الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من تكارى على حمل متاع كراء معينا أو مضمونا، فلما سار بعض الطريق بلغهم فساد الطريق أو غلاء]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب في من تكارى على حمل متاع كراء معينا أو مضمونا، فلما سار بعض الطريق بلغهم فساد الطريق أو غلاء، يريد بالموضع الذي يريدونه- قال: فإن كان لا يرجى كشفه إلى أيام قلائل كان لمن شاء منهما فسخ الكراء، وإن كان في غير مستعتب كان على المكري أن يؤديه إلى المستعتب المأمون، فإن كان بين يديه فبحساب المسمى، وإن كان خلفه فبكراء المثل.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا بلغهم عن البلد الذي أكري إليه فتنة أو وباء مثل ذلك يفاسخه ولا يلزم واحد منهما التمادي.

                                                                                                                                                                                        وإن مات المكتري ببعض الطريق أو في البلد وقبل الخروج إلى السفر، أكرى الورثة أو من يقام لهم في الطريق من مثله، ولم يفسخ الكراء، وهذا قول ابن القاسم، وهذا هو أحد القولين أن المكترى له لا يتعين، وقال فيمن باع سلعة بمائة دينار على أن يتجر بثمنها، أو استأجره على أن يرعى له هذه المائة [ ص: 5157 ] شاة: إنه فاسد إلا أن يشترط الخلف.

                                                                                                                                                                                        وجعل مطلق العقد على التعيين، وقيل: ولا يفسد. وهو في هذه المسألة أبين، وهو بمنزلة من استأجر على ثوب للباسه لا لتجارة فقيل: يجوز ويتعين وتفسخ الإجارة باستحقاقه أو تلفه ولا يلزمه خلف.

                                                                                                                                                                                        وإن كان خلف آخر مكانه يتعذر كان أبين، ويصير كالصبي يستأجر لرضاعه، فإن الإجارة تنفسخ بموته، مع أن الغالب أن خلف غيره يتعذر عليها، ولا يجد من يستأجر مكانه ولو كان ذلك موجودا لم تنفسخ الإجارة بموته.

                                                                                                                                                                                        وإن ماتت الدابة ببعض الطريق وكانت معينة انفسخ الكراء في الباقي، وإن كان مضمونا أخلف غيرها مكانها، إلا أن يتعذر ذلك على المكري فلا يجده بشراء ولا كراء فيفسخ الباقي، فهذه ضرورة; لأنه لا يمكنها البقاء هناك، وفي الرجوع بعد الانصراف إلى ذلك الموضع مشقة، فأرى أن تجب [ ص: 5158 ] المفاسخة بعد وإن كان قد نقد، ولا يتهمان على كراء وسلف.

                                                                                                                                                                                        وإن تبين أن بالدابة عيبا أو أنها جموح أو عثور أو دبرة يؤذيه ريحها، كان له أن يفسخ الكراء إن كان في مستعتب، فإن لم يكن المستعتب إلا البلد الذي اكترى فيه، كان للمكتري أن يتمادى بها، ويصير الباقي كالشيء الفائت، ويحط عن المكتري قيمة ذلك العيب من جملة المسمى، ينظر ما تكرى بها على أن لا عيب بها وعلى أن بها ذلك العيب، فيحط ما بينهما، وكذلك إذا لم يعلم بذلك العيب حتى بلغ البلد الذي أكرى إليه وحط عنه قيمة العيب، فقد يظن أن تلك الرائحة من دابة أخرى معه في السفر.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كانت عثورا وقدر أنها لم تعثر حتى وصل، فإن من حق المكتري أن يحط عنه عيب العثار، فإن كان الكري غير عالم أنها عثور؛ لأنه حديث عهد بكسبها قال المكتري: قد كنت أرى إن كنت راكبا أو حملني على غرر [ ص: 5159 ] فقد يفسد إن عثرت ولا تضمنه لي، وإن كان الحمل لا يخشى فساده فعليه كلفة في رفعه، وقد يتخلف عن الناس لرده عليها، وإن كان عالما وغره، فإنه لا يختار أن يضمن له ولا يطالب بضمانه. وقوله: إن كان لا يبصر بالليل أنه عيب على أنه يحتاج إليه بالليل. [ ص: 5160 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية