الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من سقط له دينار في دنانير لغيره، وفي التداعي في الثواب على أجزاء مختلفة

                                                                                                                                                                                        وإذا سقط دينار في مائة دينار لآخر فاختبراه فلم يعرف، ثم ضاع منها دينار - كان الذاهب بينهما على قدر جملة الدنانير; لأنه لما اختبر قبل الضياع فلم يعرف ثبتت الشركة به في الجميع، فكان الضياع بعد ثبوت الشركة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم ينظر في ذلك حتى ضاع دينار، فقال مالك: الضائع بينهما على قدر جملة الدنانير كالأول، وقال ابن القاسم: لصاحب المائة تسعة وتسعون ويقتسمان دينارا بينهما نصفين; لأنه لا يشك أن تسعة وتسعين لصاحب المائة، فكيف يدخل الآخر فيما يستيقن أنه لا شيء له فيه.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك أبين; لأن الشركة وجبت قبل الضياع; لأنه لو اختبر قبل ذلك لم يعرف إذا كانت السكة واحدة.

                                                                                                                                                                                        ولو كانت ستة دنانير لثلاثة نفر: لواحد ثلاثة، ولآخر ديناران، ولآخر دينار، فاختلطت، ثم ضاع منها دينار: فإن كان الضياع بعد أن اختبرت فلم يدر كل واحد منهم دنانيره، وثبتت الشركة، كان الذاهب من جميعهم والباقي بينهم أسداسا، وإن كان الضياع قبل الاختبار جرت على الخلاف [ ص: 4909 ] المتقدم، فعلى قول مالك يقتسمون الخمسة أسداسا، وعلى قول ابن القاسم يبدأ صاحب الثلاثة بدينارين وصاحب الاثنين بدينار; لأنه لا منازعة لأحد منهم على الآخر في ذلك، ويبقى ديناران لا منازعة لصاحب الدينار الواحد عليهما في واحد منهما ويسلمه، ثم يقتسمانه بينهما نصفين لتساويهما في العاجز عنهما; لأن الباقي لهما بعد الثلاثة التي أخذاها ديناران لكل واحد دينار، فكل واحد يجوز أن يكون له جميعه، ثم يعودان إلى الدينار الخامس فيقتسمونه أرباعا: لصاحب الدينار الواحد نصفه، ولكل واحد من الآخرين ربعه; لأن العاجز عنهما دينار واحد، لكل واحد نصفه، جميع العاجز عنهما دينار وللآخرين دينار، فكان مجموع دعواهما مثل دعوى الآخر وحده.

                                                                                                                                                                                        ولو تنازع رجلان ثوبا، فقال أحدهما: لي جميعه، وقال الآخر: لي نصفه فاقتسماه على قول مالك أثلاثا، وعلى قول ابن القاسم أرباعا - فلمدعي جميعه ثلاثة أرباعه: نصف بتسليم صاحبه له، ونصف النصف لتساوي دعواهما فيه، وقال أشهب: يقتسمانه نصفين; لأن يد كل واحد منهما على نصفه.

                                                                                                                                                                                        ولو تنازعه ثلاثة: فادعى أحدهم جميعه، وآخر ثلثيه، والآخر ثلثه، فإن تصادق مدعي ثلثيه ومدعي ثلثه على ما يدعيه كل واحد منهما وأنكر مدعي جميعه - كان الثوب بينهم أسداسا: لمدعي ثلثه سدسه، ولمدعي ثلثيه ثلثه، ولمدعي جميعه نصفه; لأن دعوى الاثنين مقابلة لدعوى من قال: لي جميعه. [ ص: 4910 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كذب كل واحد من مدعي الثلثين والثلث الآخر، عاد الجواب فيها إلى مسألة الدنانير، فيقول مدعي الجميع للآخرين: أنتما مقران لي بالثلث، وإنه لا شيء لكما فيه، فيختص به دونهما، ثم يقول لمدعي الثلث: أنت مقر أن لا حق لك بعد ثلثه فارفع يدك عنه، ثم يرجع مقاله فيه مع مدعي ثلثيه، فيقتسمان ذلك الثلث بينهما نصفين; لتساوي دعواهما فيه، فإن كل واحد منهما يقول: لي جميعه، ثم يعود مقالهم في الثلث الباقي وهو ثلثه، وكل واحد منهم يقول: لي جميع ذلك الثلث، فيقتسمونه أثلاثا، فيكون الثوب بينهم على ثمانية عشر جزءا: لمدعي جميعه أحد عشر جزءا، ولمدعي ثلثيه خمسة أجزاء، ولمدعي الثلث جزءان. وعلى قول أشهب يكون بينهم أثلاثا. [ ص: 4911 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية