                                                                                                                                                        لا تخلو الشركة بالطعامين من أربعة أوجه: إما أن يكونا صنفا واحدا [ ص: 4825 ] وهما في الجودة سواء، أو بعضهما أفضل من بعض، أو جنسين قمحا وشعيرا، أو صنفين قمحا وتمرا.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الشركة في جميع هذه الأوجه. فأجاز مالك في "المدونة" الشركة إذا كان الجنس واحدا والجودة سواء، بمنزلة لو كانت دنانير كلها أو دراهم كلها، ولم يرها مبايعة، ويجوز على هذا وإن لم يخلطاها، ثم رجع عن ذلك ورأى أن الطعام مما تختلف فيه الأغراض بخلاف الدنانير فيدخلها المبايعة من بعضها ببعض، وإذا دخلت المبايعة منع لأجل عدم المناجزة.

                                                                                                                                                                                        وقد أجاز مرة أن يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم وهي مبايعة، وإذا كان ذلك جازت الشركة بالطعامين مع تسليم القول: إنها مبايعة إذا قبض كل واحد منهما طعام الآخر.

                                                                                                                                                                                        وأجاز ذلك محمد إذا خلطا الطعامين. وإن اختلفت الجودة لم تجز الشركة على قيم الطعامين; لأنه ربا، وسواء كان الفضل يسيرا أو كثيرا، ولا على الكيل إذا كان الفضل كثيرا; لأن ذلك الفضل في الشركة لا يجوز في عرض ولا في طعام، وإن كان الفضل يسيرا واشتركا على الكيل جاز على قوله في "المدونة" والقياس المنع; لأن من له الفضل إنما تركه لمكان الشركة [ ص: 4826 ] والتجر في المستقبل، وإن لم يقصد التجر بأثمانهما جاز، وهذا إذا كانت سمراء كلها أو محمولة كلها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان من عند أحدهما سمراء والآخر محمولة، لم تجز الشركة أيضا على القيم، ولا على الكيل إذا كان الفضل كثيرا، وإن كان يسيرا، جاز على القول: إنها لا تختلف فيها الأغراض فإن المحمولة أدنى، وعلى القول: إنها لا تختلف فيها الأغراض وتراد في بعض الأوقات للزريعة، فلا يجوز لأنها تدخلها المبايعة، إلا على القول بإجازة الصرف في الشركة ويقبض كل واحد طعام صاحبه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أخرج أحدهما قمحا والآخر شعيرا، فمنعه ابن القاسم في "المدونة". واختلف فيه عن سحنون، فمنعه مرة وأجازه أخرى إذا اعتدلت القيم. يريد: والكيل، وقبض كل واحد منهما طعام الآخر.

                                                                                                                                                                                        وإن أخرج أحدهما قمحا والآخر تمرا كانت مبايعة، ويختلف في جواز الشركة، فعلى القول بإجازتها يأخذ كل واحد منهما طعام الآخر أو يجمعانه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا اشتركا في قمح شركة فاسدة ثم خلطاه كان لكل واحد منهما قيمة طعامه يوم خلطاه. وقال محمد: يقتسمان الثمن والربح [ ص: 4827 ] نصفين. ورأى أن ذلك قبض، فتعمر ذمة كل واحد منهما بمثل نصف طعام صاحبه، ويكون الموجود بينهما نصفين. ولم يره ابن القاسم قبضا، ولا يكون نصفين، ولا يضمن أحدهما لصاحبه شيئا; لأن خلطهما بإذن منهما وليس بتعد، وإذا ارتفع العداء كان كالذي اختلط بأمر من الله وتكون الشركة فيه على القيم.

                                                                                                                                                                                        وإذا اشترك رجلان على أن يخرج أحدهما ألفا والآخر ألفين والربح بينهما على رأس الأموال، وكذلك إن لحقهما دين بعد أن خسر المال وذهب فيه، فعلى صاحب الألف ثلث الدين، وعلى صاحب الألفين ثلثا الدين. وقيل: على كل واحد ما تداين به بعد تلف رأس المال. [ ص: 4828 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية