الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من اكترى راحلة لشيء بعينه، أو مدة معينة فلم يستعملها فيها، أو اكترى لبلد فتبين أن فيه فتنة أو غلاء أو ربا أو في الطريق لصوص، وإذا مات المكتري أو فلس

                                                                                                                                                                                        ومن اكترى راحلة ليزف عليها عروسا ليلة بعينها، فلم يزف تلك الليلة لأمر أوجب ذلك من مرض الزوج أو الزوجة أو لغير ذلك من العذر- لم يكن عليه كراء، وفسخ; لأن ذلك مما يتعذر خلفه في تلك الليلة، مثل الصبي يستأجر لرضاعه أو تعليمه، والفرس لرياضة فيموتان.

                                                                                                                                                                                        وإن أخر زفافها اختيارا لزمه الكراء، وله أن يؤاجرها في مثل ذلك إن أحب وتيسر له ذلك، فإن لم يجد لم يسقط عنه الكراء; لأنه ترك ذلك اختيارا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان المنع من صاحب الراحلة وأكراها من غيره، فاكترى المكتري غيرها وزف [ ص: 5153 ] عليها- كان المكتري بالخيار بين أربعة أوجه: بين أن يفسخ العقد عن نفسه، أو يأخذ فضل ما أكراها به من غيره، أو يأخذ فضل قيمته على المسمى الذي كان عقده هو به، أو يغرمه فضل ما اكترى به هو الثانية على الأولى; لأن الزوج كان في مندوحة عن ذلك، والمكري أدخله في ذلك الزائد، فإن قبضها الزوج فأوقفها وهو قادر على أن يزف عليها كان عليه المسمى.

                                                                                                                                                                                        وإن استعملها في صنف آخر كان ربها بالخيار، بين أن يمضي له ذلك بالمسمى، وإن أحب أخذ فضل قيمة الثاني عن الأول: فإن كان قيمة الأول دينارا وقيمة الثاني دينارا ونصفا والمسمى ديناران، أخذ المسمى وهو ديناران ونصف دينار وهو فضل ما بين القيمتين.

                                                                                                                                                                                        وإن لم يعين ليلة الزفاف فأخذها وحمل عليها أو أوقفها كان الكراء منعقدا على حاله، وله أن يزف عليها ليلة أخرى، وعليه في هذه الليلة كراء المثل فيما حمل عليها أو كراؤها على أنه لم يحمل عليها إذا أوقفها إلا أن تكون لو كانت عند صاحبها تلك الليلة لأكراها، فيختلف، هل يكون عليه أن يغرم ما حرمه؟

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في [ ص: 5154 ] "المدونة" فيمن اكترى دابة يوما إلى الليل فقال صاحب الدابة: هذه الدابة فاقبضها إليك. فلم يقبضها: فقد لزمه الكراء. وقال محمد: وقد قيل: يفسخ الكراء بينهما ورأى ذلك إقالة.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن ولم يكن على صاحبها أكثر مما فعل، وله أن يمضي بها ليحفظ ماله، وليس له أن يتركها على بابه فتضيع.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإن لم تكن أياما بأعيانها، وقد كان ضرب لوقت مجيئه بها أجلا، فقال: آتيك بها غدا أو إلى شهر، فأتى بها فلم يقبلها منه، فالكراء بينهما ثابت إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان فيكريها عليه. قال: وهذا أحب إلي.

                                                                                                                                                                                        يريد أنه مختلف فيه، هل تكون فيه إقالة كالأول ويفسخ الكراء. قال [ ص: 5155 ] مالك في "كتاب محمد" فيمن اكترى ظهرا إلى أجل على حمولة فلما حل الأجل دعاه صاحب الظهر أن يحضر حمولته فأبى، فرفع ذلك إلى السلطان فلم يفصل بينهما فأكرى صاحب الظهر ظهره. فقال مالك مرة: إن كان ذلك أقل مما كان لزم المكتري من الكراء الأول كان على المكتري بقية ذلك، وإن كان أكثر فذلك للمكتري.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: وقال أيضا فيما بلغني: الكراء الأول ثابت، ويكون هذا الكراء للمكري، وعليه أن يرجع مرة أخرى.

                                                                                                                                                                                        وقوله: يرجع ليس بالبين; لأن عليه في ذلك ضررا، أرى أن يسأل، فإن قال: أكريتها لنفسي صدق، وكان له ما أكراها به قل أو كثر ورجع مرة أخرى. وإن قال: اكتريتها للمكتري، صدق، فإن كان أكراها بأقل رجع عليه بالباقي. وإن كان أكراها بأكثر ولم يكن انتقد، كان الفاضل للمكتري، وكذلك إذا انتقد وكان الكراء راحلة بعينها، وإن كان مضمونا، لم يقبل قوله وتصدق بالفاضل. [ ص: 5156 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية