الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشهادة بين الأقارب والزوجين والأصهار والصديق

                                                                                                                                                                                        ولا تجوز شهادة الوالدين للولد، ولا شهادته لهما، ولا شهادة الأجداد ولا الجدات لولد الولد، ولا شهادته لهم.

                                                                                                                                                                                        واختلف في شهادة الأب لأحد ولديه على الآخر، إذا لم يعلم كيف منزلتهما عنده، فأجيز ومنع؛ لإمكان أن تكون شهادته لأقربهما منه رأفة، ولا تجوز شهادته لصغير على كبير، ولا لسفيه في ولائه على رشيد بمال; لأنه يتهم في بقائه تحت يده، ولا لبار على عاق، وتجوز للكبير على الصغير، وللعاق على البار، وهو قول ابن القاسم، إلا أن يتهم في المشهود له، بانقطاع ومحبة وإيثار، وجفوة للآخر، منع. يريد إن كانا كبيرين وليس من أحدهما عقوق.

                                                                                                                                                                                        ومنع سحنون ذلك جملة، قال: لما جاء من السنة في منع شهادة الأب. والأول أحسن. ولا ترد شهادة العدل، إلا أن تعتريها تهمة، ولا تهمة في الصفة التي أجازها ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانا صغيرين أو سفيهين، أو صغير وسفيه كبير، هل تجوز شهادته لأحدهما على الآخر، إذا لم يعلم كيف منزلتهما من نفسه؟

                                                                                                                                                                                        واختلف في شهادة الابن لأحد أبويه على الآخر، فقال مالك -في [ ص: 5405 ] المجموعة، وهو في كتاب محمد-: لا تجوز إلا أن يكون مبرزا في حاله، ويكون ما شهد فيه يسيرا. قال: والابن يهاب أباه وربما ضربه، فمنع شهادته للأب لهذا الوجه، وللأم لإمكان أن يكون ميله إليها أكثر. وقال ابن نافع: شهادته لأحدهما على الآخر جائزة، إلا أن يكون الابن في ولاء الأب، أو تزوج على أمه فأغارها، فيتهم أن يغضب لأمه. والأول أبين; لأن كثيرا من الولد يميل إلى أحد الأبوين أكثر من الآخر؛ لحنانه ورفقه به أكثر من الآخر، فلا تحمل شهادته على المضي؛ لإمكان أن تكون الشهادة لمن هو إليه أميل إلا أن يثبتا أن شهاداته على من هو إليه أميل، فتجوز كشهادة الأب للكبير على الصغير.

                                                                                                                                                                                        ويلزم على قول ابن نافع أن تجوز شهادة الأب، بين الكبيرين أو الصغيرين أو السفيهين، وإن لم تعلم منزلتهما منه، وتجوز شهادة الابن على أبيه بطلاق أمه، إذا كانت منكرة لذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت هي القائمة بالشهادة، فمنعها أشهب، وأجازها [ ص: 5406 ] ابن القاسم جملة من غير تفصيل؛ لإنكار أو غيره، وهو أبين إذا كان مبرزا في حاله، وإن شهد بطلاق غير أمه لم تجز، إذا كانت أمه في عصمة أبيه، وأجيزت إذا كانت أمه ميتة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت حية مطلقة، فمنعها ابن القاسم، وأجازها أصبغ، وكل هذا إذا كانت الأجنبية منكرة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت هي القائمة بشهادة الوالدين، والأم في عصمة الأب، فأجازها أصبغ، ومنعها سحنون بعد أن قال: هي جائزة، والقياس أن تمنع، سواء كانت الأم في عصمة الأب، أو مفارقة أو ميتة، كانت الأجنبية منكرة أو قائمة بالشهادة; لأن العادة جارية بين زوجة الأب وربيبها بالعداوة والبغضاء، وإن كانت شابة كان أبين; لأنه يخشى ما يكون من ولد فيشاركه في الميراث، ويميل بماله إليها، ويرضي أمه بفراقها إن كانت حية، وإن كانت الأم مفارقة. [ ص: 5407 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية