الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في سفر العامل بالقراض

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: سفر العامل بالقراض ومنعه على ستة أوجه: فإما أن يسافر به ولم يكن من صاحب المال حجر ولا إباحة، أو أباح له السفر جملة، أو إلى موضع بعينه، أو قال: سافر به حيث شئت إلا موضعا لعينه، أو حجر عليه الخروج به عن البلد، أو أوجب عليه السفر به وحجر عليه أن يتجر به في البلد.

                                                                                                                                                                                        فاختلف هل له أن يسافر به إذا لم يشترط عليه المقام ولا السفر به؟ فقال ابن القاسم: له عند مالك أن يسافر به إلا أن يكون نهاه عن ذلك. وقال مالك في "كتاب محمد": لا يصلح أن يشترط عليه ألا يسافر به، وقال ابن حبيب: السنة ألا يخرج به إلا أن يأذن صاحب المال.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: أما إذا كان العامل شأنه السفر كان له أن يسافر به إلا أن يشترط ألا يسافر به، وإن كان بزازا أو ذا صنعة شأنه الإدارة فليس له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك، وإن حجر عليه السفر به جاز ذلك إلا ما ذكره محمد عنه.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن إذا كان الموضع واسعا لمثل تلك التجارة، وإذا كان على غير ذلك لم يصلح القراض، فإن فعل وخرج به كان متعديا وضامنا إن هلك المال، وإن أباح له السفر جملة أو أباح له موضعا بعينه، أو أباح له جميع [ ص: 5279 ] المواضع إلا موضعا لعينه جاز، وإن شرط عليه السفر وحجر عليه أن يتجر به في الموضع الذي أخذه فيه لم يجز عند ابن القاسم، وأجازه أصبغ في "العتبية" وقال فيمن أخذ قراضا على أن يخرج به من مصر إلى البحيرة أو الفيوم يشتري الطعام: لا بأس به.

                                                                                                                                                                                        قيل له: فالموضع البعيد يخرج إليه مثل إفريقية يشتري بها؟ قال: لا بأس به. وقال ابن حبيب: يجوز أن يشترط عليه أن يخرج بالمال ولا يسمي بلدا بعينه، وإن سمى بلدا بعينه إذا كان واسع المتجر ما لم يشترط عليه جلب ما اشترى هنالك، أو يسمي سلعا يشتريها ويأتي بها، أو يحمل من هنا إلى هناك سلعا يبيعها، فذلك مكروه وهو فيه أجير.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه-: ويجوز على أصل أصبغ أن يقارضه على أن يتجر فيما يدخر كما جاز أن يخرج ولا يشتري إلا من بلد كذا; لأن كل ذلك تحجير بل هو فيما هو حاضر أخف.

                                                                                                                                                                                        وقول ابن حبيب أن ذلك يجوز إذا كان لا يشتري من ها هنا ولا يشترط عليه القدوم بما يشتري هناك ليس بالبين بل إذا ابتدأ الشراء والتجر من ها هنا أخف، وهذه العادة مع عدم الشرط ولو فسد ذلك بالشرط لفسد مع عدمه؛ لأنها العادة، والعادة كالشرط، ولو أخذ القراض من عادته السفر وليس شأنه التجر في المقام فاشترى ما يجلس به للتجارة لكان متعديا. وكذلك إذا أخذ المال بزاز صاحب دكان فاشترى غير صنعته وما يدار ولا يخزن ولا يدخر كان متعديا. [ ص: 5280 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية