الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في شهادة الأخ لأخيه]

                                                                                                                                                                                        شهادة الأخ لأخيه على سبعة أوجه: في الأموال وفيما ليس بمال، وهو مما يدرك في مثله في الحمية والغضب، أو ما يدفع بها عن نفسه معرة، أو يكسب بها جاها ومنزلة، أو تعديله إياه وتعديله من شهد له، وتجريحه من جرحه، وتجريحه من شهد عليه، وتجريحه من جرح من شهد له.

                                                                                                                                                                                        فلا تجوز شهادته له في ثلاث: فيما يدرك في مثله الحمية والغضب له، ولا فيما يكسب بها حظوة ومنزلة، ولا فيما يدفع بها معرة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في شهادته له في الأموال على أربعة أقوال: فقيل جائزة، وقيل: لا تجوز. وقيل: إن كان حوزا جازت وإلا لم تجز. وقيل: تجوز في اليسير دون الكثير.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن ترد في الكثير الذي يؤدي إلى شرفه، ولا ترد في الوسط إذا كان مبرزا، ولا في اليسير مع عدم البروز، إلا أن يكون قد جرى بين الأخ المشهود له والمشهود عليه، شنآن ومقابحة وما تدرك في مثله الحمية [ ص: 5408 ] والغضب، فلا تجوز بحال. وإن كان أحد الأخوين في نفقة الآخر، لم تجز شهادة المنفق عليه للمنفق.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في شهادة المنفق على المنفق عليه حسبما تقدم، إلا أن تكون نفقته عليه لفقره؛ ولئلا تدركه في ذلك ضيعة أو معرة، فلا تجوز; لأنه يدفع عن نفسه بشهادته مؤنة الإنفاق أو معرة الترك، وإن شهد له بتزويج امرأة وأنكرت، فإن كان يشرف بمثلها، أو علم تعلق نفسه بها، أو لها يسار والمشهود له فقير، لم تجز، وإن عريت عن هذه الوجوه التي يتهم في مثلها، جرت على الخلاف المتقدم في الشهادة بالمال فتجوز وتمنع، وتجوز بشرط البروز وتمنع مع عدمه، ولا تجوز شهادته أن فلانا قذفه; لأنه يدفع بها معرة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في شهادته في جراح الخطأ; لأنها مال حسبما تقدم في الشهادة بالمال.

                                                                                                                                                                                        واختلف في شهادته في جراح العمد، فالمعروف من المذهب المنع; لأنه مما يدرك في مثله الحمية. وأجازها أشهب في العتبية. والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        وقال -في كتاب محمد-: تجوز شهادته أن فلانا قتل أخاه، إذا كان الولي والوارث غيره. قال أصبغ: وفيه اختلاف، قال وهذا أحب إلينا. وأجاز الشهادة [ ص: 5409 ] في مثل العمد، وإن كان مما تدرك في مثله الحمية; لأن المثل موجود، ولا بد أن يكون هناك قاتل، إلا أن يكون قوم يلطخون بالقتل غير القاتل؛ لئلا يبطل دمه فلا تجوز الشهادة.

                                                                                                                                                                                        وكل موضع تمنع فيه شهادة الأخ لأخيه فلا يجوز تعديله من شهد له بذلك، ولا تجريحه من جرح شاهده به، ولا تجريح من شهد عليه، بما إذا ثبتت الشهادة أدى إلى عقوبة الأخ أو حده أو قتله أو قطعه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الأخ هو الشاهد، هل يجوز تعديل أخيه له؟ وأن لا يجوز أصوب; لأن ذلك مما يزيده شرفا ويدفع عن نفسه معرة، وهذا إذا شهد بمال أو بما لا يؤدي إلى عقوبة الأخ إذا لم تثبت شهادته، وإن شهد في زنا أو غيره، مما يلزمه إذا لم تثبت شهادته حد أو عقوبة لم تجز.

                                                                                                                                                                                        ولا يجرح من جرح أخاه في زنا أو غيره; لأنه يدفع به معرة وهو في هذا بخلاف التعديل. قال محمد: وإن جرحه بهجرة أو عداوة جاز، يريد بخلاف الجرحة بالإسفاه. قال [ ص: 5410 ] محمد: ولا يجرح من جرح عمه ; لأنه يدفع عن نفسه عيب من هو وجهه ولسانه، وأجاز ذلك في ابن الأخ وابن العم.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن لا يجوز تجريحه لأحد هؤلاء، الأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وإن كانت الجرحة بالعداوة والهجران; لأن رد الشهادة وصم على الشاهد في الجملة، وهو مما تدرك به الحمية، ولأن مضمون رد الشهادة، وإن كانت من ناحية العداوة، أنه يتهم أن يكون شهد بزور وباطل لأجل ما بينهما.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية