الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من اشترى سلعة ثم مات هو والمشتري وجهل ورثتهما معرفة الثمن

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في "المدونة" فيمن اشترى سلعة ثم مات هو والبائع قبل دفع الثمن، وجهل ورثتهما الثمن قال: يحلف ورثة المشتري أنهم لا يعلمون بما اشتراها به أبوهم، ويحلف ورثة البائع على مثل ذلك، ثم ترد السلع إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة، قال: وإن ادعى أحدهما معرفة الثمن وادعى الآخرون الجهل - كان القول قول من ادعى المعرفة منهما إذا أتى بأمر سداد يشبه، فيفسخ البيع إذا كانت قائمة بعد أيمانهما على جهل الثمن بمنزلة إذا ادعيا التحقيق فإنهما يتحالفان ويتفاسخان.

                                                                                                                                                                                        وأرى ألا يفسخ البيع ويغرموا الأوسط من القيمة; لأنهما متفقان أن في الذمة دينا لا يدريان كم هو، فوجب أن يغرم الأوسط مما شك فيه.

                                                                                                                                                                                        ولو كان ورثة الميتين عصبة وممن يرى ألا علم عندهم - لم يكن بينهم يمين وردت على أصله مع القيام، وغرم الأوسط من القيمة مع الفوت من غير [ ص: 4905 ] يمين على أحد من الفريقين.

                                                                                                                                                                                        وإن كان يرى أن عند أحد الفريقين علما دون الآخر - كانت اليمين في جنبة من يرى أن عنده علما خاصة. وإذا كانت اليمين على الفريقين; لأنهما ممن يظن بهم العلم فحلف أحد الفريقين ونكل الآخر - نظرت: فإن حلف ورثة المشتري غرموا الأقل مما يشبه، وإن حلف ورثة البائع كان لهم الأكثر مما يشبه، وقيام السلعة ها هنا وفوتها سواء، بمنزلة لو ادعيا التحقيق فحلف أحدهما ونكل الآخر: أن السلعة لا ترد مع القيام، ويكون القول قول من حلف منهما من بائع أو مشتر.

                                                                                                                                                                                        فإن ادعى أحد الفريقين العلم بالثمن وأتى بما يشبه، ثم نكل عن اليمين وأشبه أن يكون عند الفريق الآخر من ذلك علم - حلفوا أنه لا علم عندهم، ثم ينظر إلى من نكل: فإن كان ورثة البائع كان لهم أقل مما يشبه أن تباع به، وإن كان ورثة المشتري كان عليهم أكثر ما يشبه أن تباع به، وإن نكل من ادعى الجهل وصار النكول من الفريقين جميعا ردت على قول ابن القاسم إن كانت قائمة، أو قيمتها على أوسط ما تباع به إن كانت فائتة، وإن نكل من ادعى العلم وكان الفريق الآخر ممن لا يظن به علم - لم يكن عليهم يمين، وعاد الجواب فيمن لا يمين عليه إلى ما تقدم لو حلفوا مع كونهم ممن يظن بهم العلم.

                                                                                                                                                                                        ومثله إذا أتى من ادعى العلم بما لا يشبه، وحلف الآخرون أنهم لا علم عندهم، أو لم يحلفوا; لأنه لا يظن بهم علم - فإن لمن أتى بما لا يشبه الأقل إن كانوا ورثة البائع، وعليهم الأكثر إن كانوا ورثة المشتري. [ ص: 4906 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية