الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل في العامل هل يبقى على الخيار أو يلزم في الجعالة

                                                                                                                                                                                        (قد) تقدم القول أن كل واحد من رب المال والعامل بالخيار ما لم يعمل، وأنه إن شرط نضة واحدة لزم ذلك لرب المال على المستحسن من القول.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في العامل، هل يبقى على الخيار أو يلزمه على أحد القولين في [ ص: 5310 ] الجعالة؟ فإن أشغل جميع المال ارتفع الخيار ولم يكن لرب المال أخذه ولا للعامل رده إلا بعد النضوض، وإن أشغل بعضه في تجارة امتنع رب المال من أخذه؛ لأنه فيما أشغل على ثلاثة أوجه: إما أن يكون الأقل، أو النصف، أو الأكثر، فإن أشغل الأقل لم يكن له أخذ الباقي; لأن على العامل في التمادي باليسير مضرة ولو علم بذلك ما عمل به وكذلك النصف، وإن أشغل الأكثر كان القليل تبعا للكثير، وإن أشغل جميعه فلما نض أشغل بعضه كان لصاحب المال أن يأخذ ماله ما لم يشغل منه.

                                                                                                                                                                                        ويصح امتناع انتزاعه وإن لم يشغله العامل كأن يسافر به إلى بلد، فإن ذلك يقوم مقام اشتغاله لتعبه وخروجه لأجله فيمتنع رب المال حينئذ من أخذه، وإن تجهز بشيء مما يصلح للسفر من لباسه وطعامه ومؤن سفره فقام صاحب المال لأخذه قبل خروجه، كان ذلك له وأخذ ما اشتراه على حاله، فإن تجهز بتجارة مما يصلح للسفر لم يكن له أن يمنعه من السفر والخروج إذا أذن له في حين إعطاء المال في السفر، أو لم يأذن له على القول أن له أن يسافر به.

                                                                                                                                                                                        وإن لم يكن أذن له (فيه إلا أن ينفق سوقها قبل سفره وبلغت ما كان يرجى فيها في الموضع الذي يبلغها إليه، فيكون لرب المال أن يأخذه ببيعها ها هنا ويمنعه السفر.

                                                                                                                                                                                        وإن اشترى تجارة ليبيعها في البلد وهي مما يدخر لما يرجى من ارتفاع سوقها بعد اليوم، لم يكن له أن يأخذه ببيعها قبل الوقت المعتاد في بيعها.

                                                                                                                                                                                        وإن [ ص: 5311 ] باع العامل بثمن إلى أجل وقد كان أذن له رب المال في ذلك ثم أراد أن يباع الدين بالنقد لم يكن ذلك له، وكل موضع مما ذكر لا يكون لرب المال أن يأخذه منه لا يمكن العامل من رده إلا برضا الآخر.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: لا أسافر بما اشتريته للسفر أو أبيع الآن ما حقه أن يؤخر، أو أبيع الدين الآن، أو أسلم المال ولا أتولى نضوضه ولا بيعه ولا اقتضاء الدين، لم يكن ذلك له إلا برضا صاحب المال، فإن رضي والمال في عروض أو دين على الناس جاز; لأنه إن كان المال لا فضل فيه أو فيه وضيعة، كان قبوله تفضلا من رب المال; لأنه تطوع أن حمل عنه ما كان عليه أن يعمله، وإن كان فيه فضل فرضي أن يتكلف له ذلك وجزؤه قائم جاز أيضا؛ لأنه تطوع منه، وإن كان على أن يسقط حقه في الربح كانت إجارة بجزئه من الربح إذا علم قدره ونحوه، وكذلك إن تراضيا على ذلك، على أن يكون لرب المال بعض المال نصفه أو ربعه، جاز إذا عرف قدره ونحوه. [ ص: 5312 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية