الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حكم اختلاف رجلين تكاريا دابة يتعاقبان عليها]

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن سحنون: قال بعض أصحابنا في رجلين تكاريا دابة يتعاقبان عليها في ذهابهما ومجيئهما، فلما بلغا قابس قال أحدهما: كان الكراء إلى قابس. وقال الآخر: إلى طرابلس: فالقول قول من قال إلى قابس، ويرجع راكبا، فإن رجع معه صاحبه وإلا أكرى الذي قال إلى قابس مكان صاحبه.

                                                                                                                                                                                        فإن قال صاحب الدابة: كان الكراء إلى طرابلس ذاهبين وراجعين وصدقه الذي قال إلى قابس وقال: كنت كذبت أو نسيت- أعطى صاحبه المدعي إلى طرابلس قيمة الكراء من قابس إلى طرابلس. [ ص: 5191 ]

                                                                                                                                                                                        وإن قال: لم أكر إلا إلى قابس أعطى صاحبه قيمة كراء من قابس إلى طرابلس، ولم يكن للآخر شيء.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا قال المكتري: إن الكراء كان إلى طرابلس، أن يسقط عن الذي قال إلى طرابلس من المسمى قدر ما ينوب ما بعد قابس إلى طرابلس، وكان للمكري أن يرجع بذلك على من قال إلى قابس، ثم رجع عن قوله; لأنه بتعديه في ردها من قابس أتلف عليه باقي الكراء إلى طرابلس، ويرجع عليه بتمام المسمى الذي عقد عليه به منه; لأنه كان مكنه منها فردها اختيارا وأقر أنه كذب في قوله إلى قابس، ولا يصدق في قوله: نسيت.

                                                                                                                                                                                        فإن قدر على أن يستعملها في البلد أو في مواضع مأمونة، مثل القدر الذي كان يسافر بها من قابس إلى [ ص: 5192 ] طرابلس- كان ذلك له، وإلا فلا شيء له.

                                                                                                                                                                                        وإن قال صاحبها: بل كان الكراء إلى قابس; أخذ من الذي كان قال مثل ذلك جميع المسمى، وسواء بقي على قوله أو رجع عنه، ثم ينظر فيما بينه وبين الآخر: فإن كان لم ينتقد منه الكراء، كان القول قول المكتري: إن الكراء كان إلى طرابلس، ويسقط عنه من المسمى ما بعد قابس إلى طرابلس، وإن كان نقد كان القول قول المكتري أن الكراء كان إلى قابس.

                                                                                                                                                                                        ومحمل القول في أول المسألة أن القول قول من قال إلى قابس ويرجع بها، فإن كان ذلك بعد يمينه، فإن نكل حلف الآخر ومضى بها إلى طرابلس. فإذا قدم فقال صاحبها: كان الكراء إلى طرابلس، ورجع الآخر إلى قوله، لم يسقط عن الذي قال إلى قابس ما بعد قابس إلى طرابلس; لأنه كان ممكنا منها فتركها اختيارا، وإن قال صاحبها: كان الكراء إلى قابس.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من دفع كتابا لمن يبلغه من مصر إلى إفريقية بكذا وكذا ثم أتى بعد ذلك، وقال: بلغته، وكذبه الآخر. قال: قد ائتمنه على أداء الكتاب. فإذا قال: قد أديته -فيما يعلم أنه يصل ويرجع- كان له الكراء. [ ص: 5193 ]

                                                                                                                                                                                        قال: وكذلك الكراء على الطعام والبز. وقال غيره: عليه البينة أنه بلغه. والأول أحسن، إذا كان على الإجارة; لأنه كلما مضى يوم استحق أجره، ومعلوم أنه لا يكلف بينة تصحبه كل يوم أنه مشاه. وإن كان على البلاغ حسن أن يكلف البينة; لأن الأجرة إنما تستحق عن وقت تسليمه إلا أن العادة اليوم أن لا بينة في ذلك. [ ص: 5194 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية